وصلت البطاطس إلى أوروبا من العالم الجديد (الأمريكتين) من قِبل المستكشفين الإسبان، وأدت إلى ظهور الزراعة الصناعية الحديثة، فيما باتت اليوم رابع أهم محصول على مستوى العالم بعد القمح والذرة والأرز.
فما القصة التاريخية للبطاطس، تلك النبتة المتواضعة التي تباع بأسعار زهيدة؟
قصة اكتشاف البطاطس عبر التاريخ
من بين العديد من المحاصيل الصالحة للأكل التي ظهرت في فجر الحضارة الإنسانية الحديثة وتمكنت من الانتشار في جميع أنحاء العالم، تمكن القليل من تمييز نفسها من خلال قوتها وجودة تخزينها وقيمتها الغذائية مثل البطاطس.
فقد نجحت هذه النبتة الزهرية التي يعود أصلها إلى أمريكا الجنوبية وجبال الأنديز (جنوب بيرو الحديثة وشمال غربي بوليفيا) في إثبات فائدتها لأسلافنا، الذين قاموا بزراعتها ورعايتها وضمان بقائها خلال آخر 10 آلاف عام من تاريخنا.
وبعد قرون من دخولها إلى أوروبا وأمريكا الشمالية، باتت البطاطس تمثل أحد أهم أجزاء مطبخ العالم ورابع أكبر محصول غذائي في العالم بأسره.
اليوم، وبفضل البحث المكثف وقرون من التربية الانتقائية، باتت لدينا الآن إمكانية الوصول إلى أكثر من ألف نوع مختلف من البطاطس التي تزرع في جميع أنحاء العالم.
تطور زراعتها
وفقاً لما ذكره موقع Vegetable Facts، بدأت قصة البطاطس منذ نحو 350 مليون سنة، عندما بدأت تتطور من سلف سامٍّ لنبات الباذنجان إلى شكلها الحالي في مرتفعات الأنديز بأمريكا الجنوبية بين بيرو وبوليفيا.
وصل المستوطنون البشريون إلى هذا الجزء من عالمنا منذ نحو 15 ألف عام، وتمكنوا من تدجين البطاطس البرية نحو 8 آلاف عام قبل الميلاد.
من تلك النقطة فصاعداً، بدأت البطاطس رحلتها ببطء عبر القارة، لكنها حظيت باهتمام كبير في القرن الخامس عشر الميلادي عندما بدأ الغزاة الأسبان الأوائل في استكشاف ما وراء سواحل أمريكا الجنوبية، خاصة بعد ثلاثينيات القرن التاسع عشر عندما بحثوا عن الذهب في بيرو.
من بين اكتشافاتهم العديدة، حظيت البطاطس باهتمام كبير جداً، وقد جلبوا هذا النبات إلى أوروبا بين عامي 1570 و 1593.
كان التبني الأوروبي للبطاطس بطيئاً ولكنه ثابت، في البداية، استخدمت الحكومة الإسبانية البطاطس كغذاء موثوق به وسهل النقل للجيش والبحرية اللذين لم يستسلما للأسقربوط أثناء استخدامها.
ووصلت البطاطس إلى بريطانيا عام 1585، وبلجيكا وألمانيا عام 1587، والنمسا عام 1588، وأيرلندا عام 1589، وفرنسا عام 1600.
وللأسف، كان السكان المحليون في تلك البلدان ينظرون إلى البطاطس على أنها غير ضرورية، وغريبة، وسامة.
وفي بعض الحالات كانت البطاطس بمثابة شر صارخ لسنوات عديدة، فقد اتُهمت بالتسبب في الجذام والزهري والموت المبكر والعقم والجنس المتفشي والتخدير وتدمير التربة التي نمت فيها.
لكن هذه المعلومات تراجعت من أوروبا فقط بعد جهود واسعة النطاق من جانب فرنسا للعثور على طعام من شأنه أن يدعم ليس فقط جيشهم، ولكن أيضاً السكان الذين جُوعوا من الحرب المستمرة.
أخيراً، أتى الفحص المطول للبطاطس من قبل عالم النبات والكيميائي الفرنسي الشهير أنطوان أوغستين بارمنتييه، عندما أقنع ملك فرنسا لويس السادس عشر بتشجيع الزراعة الجماعية لهذا النبات؛ ليخدع السكان.
أعطى الملك لويس العالِم بارمنتييه أمولاً طائلة وأرضاً لزراعتها تبلغ مساحتها نحو 100 فدان لزراعة البطاطس والتي تمت حراستها من قبل الحراس العسكريين.
أثار هذا الاهتمام العسكري والحكومي الكبير بحراسة هذه البطاطس على الفور انتباه الناس، الذين بدأوا بعد ذلك في تبني البطاطس أكثر فأكثر حتى أصبحت واحدة من أكثر مصادر الطعام شعبية في أوروبا.
البطاطس والمجاعة الكبرى
وفي أوائل القرن الـ19، أصبحت البطاطس محصولاً شائعاً تم استخدامه في أوروبا بأكملها، ولكن هذه الشعبية اختبرت بشدة بين عامي 1845 و 1849 عندما دمر المرض إنتاج البطاطس بأكمله في أيرلندا.
