وثق المصريون القدماء جيداً الأطعمة المفضلة التي حضرها الملوك ونخبة القوم لاصطحابها معهم إلى الحياة الأخرى التي تنتظرهم ما بعد الموت. قدمت هذه الصور والنقوش فكرة جيدة تماماً عن هذا الجانب اليومي من الحياة قبل آلاف السنين.
وإن كنت تظن أن الأطباق كانت بدائية أو سهلة الإعداد والتحضير، فأنت مخطئ تماماً.
وفّر نهر النيل المياه للماشية وأبقى الأرض خصبة للمحاصيل. وفي موسم جيد، أطعمت الحقول المصرية كل شخص في البلاد بكثرة؛ بل خزنت الفائض لما بعد.
أحد المصادر الرئيسية لما نعرفه عن المطبخ المصري القديم هو البقايا الموجودة في المقابر، وضمنها وفرة من المواد الغذائية، والتي تُترك ظاهرياً لخدم الآخرة لتجهيزها وليتمتع بها المتوفى.
وبالفعل، عُثر على كومة من الدهون بـ"مقبرة خا" في القرنة بالقرب من الأقصر سيبلغ عمرها 3 آلاف عام، والتي يعرضها المتحف المصري في تورين بإيطاليا.
طعام المصريين القدماء
كانت الأشكال الرئيسية لتحضير الطعام هي الخبز والسلق والشواء والقلي والطبخ والتحميص.
تشكّل الإفطار من الخبز والجعة، ثم وجبة عشاء مكونة من أحد أنواع اللحوم والخضراوات ومزيد من الخبز والجعة.
في كتاب نُشر عام 2010 بعنوان "مطبخ الفرعون: وصفات من التقاليد الغذائية الدائمة في مصر القديمة "، أوضح المؤلفان عمرو حسين وماجدة مهداوي أن مشاهد المقابر أكثر من مجرد تصوير فني، وأن معظم الوصفات تعكس مطبخاً مصرياً أكثر حداثة.
بدورها، قالت عالمة الآثار والمتخصصة في تاريخ الطعام منة الله الدري لموقع Middle East Eye، إن البصل الأخضر كان مفضلاً جداً لدى المصريين القدماء وأحد أساسيات الطعام.
ورغم كل الصور المفصلة لأنواع الطعام التي تناولها المصريون، أكدت الدري أنه لم يتم العثور على وصفة كاملة لأي منها.
نعدد في ما يلي بعض الأطعمة التي تناولها المصريون القدماء:
كعكة بندق النمر
في عام 2019، أعادت الدري صناعة كعكة بندق النمر، وهي حلوى عمرها 3000 عام، من مجموعة من التعليمات الموجودة في قبر رخمير، نبيل الأسرة الثامنة عشر.
وعثر على مكونات الوصفة على القبر الذي أظهر مراحلها الأولى من قطف الثمار وطحنها وقليها. ولكن المقادير لم تكن موجودة، فاضطرت الباحثة لإعادة التجربة أكثر من مرة للوصول إلى أقرب شكل ممكن كما تم تصويره.
الخبز والجعة
في حجرة ضريح يبلغ عمرها 4400 عام في سقارة (معروضة الآن بمتحف متروبوليتان للفنون في نيويورك)، يُظهر المحراب على الجدار الشمالي مشهداً خارج التسلسل لصنع الخبز وتخمير البيرة.
تقوم امرأتان بطحن الحبوب على أحجار الرحى الصلبة، بينما تقوم امرأتان بطحن الدقيق. تقذف إحداهما صحنها لإزالة بقايا القشور، بينما تجثو أخرى على ركبتيها للغربلة.
يعجن رجلان العجينة قبل وضعها في الفرن، حيث تحجب امرأةٌ وجهها عن الحرارة. يمرر صانع الجعة الخبز من خلال منخل، بينما يقوم رجل مقرفص بإعداد البرطمانات للبيرة المخمرة.
بالنسبة للمصريين القدماء، كانت البيرة مُعدة للطعام وليست مرطبات، وكانت عبارة عن طعام سائل كثيف، مليء بالتكتلات والأعشاب والسعرات الحرارية، حسب ما نشر موقع History.
البصل الأخضر والثوم والعدس
على الرغم من أن البصل الأخضر ظهر كثيراً في سياقات مختلفة- الزراعة والوجبات اليومية والعروض للموتى- فقد يكون وجوده في كل مكان، إضافة إلى أهميته الطهوية، خياراً فنياً، وفق ما قالته الدري.
وأوضحت أنه لم يتم العثور على بقايا العدس في القبور، ولكن تم العثور على بقايا النبات، وكذلك التمر.
ورجحت أنه لم يكن طعاماً فاخراً حرص الملوك على تناوله في الآخرة.
وتبين من الرسوم حب المصريين القدماء للثوم والباسلاء والفول والحمص، حسب ما نشر موقع History Hit.
اليبروح أو اللفاح
تشير حقيقة ظهور اليبروح أو اللفاح كجزء من عروض الطعام إلى أنه تم تناولها، لكن تأثيرها المخدر (والدلالات الجنسية المحيطة بالرسوم التي شملتها) يرجح استخدام اليبروح كمادة لصناعة للأدوية والإكسير، ومكوناً أساسياً في الولائم والاحتفالات.
وماذا عن اللحوم؟
لم تكن اللحوم طعاماً لكل الناس، وبقيت محصورة بين الأثرياء الذين تناولوا لحم الخنزير ولحم الضأن.
تمكن الصيادون من صيد مجموعة واسعة من الحيوانات البرية، من ضمنها الطيور وفرس النهر والغزلان، وكذلك الفئران والقنافذ.
كانت الدواجن أكثر شيوعاً من اللحوم الحمراء، وأكثر انتشاراً بين الفقراء ومنها: البط والحمام والأوز والحجل والسمان واليمام والبجع والنعام.
كما كان بيض البط والبجع والإوز يؤكل بانتظام.
العسل والبهارات للأثرياء
كان العسل أغلى أنواع المُحليات المستخدمة لتحلية الخبز والكعك.
صنع منه الحلويات عبر غليه ودمجه مع مكونات أخرى ثم تركه ليبرد قبل تناوله.
وكذلك البهارات التي تم استيرادها من خارج مصر مثل الكمون والكزبرة والخردل والزعتر والقرفة، بقيت حصراً في مطابخ من تمكن من شرائها وتخزينها.