في عام 1796، أمسكت العبدة أونا جادج صرَّتها وخرجت من منزل الرئيس الأمريكي آنذاك جورج واشنطن ولم تعُد. ورغم عثوره عليها لاحقاً، فإنها لم تختبئ وقررت أن تتحداه ورفضت العودة إليه، لتنشر لاحقاً تفاصيل رحلتها من العبودية إلى الحرية ويتم تكريمها في متحف واشنطن نفسه.
"حيواتٌ مربوطةٌ معاً: العبودية في عقار ماونت فيرنون لجورج واشنطن"، هو اسم المعرض الذي بدأ منذ عام 2013 لتكريم حياة أونا جادج والمِحَن التي دفعتها إلى الفرار حفاظاً على حياتها عام 1796، بعد مكابدة العبودية في ظلِّ ملكية أول رئيس أمريكي وزوجته مارثا لها.
وُصِفت أونا بأنها "فتاة خفيفة تعاني من النمش الشديد" و"بيضاء تقريباً" مثل العديد من العبيد الآخرين من أصول مختلطة الأعراق.
بدأت العمل في المنزل عندما كان عمرها 10 أعوام كخادمة مارثا واشنطن الشخصية.
مثل والدتها، كانت أونا ماهرة في الخياطة، وكانت تعود ملكيتها مع شقيقتها الصغرى ديلفي إلى مارثا واشنطن على أن تنتقلا لورثتها عند وفاة الأخيرة، حسب القانون الأمريكي آنذاك، حسب موقع شبكة Pbs.
وعندما تم انتخاب جورج واشنطن رئيساً، سافرت أونا جادج، البالغة من العمر 15 عاماً، مع 7 مستعبدين آخرين إلى المقر التنفيذي، أولاً في نيويورك ثم في فيلادلفيا.
خلال رئاسة واشنطن، واصلت جادج عملها اليومي في خدمة مارثا واشنطن، كمساعدتها في الاستحمام وارتداء الملابس وتنظيف ملابسها وإصلاحها وتنظيم متعلقاتها الشخصية وأي شيء آخر تطلبه.
بعد هروبها، لم يُلقَ القبض عليها قط، الأمر الذي جلب حرجاً كبيراً لعائلة واشنطن.
قصة هروب أونا جادج
قالت أستاذة دراسات وتاريخ السود بجامعة ديلاوير، إيريكا أرمسترونغ دنبار، لصحيفة New York Times الأمريكية: "قبل عقودٍ من الزمن هربت أونا جادج أيضاً. أريد أن يعرف الناس قصتها".
بدأت حكاية هروب أونا جادج في 21 مايو/أيَّار 1769، عندما فرَّت في أثناء عشاءٍ رئاسي بعد أن علمت أن مارثا واشنطن ستمنحها لحفيدة واشنطن.
قالت في مقابلةٍ أُجرِيَت معها عام 1845: "بينما كانوا يحزمون أمتعتهم للذهاب إلى فيرجينيا، كنت أحزم أمتعتي أيضاً، ولكن لم أكن أعرف إلى أين. كنت أعرف أنني إذا عدت إلى فيرجينيا فلن أحصل على حريتي أبداً".
وأضافت: "كان لديّ بعض الأصدقاء المُلوَّنين في فلادلفيا، وقد حملت أغراضي إلى هناك مسبَّقاً، وغادرت منزل واشنطن بينما كانوا يتناولون العشاء".
حصلت جادج على تذكرةٍ لسفينةٍ شراعية متجهة إلى بورتسموث في ولاية نيوهامبشير الأمريكية، وصعدت على متنها. ومن أجل تجنُّب إدانة أيِّ شخصٍ، أبقت جادج هوية قبطان السفينة، جون بولز، سريةً لسنواتٍ طويلة.
بعد يومين من هروبها، نشر فريدريك كيت- الوكيل المعين في المقر التنفيذي- إعلاناً في صحيفة "فيلادلفيا غازيت" و"ديلي أدفريسر"، معلناً أن "أونا جادج" قد "هربت" من منزل الرئيس، وعرض مكافأةً قدرها 10 دولارات لاستعادتها.
قالت أونا بعد ذلك: "لم أخبر أحداً باسم القبطان قط إلا بعد وفاته بسنواتٍ قليلة؛ خشية أن يعاقبوه على إبحاره بي".
وبعد وصولها إلى بورتسموث، استقرَّت هناك، وتزوَّجت في النهاية بالبحار الحر الأسود جاك ستاينز وأنجبت ثلاثة أطفال.
وأجرت لاحقاً سلسلةً من المقابلات مع الصحف المناصرة لإلغاء عقوبة الإعدام، وزعمت أن عائلة واشنطن فرضت عقوباتٍ قاسية على العبيد المتمردين، وحاولت الالتفاف على قانون الإلغاء التدريجي عام 1780 في بنسلفانيا، عن طريق نقل العبيد من وإلى الولاية كلَّ ستة أشهر.
من جانبه، كتب جورج واشنطن أنه صُدِمَ من "جحود أونا جادج"، قائلاً إنها هربت "دون أيِّ استفزاز"، علماً أنه كان يناديها بـ"أوني"، حسب موقع مكتبة Mount Vern.
في الواقع، بذلت عائلة واشنطن محاولاتٍ عدة لاستعادة جادج، ويُزعَم أن جورج واشنطن نفسه أرسل رجلاً يُدعَى باسيت لإقناعها، بالقوة إذا لزم الأمر، بالعودة إلى ماونت فيرنون، مع طفلها الرضيع. ومع ذلك، كان لدى جادج حلفاء في بورتسموث نبَّهوها إلى وصول باسيت وكذلك ما ينوي فعله معها.
كان باسيت قد رتَّبَ للبقاء مع حاكم بورتسموث، واسمه جون لانغدون. ولسوء حظ باسيت، كان لانغدون يعتبر نفسه معارضاً للعبودية بشدة. ودون علم باسيت، نبَّه لانغدون جادج بوصول باسيت، وفي غضون ذلك قام بإلهاء باسيت من خلال إغراقه بالمتع في قصر الحاكم.
لكن أونا جادج لم تكن بحاجةٍ إلى هذه التحذيرات، إذ صمَّمَت على موقفها وقاومت محاولات باسيت إجبارها على العودة إلى العبودية. قالت: "أنا حرةٌ الآن واخترت أن أظل كذلك"، حسب موقع All That's Interesting.
في المقابل، انتقد واشنطن مزاعم جادج بأنه عامَلها بصورةٍ ظالمة، نافياً أنها تقدَّمَت بطلبٍ لإطلاق سراحها عندما ماتت مارثا واشنطن. ورفض هذه المزاعم باعتبارها "غير مقبولة ألبتَّة"، وقال إن "الاستجابة لمطالب جادج ستكون بمثابة مكافأةٍ على الخيانة".
وفي وقتٍ لاحق، ادَّعَت جادج أنه بعد وفاة واشنطن، كفَّت العائلة عن إزعاجها.