قد يتم اعتبارها واحدة من أطول علاقات الحب في التاريخ، وبالتأكيد واحدة من أكثر البدايات العاطفية المشؤومة، إنها قصة بطلي تمثال العشاق في أوكرانيا، الإيطالي لويغي بيدوتو والأوكرانيّة موكرينا يورزوك.
قصة تمثال العشاق في أوكرانيا
الزمان: 1943 خلال الحرب العالمية الثانية
المكان: معتقل سانكت بولتن النازي للعمل الإجباري شمال شرق النمسا
قبل نحو 80 عاماً، كانت الفتاة الأوكرانيّة الريفيّة موكرينا يورزوك تعمل بالسخرة في معسكر اعتقال نازي بالقرب من بلدة سانكت بولتن سيئ السمعة شمال شرق النمسا، وهو ذات المعسكر الذي أحضر إليه الجندي الإيطالي الأسير لويغي بيدوتو خلال الحرب العالمية الثانية.
ووفقاً لما ذكرته شبكة BBC البريطانية فقد التحق لويغي بالجيش الإيطالي في العام 1941، وكان يقاتل على جبهة كرواتيا، قبل أن تسقط كتيبة لويغي في قبضة الألمان، والتي سيق جنودها سيراً على الأقدام إلى بودابست في هنغاريا، ومن هناك أرسل لويغي إلى معسكر العمل الإجباري النازي في النمسا.
في أحد الأيام طُلب من موكرينا أن تساعد شاباً إيطالياً في مزج الإسمنت الذي كانت من أجل بناء ثكنات جديدة.
وقالت موكرينا في أحد اللقاءات مع صحيفة Fakty و Commentarii الأوكرانية: "عندما شاهدته كان شاباً طويلاً وحسن المظهر، لم أستطع التحدث معه بالإيطالية، لذلك كان بإمكاننا فقط الابتسام لبعضنا البعض، والضحك والمغازلة، وسرعان ما أنشأنا علاقة بيننا، وتأكدنا من أنه بإمكاننا أن نكون معاً".
من جهته، قال الجندي الإيطالي لويغي في تصريح لشبكة دويتشه فيله DW الإيطالية: عندما كنت معتقلاً، كان هناك 3 نساء أوكرانيات، تم تكليفهن بمساعدتنا في تقويم المسامير باستخدام المطرقة، وكن يعملن بهذه المهمة طوال اليوم".
وأضاف: "في الصباح كانت تلك النساء يتوقفن عن العمل مدة 15 دقيقة من أجل تناول الإفطار، وفي أحد الأيام شاهدت امرأة شابة كانت تبلغ من العمر 23 أو 24 عاماً، فتعلمت بضع كلمات روسية من أجل التحدث معها".
حبنا نما ببطء
وتابع لويغي: "عندما سمعت أن موكرينا كانت تعمل في المعسكر وهي حامل وبأنها أنجبت طفلة في المعسكر، حاولت مساعدتها بإحضار طعام إضافي لها، وحصلت منها بالمقابل على ملابس وقبعات حاكتها لي ولزملائي المعتقلين".
وتذكر قائلاً: "لم يكن الحب بيننا من النظرة الأولى، لأنها كانت رائعة جداً ولم تنفتح بسرعة كبيرة علي، لكن ما جعلني أقع في حبها هو عندما قالت لي إن لديها طفلة صغيرة؛ لأنها كانت صغيرة جداً، لقد تأثرت كثيراً في قلبي، لأنني عانيت في الحياة كثيراً عندما ماتت أمي وأنا صغير وكنت مضطراً للاعتناء بإخوتي الصغار".
الانفصال المرّ!
وعندما وقع الاثنان بحب بعضهما البعض، تمّ تحرير المعسكر في العام 1945، وتمت إعادة موكرينا إلى أوكرانيا ولم يسمح لا له، ولا لها بمرافقة الآخر.
