قبور المصريين القدماء لا تشبه بأي شكل القبور التي نعرفها اليوم، إذ لم تكن مجرد صناديق تضم رفات الميت، إنما كانت "منازل" تحتضن جسد الميت في رحلته إلى "العالم الآخر"، وبالتالي من الطبيعي أن يبذل فيها الفراعنة والنبلاء الكثير من المال والجهد.
رأى المصريون في الحياة الآخرة فرصة للعيش مرة ثانية في مكان سموه "حقل القصب"، وهو جنة تشبه مصر إلى حد ما، واعتقد المصريون أن الإنسان مكون من عدة أجزاء، وأن جزءاً يمثل "قوة الحياة" سيقيم في القبر بعد الموت، ويحتاج لتلقي القرابين من أجل البقاء، بينما يوجد جزء آخر (يمثله طائر برأس إنسان) يطير أثناء النهار، لكنه يحتاج أيضاً إلى العودة للقبر ليلاً.
ومن هنا نجد أن المقابر كانت ذات أهمية خاصة لدى المصريين القدماء، لذلك حرصوا على ملئها بالنقوش لأغراض مختلفة، منها إعطاء التوجيه للزوار أو صب اللعنات عليهم، أو حتى تأمين الطعام للموتى.
نقوش المقابر في مصر القديمة.. لعنات على الزائرين غير المرغوب بهم
نسمع كثيراً عن اللعنات المحيطة بمقابر الفراعنة، فقد اكتشفت عدة قبور تحوي نقوشاً كتبت بالهيروغليفية "تلعن" الداخلين إلى المقابر إذا كانوا يحملون نوايا سيئة تجاه الموتى.
فعلى سبيل المثال، تم اكتشاف لعنة نقشت على قبر الوزير عنخماهور، وهو مسؤول رفيع المستوى عاش قبل 4000 عام خلال فترة حكم الأسرة الفرعونية السادسة، وقد اكتشف قبره في صحراء سقارة.
ووفقاً لموقع Business Insider، فقد كتب على القبر ما معناه أن اللعنة ستصيب كل من يسيء إلى هذا القبر، وسيصبح مطارداً من قبل الأشباح، كما تنوه النقوش الموجودة على القبر بمعرفة الوزير بالسحر والتعاويذ السرية.
وكما صبت اللعنات على الزائرين ذوي النوايا الشريرة، ضمت نقوش مقبرة هذا الوزير ترحيباً بالزوار ذوي النوايا الطيبة، فقد كتب أن الوزير سيحمي هؤلاء الطيبين في بلاط أوزوريس إله العالم السفلي.
رسائل تحذيرية
لكن في المقابل، يرى بعض علماء المصريات أنه من المبالغة اعتبار جميع تلك النقوش "لعنات" على الزائرين غير المرغوب فيهم، إذ يرى البعض أن عدد اللعنات الفعلية التي تم اكتشافها قليل نسبياً، بينما من الممكن تسمية سائر النقوش الموجودة في المقابر "رسائل تحذيرية" بدلاً من "لعنات".
كتب الدكتور دان بوتر، في موقع National Museum Scotland، أن الأحياء كانوا يتبعون مبدأً بسيطاً أثناء إعداد مقابرهم: إذا فعلت شيئاً سيئاً ستتم معاقبتك.
وبالتالي يميل بوتر إلى تسمية هذا النوع من النقوش بـ"التحذيرات"، فعلى سبيل المثال كتب في إحدى المقابر أنه إذا قام زوار المقبرة بفعل سيئ داخلها فسوف يصبحون بائسين في حياتهم، وكتب في مقابر أخرى أن أولئك الزواء السيئين لن يحظوا بالحياة الآخرة التي يتمنونها.
سحر يحمي من الجوع للأبد
تقول عالمة الآثار المتخصصة في تاريخ الطعام، الدكتورة منة الله الدري، لموقع Middle East Eye، إن الموتى في مصر القديمة كانوا يُدفنون مع عدد من الأطعمة الشهية، وكانت أصناف المأكولات تُنقش على جدران مقابرهم؛ على أمل أن تكون طعاماً يحميهم من الجوع إلى الأبد.
واعتقد المصريون القدماء أن النقوش تحمل سحراً عميقاً من شأنه أن يمد المتوفى بأطعمته المفضلة إلى ما لا نهاية.
توجيهات للزائرين
لا تتعلق جميع النقوش الموجودة في المقبرة بالميت وحياته في العالم الآخر، فبعضها موجه أيضاً لجميع زوار المقبرة.
عندما تدخل متحفاً على سبيل المثال أو أحد الأماكن الأثرية، ستجد عند المدخل قائمة بالتعليمات تبين لك ما تستطيع وما لا تستطيع فعله في هذا المكان. اعتمد المصريون منهجاً مماثلاً في مقابرهم وكانت النقوش في هذه المقابر بمثابة قائمة توجيهات للزوار.
فعلى سبيل المثال يوجد في المتحف الوطني في اسكتلندا نقش على قطعة من الحجر الجيري يعود تاريخه إلى ما بين 1295-1069 قبل الميلاد تقريباً، ويتضمن النقش 15 سطراً تضم قائمة توجيهات لزوار المقبرة.
يحذر النص الزوار من أخذ أي شيء من محتويات المقبرة، فيقول "احترس من أن تأخذ حتى حصاة من داخلها (المقبرة)". ويذكّر النص الزوار بقوة الآلهة، كذلك يشجعهم على بناء قبورهم الخاصة وعدم التعدي على مساحات الآخرين.
ويقول النص في هذا الخصوص: "ابحثوا عن مكان يليق بكم واستريحوا فيه، فكل إنسان سعيد في مكانه، وكل إنسان مسرور في بيته".
ماذا عن كتاب الموتى؟
عندما نتحدث عن النقوش في المقابر المصرية القديمة لا يجب أن نغفل ذكر "كتاب الموتى".
كتاب الموتى هو نص جنائزي كان متاحاً في البداية فقط لأفراد العائلة المالكة، وهو مجموعة من النصوص (تعرف باسم نصوص الأهرام) لأنها وجدت مكتوبة على جدران الغرف داخل الأهرامات.
ومع بداية عصر الدولة الوسطى، سُمح للنبلاء أيضاً بنقش هذه النصوص الجنائزية على قبورهم، ومع بداية الدولة الحديثة بات من المسموح نقش "كتاب الموتى" على توابيت سائر سكان مصر.
لا يعتبر "كتاب الموتى" كتاباً بالمعنى الحديث للكلمة، فهو عبارة عن مجموعة من التعاويذ والرسومات التي يستخدمها الميت في العالم السفلي.
وتكتب هذه التعاويذ على ورق البردي أو تنقش على الجدران أو التوابيت، وتضم المجموعة الكاملة منها 200 تعويذة، مع ذلك لم يتم العثور على ورق بردي يحتوي على جميع التعويذات معاً؛ ما يدل على أن التعاويذ المشتراة تعتمد على احتياجات وثروة المشتري، وفقاً لما ورد في موقع Australian.