خلال هذه "المجاعة الكبرى" مات نحو مليون شخص من الجوع، وأُجبر عدد كبير من الناس على الهجرة خارج أيرلندا (500 ألف غادروا لأمريكا الشمالية وأستراليا).
كانت الولايات المتحدة الأمريكية آخر دولة رئيسية اعتمدت البطاطس في مطبخها، ولسنوات عديدة اعتبروا هذا المحصول للخيول والحيوانات الأخرى.
وفقط بعد جهود عام 1872 التي بذلها عالم البستنة الشهير لوثر بوربانك، تمكنت صناعة البطاطس الأمريكية من اكتساب بعض الزخم، وتم تمكين ذلك من خلال اكتشاف بربانك لبطاطس هجينة مقاومة للأمراض، وهجين آخر تم استخدامه بأيرلندا؛ للمساعدة في مكافحة وباء اللفحة.
في القرن الـ20، أصبحت البطاطس مقبولة بجميع أنحاء العالم باعتبارها واحدة من أكثر مصادر الغذاء المحبوبة والمنتجة، وأصبحت بشكل فعالٍ أهم المحاصيل في العالم، بسبب قيمتها العالية من السعرات الحرارية.
حكايات مروّعة عن البطاطا تسببت في مرض جماعى وحتى الموت
في العام 1979 بمدرسة غيرى جنوب لندن وبدون سابق إنذار، أصيب 78 تلميذاً وبعض المدرسين بالمرض في وقت واحد، وشملت الأعراض القيء، والإسهال، وآلام البطن، وفي الحالات الشديدة، تثبيط الجهاز العصبي المركزي.
كان العديد من المرضى في غيبوبة مع نوبات من الوخز المتشنج ونوبات الحمى العنيفة.
وفي غضون 5 أيام من تفشي المرض الأولي، تعافى جميع المرضى بالكامل، على الرغم من أن البعض أصيب بالهلوسة لعدة أيام، وفقاً لتقرير ماري ماكميلان وجي سي تومسون في دورية QJM: An International Journal of Medicine.
وبعد تحليل دقيق لتسلسل الأحداث، تم تحديد بداية الأعراض بنحو 4 إلى 14 ساعة بعد أن أكل الأولاد البطاطس المسلوقة التي تحتوي على تركيز عالٍ من سم السولانين، وهو من نوع جليكوالكالويد الذي تم التعرف عليه لأول مرة في عام 1820 في التوت ومن الباذنجان الأسود الأوروبي.
وبعد البحث تم التعرف على أن البطاطس هي السبب الأكثر شيوعاً لتسمم السولانين الموجود على البطاطس المتحولة إلى اللون الأخضر.
حالات تسمم تاريخية بسبب البطاطس
ووفقاً لموقع Smithsonian فإنه في بعض الحالات النادرة يمكن أن تسبب البطاطس المتحولة إلى اللون الأخضر التسمم وحتى الموت.
وأضاف الموقع أن هناك العديد من حالات التسمم التاريخية التي حدثت بسبب البطاطس وهي:
1899: بعد تناول البطاطس المطبوخة التي تحتوي على 0.24 مغم من السولانين لكل غرام من البطاطس، تعرض 56 جندياً ألمانياً للتسمم بالسولانين. على الرغم من تعافيهم جميعاً، فقد لوحظ في حالات قليلة، اليرقان والشلل الجزئي.
1918: في غلاسكو، أسكتلندا، تأثر 61 شخصاً من 18 أسرة منفصلة دفعة واحدة بدفعة سيئة من البطاطس، وفي اليوم التالي، توفي طفل يبلغ من العمر 5 سنوات، بسبب اختناق الأمعاء.
1925: تسمم 7 أفراد من عائلة بالبطاطس المخضرة. مات اثنان منهم. وفقاً للتقارير، تضمنت الأعراض القيء والإرهاق الشديد، ولكن لم تكن هناك تشنجات مثل تلك التي يعانيها تلاميذ المدارس في لندن. كان التنفس سريعاً ومجهداً حتى فقد الوعي قبل الموت بساعات قليلة.
1952: وفقاً للمجلة الطبية البريطانية يكون التسمم بالسولانين أكثر شيوعاً في أوقات نقص الغذاء، وفي مواجهة المجاعة، كانت هناك تقارير عن مجموعات كبيرة تتناول البطاطس القديمة مع تركيز أعلى من السموم.
في كوريا الشمالية خلال سنوات الحرب 1952-1953، أُجبرت مجتمعات بأكملها على أكل البطاطس المتعفنة.
وفي منطقة واحدة فقط، تضرر 382 شخصاً، من بينهم 52 تم نقلهم إلى المستشفى وتوفي 22 شخصاً منهم.
1983: أصيب 61 من 109 من أطفال المدارس والموظفين في ألبرتا بكندا، بالمرض في غضون 5 دقائق من تناول البطاطا المخبوزة، ولاحظ 44% من المصابين وجود مسحة خضراء وطعم مُر في البطاطس.