ووفقاً لما ذكرته صحيفة The Guardian البريطانيّة، فقد عاد لويغي إلى بلدته كاستيل سان لورينزو في مقاطعة ساليرنو في جنوب شرقي إيطاليا، وإلى عمله في الحسابات والإدارة المالية، أما موكرينا، فعادت إلى قريتها الصغيرة، لتعمل في مزرعة جماعية.
ومع استحالة إيجاد بعضهما البعض بسبب أن أوكرانيا باتت تحت سيطرة الاتحاد السوفييتي، فقد تزوج لويغي لاحقاً، وأنجب أولاداً وأصبح لديه أحفاد، وإن ظل محتفظاً بصورة وخصلة من شعر حبيبته، التي تزوجت هي أيضاً وأنجبت مزيداً من الأطفال وأصبحت جدة، لكنهما لم ينسيا حبهما في زمن الحرب.
لمّ شملهما بفضل برنامج تلفزيوني روسي!
في عام 2004، وبعد أن فقدا الأمل باللقاء، تدخّل القدر على شكل برنامج تلفزيوني روسي، عندما طلب لويغي الذي صار أرملاً، من امرأة أوكرانية في بلدته بالقرب من نابولي مساعدته في كتابة رسالة إلى البرنامج، لمساعدته على لمّ شمل حبه المفقود، من خلال الصور والأدلة الأخرى التي بقي محتفظاً بها منذ ذلك الحين.
ويتذكر لويغي تلك اللحظات: "لقد كتبنا الرسالة في يونيو/حزيران، ثم انتظرنا، وانتظرنا وانتظرنا، مضت الأشهر، يونيو/حزيران، يوليو/تموز، أغسطس/آب، سبتمبر/أيلول، ثم في 11 أكتوبر/تشرين الأول، والذي يصادف عيد ميلادي، كن وحدي في المنزل، ثم جاءتني مكالمة هاتفية. وسألوني عما إذا كنت أنا لويغي بيدوتو، قلت، نعم، هذا أنا".
أخبره منتجو البرنامج الروسي أنهم يريدون نقل لويغي إلى موسكو حتى يروي قصته، ولكن هناك أخبروه أنهم وجدوا حبيبته.
ركع لويغي على الأرض غير مصدق، والمفاجأة الكبرى كانت دخول موكرينا نفسها في اللحظة التالية، ليجد نفسه فجأة أمام حبيبته التي فقد أثرها منذ سنين.
يروي لويغي: "ذهبت إلى موسكو وفي المساء الثاني ذهبت إلى التلفزيون حيث رأيت موكرينا التي كانت قد جاءت قبلي، كان الجميع يصفقون وكنت متأثراً جداً حتى إنني بدأت بالبكاء".
وعن تلك اللحظة المؤثرة قالت موكرينا: "عندما رأيت لويغي، لم أستطع تصديق عيني، بدا مختلفاً تماماً، في ذلك الوقت، كان طويلاً ونحيفاً، لكنني ما زلت أرى أنه لا يزال لطيفاً".
عندما التقى الاثنان عانقا بعضهما البعض، وهي اللحظة التي التقطتها كاميرات الصحفيين.
تمثال العجوزين الذي أصبح وجهة العشاق في أوكرانيا
وعندما انتشرت قصة الحب الأبدي لبعضهما البعض، اتخذت مدينة كييف خطوة غير عادية بإقامة تمثال للزوجين لإحياء ذكرى قصة حبهما، ونحته النحات الأوكراني الشهير ألكسندر مورغاتسكي.
وفي الوقت الحالي أصبح للحبيبين العجوزين تمثال خاص بهما في إحدى حدائق العاصمة الأوكرانية كييف بالقرب مما يسمى "جسر العشاق"، وبات هذا التمثال بمثابة وجهة شهيرة للناس للاعتراف بحبهم لبعضهم البعض.
قد يهمك أيضاً: يقال إنّه زوّج الجنود سراً وساعد المسيحيين على الهرب من السجن.. ماهي حقيقة الروايات حول القدّيس فالنتاين؟