عندما نسمع كلمة "مومياء" أو "تحنيط" تتجه مخيلتنا على الفور إلى مصر القديمة، حيث تفوق الفراعنة بالفعل من ناحية اعتمادهم تقنيات متطورة في تحنيط الموتى وحفظ جثثهم، لكن هذه العملية لا تقتصر على مصر فقط، فقد كانت منتشرة في اليمن وأماكن مختلفة من آسيا، أما أقدم مومياء اكتشفت في العالم فموطنها تشيلي في أمريكا الجنوبية.
أقدم مومياء في العالم في أمريكا الجنوبية
قبل أن يبدأ المصريون القدماء بتحنيط موتاهم بألفي عام، قام شعب تشينشورو بإجراء هذه العملية، وعلى عكس المصريين الذين اهتموا بحفظ جثث الفراعنة والأثرياء، تم تكريم الموتى على قدم المساواة في الخلجان الساحلية لصحراء أتاكاما في أمريكا الجنوبية (تشيلي اليوم)، والتي سكنها شعب تشينشورو في حوالي عام 7000 قبل الميلاد.
في مدينة أريكا الواقعة أقصى شمال تشيلي، يعيش السكان المحليون اليوم مع قرابة 300 جثة محنطة من أبناء شعب تشينشورو، والتي اكتشفها أول مرة عالم الآثار الألماني ماكس أوهل، قبل قرن من الزمن.
ووفقاً لما ورد في موقع CNN، ربما كان عنصر الزرنيخ المنتشر في الصحراء سبباً في ارتفاع معدل وفيات الأجنة والأطفال، الأمر الذي دفع شعب تشينشورو للتفكير بتحنيط جثث الأطفال والأجنة الموتى، ثم تطور الأمر وبدأوا بتطبيق هذه الممارسة على جثث البالغين كذلك.
وقد انتشرت 5 أشكال مختلفة للمومياوات في صحراء أتاكاما آنذاك، لكن أشهرها هي المومياوات السوداء والحمراء.
وفي حالة المومياوات السوداء يتم تفكيك جسد الميت وتحنيطه ثم إعادة تجميعه، أما في حالة المومياوات الحمراء فيتم إحداث شقوق صغيرة في الجثة لإزالة الأعضاء الداخلية وتجفيف جوف الجثة ثم تحنيطها.
وفي كلتا الحالتين يتم حشو جسد الميت بالعصي والقصب ويزين بالشعر المستعار، ويلثم الوجه بالطين المطلي بالمنغنيز.
ويرجح أن سبب بقاء المومياوات على مر السنين هو المناخ الجاف للغاية، بالإضافة إلى مستويات الملوحة العالية بالقرب من الساحل.
لماذا لم تحظَ تلك المومياوات بشهرة المومياء المصرية؟
يُقدر الباحثون أن السبب يعود ببساطة إلى عدم اهتمام التشيليين أنفسهم بإعطاء قيمة كبيرة لهذه المومياوات التي تم اكتشافها منذ قرن تقريباً على طول حدودهم الشمالية.
مع ذلك بدأ الأمر بالتغير بشكل ملحوظ، فقد ازداد الاهتمام بتلك المومياوات، خاصة بعد أن أدرجتها منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) ضمن قائمة التراث العالمي عام 2021.
ويقول عالم الأنثروبولوجيا الفيزيائية، برناردو أريازا، الذي درس مومياوات تشينشورو لأكثر من ثلاثة عقود: "ما نحاول إظهاره هو أننا لا نمتلك فقط أقدم دليل على التحنيط المتعمد، ولكن تم ذلك أيضاً من قبل أشخاص عاشوا ما قبل صناعة الخزف (فترة زمنية عاش خلالها شعب تشينشورو ما بين عامي 7000 و1500 قبل الميلاد) في بيئة لا تزال موجودة حتى اليوم".
ويتابع: "هؤلاء كانوا أوائل المستوطنين في منطقة أتاكاما، لذلك أحب أن أعتبرهم رواد الصحراء". "ربما لم يكونوا متقدمين من الناحية التكنولوجية، لكنهم أبدعوا في مجال تحنيط الموتى".
اليمن.. في المرتبة الثالثة بعد مصر وتشيلي
مومياوات اليمن ليست أقدم عمراً من المومياوات المصرية، لكنها ليست أقل إثارة للاهتمام كذلك، فقد تم العثور على العديد منها في مناطق مختلفة منها صنعاء ومحافظة المحويت وذمار والجوف وشبام.
ويعود تاريخ تلك المومياوات إلى حوالي 1200 قبل الميلاد، حيث مورس التحنيط آنذاك تلبية لمتطلبات دينية كانت منتشرة في اليمن، وترك اليمنيون عادة التحنيط بعد دخول الإسلام إلى البلاد.
ويحتل اليمن المرتبة الثالثة بعد مصر وتشيلي من حيث التقنيات المستخدمة في التحنيط، حيث كان اليمنيون يستخدمون في عملية التحنيط الزبيب ودهن الجمل وبعض أوراق النباتات.
وقد وجدت المومياوات اليمنية ملفوفة بالكتان داخل أكياس جلدية، بعضها في حالة قرفصاء، في مقابر صخرية في مناطق وعرة من الجبال.
مومياوات آسيا
عثر في الصين كذلك على مومياوات عمرها 3500 عام، وكانت ذات ملامح قوقازية بشعر أحمر وملابس التتر، وذلك في صحراء تكلا ما كان غرب الصين.
كذلك عثر على مومياء لسيدة على الحدود السيبيرية المنغولية، ومومياوات في ألاسكا.
أما المومياوات الأكثر إثارة للاهتمام فقد كانت تلك المكتشفة بكهف بمدينة كابايان الواقعة بإقليم بنجويت بشمال الفلبين خلفتها قبيلة إيبالوا وكانت في وضع القرفصاء كالجنين في أكفان خشبية ومعظمها ذات أفواه ممطوطة كأنها تتحدى الموت.
وكان للتحنيط في تلك القبيلة طقوس معينة، حيث كان كبار السن الذين يتجهزون للموت يتناولون بالغالب محاليل ملحية وهم أحياء لأنهم كانوا يعتقدون أنها تنظف الأحشاء الداخلية، وبعد موتهم كان الابن الأكبر ينفث الدخان في فم الميت ليطهر الأنسجة ويحفظها. لهذا تبدو المومياوات بأفواه فارغة بهذا الشكل.
بعد ذلك تخلع ملابس الميت ويغسل بالماء العذب ويوضع فوق كرسي ويقيد به رأسه وظهره. وتوقد نار هادئة لتجفف جسد الميت، ويحرص ذووه على وضع إناء تحته لتجمع به السوائل التي يعتقد أنها مقدسة فلا تهدر.
وعندما يتخلص جسم الميت من السوائل يوضع في الشمس لتسريع عملية التجفيف. ثم تقشر بشرة الجلد وتدعك بالنباتات المحلية، ثم يغطى مكانها بالوشم برسومات مزخرفة ومنتظمة. وكانت الوشوم ترسم بخليط من السخام وعصير الطماطم والماء، وكان يوضع تحت الجلد باستخدام إبرة خاصة. وقرب كهف الدفن كانت تقطع شجرة صنوبر لعمل الكفن.