في عام 1889، ظهر مرض تنفسي غامض في الإمبراطورية الروسية أطلق عليه اسم "الإنفلونزا الروسية"، ثم انتشر في جميع أنحاء العالم، متسبباً في 3 موجات على الأقل من العدوى على مدار عدّة سنوات، راح ضحيتها نحو مليون شخص.
كيف بدأت الإنفلونزا الروسيّة بالانتشار في العالم؟
في أحد أيام شهر مايو/أيار من عام 1889، بدأ سكّان مدينة بخارى (في أوزبكستان حالياً) التي كانت تتبع للإمبراطورية الروسية آنذاك، الشعور بالمرض القاسي الذي يؤدي إلى الموت.
وفقاً لصحيفة New York Times الأمريكية، فإن هذا المرض الذي عصف بالسكان كان هو "الإنفلونزا الروسيّة" أو كما أطلق عليه أيضاً "الإنفلونزا الآسيوية"، فاجتاح المستشفيات وقتل كبار السن، بينما أُجبرت المدارس والمصانع على الإغلاق، لأن كثيراً من الطلاب والعمال كانوا مصابين بالمرض.
بعض المصابين وصفواً أعراضاً غريبة كانوا يشعرون بها وهي: فقدان حاسة الشم والتذوق، فيما أبلغ بعض الذين تعافوا عن إرهاق طويل الأمد شعروا به.
موقع MPH الماليزي قال إنّ هناك اعتقادات سادت بين العلماء في تلك الفترة بأن "الإنفلونزا الروسية" كانت تتبع لسلالة الإنفلونزا H2N2، وهي إحدى سلالات إنفلونزا الطيور.
أما الحالات الأولى للإنفلونزا الروسية فقد شوهدت لأول مرَّة في 3 مواقع منفصلة وبعيدة عن بعضها البعض وهي:
- بخارى في الإمبراطورية الروسية
- أثاباسكا في شمال غربي كندا
- غرينلاند في الدنمارك
بينما ساعد النمو السكاني السريع في القرن الـ19 على انتشار الإنفلونزا في جميع المناطق الحضرية قبل أن تتفشى في معظم أنحاء العالم، وقد كان هذا التفشي الفيروسي هو أول وباء حقيقي في عصر علم الجراثيم، وقد خلَّف وراءه نحو مليون قتيل حول العالم.
هل كانت الإنفلونزا الروسية من فيروس كورونا فعلاً؟
في الوقت الحالي، يشكّ بعض العلماء في أن هذا المرض، الذي يطلق عليه اسم "الإنفلونزا الروسية"، ربما يكون ناجماً عن وباء فيروس كورونا مشابه لـSARS-CoV-2، الفيروس الذي يسبب COVID-19، حسبما ذكرت New York Times.
بعض أوجه التشابه بين الجائحتين، على سبيل المثال خلال جائحة الإنفلونزا الروسية، أُغلقت المدارس وأماكن العمل، بسبب العدد الهائل من المصابين.
غالباً ما فقد المصابون حاستي التذوق والشم، وتحمَّل بعضهم أعراضاً طويلة الأمد استمرت لأشهر.
بشكل عام، يبدو أن الإنفلونزا الروسية تقتل عدداً أكبر بكثير من كبار السن ومن الأطفال، عكس فيروسات الإنفلونزا، التي تميل إلى أن تكون قاتلة بشكل مماثل للفئتين العمريتين، وفقاً للسجلات التاريخية المتاحة، التي تشمل السجلات الصحية الحكومية والصحف والمقالات الصحفية.
فيما يعتقد البعض أن مسببات المرض الروسي ربما لا تزال موجودة، وتنتقل متحوراتها في جميع أنحاء العالم، باعتبارها واحدة من الفيروسات التاجية الأربعة التي تسبب نزلات البرد.
في حين يشير السويسري هارالد بروسو، عالم الأحياء الدقيقة المتقاعد ومحرر مجلة Microbial Biotechnology، إلى ورقة بحثية نشرتها مجلات الجمعية الأمريكية لعلم الأحياء الدقيقة ASM في عام 2005، خلصت إلى أن فيروس كورونا المعروف باسم OC43، والذي يسبب نزلات البرد الشديدة، ربما قفز من الأبقار إلى البشر في عام 1890، وهي الفترة الزمنية ذاتها التي انتشرت فيها الإنفلونزا الروسية.
فيما تنتشر 3 فيروسات كورونا أخرى أقل ضراوة أيضاً، ربما يكون أحد هذه الفيروسات، أو OC43، هو البديل المتبقي من جائحة الإنفلونزا الروسية.
هل تشابُه الأعراض يعتبر دليلاً كافياً؟
في حين أن سمات جائحة الإنفلونزا الروسية تشبه بشكل مخيف تلك الخاصة بالوباء الحالي، فإن فكرة أن الإنفلونزا الروسية ربما تكون ناجمة عن فيروس كورونا لا تزال تخمينية، وفقاً لما قاله بيتر باليس، باحث الإنفلونزا وأستاذ الطب بكلية الطب في إيكان ماونت بنيويورك.
كما ردد بعض الخبراء هذا الشعور، لكن آخرين قالوا إنهم يشتبهون في أنه رغم أنه قد يكون هناك دليل قوي يدعم الفكرة، فإنه لم يتم العثور عليه بعد.
وفقاً لما ذكره موقع Livescience الأمريكي، فإن الدكتور جيفري توبنبرغر، رئيس قسم التسبب والتطور الفيروسي في المعهد الوطني للحساسية والأمراض المعدية بالولايات المتحدة، وجون أكسفورد الأستاذ الفخري لعلم الفيروسات بجامعة لندن البريطانية، يقومان بالبحث عن مثل هذه الأدلة.
ويقومان خلال بحثهما بدراسة عينات أنسجة الرئة المحفوظة التي سبقت وباء الإنفلونزا عام 1918، بحثاً عن بقايا فيروسات الإنفلونزا وفيروسات كورونا من بين هذه الأنسجة.
ويأمل الباحثان العثور على مادة وراثية من فيروس الإنفلونزا الروسية في الرئتين، قد تقدّم تلميحات حول كيفية انتهاء الوباء في تلك الفترة، وما إذا كان ناجماً عن فيروس كورونا.