في 18 يوليو/تموز 2020، أُعيد غطاء للرأس مصنوع من 81 ريشة نسر، إلى شعب لاكوتا الأصلي بأمريكا بعد ضياعه لأكثر من 100 عام. القبعة التي كانت تعود للزعيم ريد كلاود تُجسد تاريخ اضطهاد الحكومة الأمريكية للسكان الأصليين في غرب الولايات المتحدة، حيث تم طردهم من أراضيهم طمعاً في الذهب. فمن هو ريد كلاود؟ ولماذا تمسَّك أحفاده بضرورة استعادة ممتلكاته وعرضها للأجيال المقبلة؟
القصة تعود لعام 1868، عند محاولة إخضاع الأمريكيين للسكان الأصليين في السهول الكبرى واستسلام الحكومة واختيارها السلام والرضوخ لمطالب السكان الأصليين. يدين السكان الأصليون بهذا الانتصار الرائع للزعيم ريد كلاود.
إذ شاهَدَ ريد كلاود، زعيم شعب سو، بفزعٍ، المستوطنين البيض وهم يسيرون عبر أراضي شعبه بحثاً عن الذهب. ولمدة عامين، قاوَمَ حكومة الولايات المتحدة في كلِّ منعطف، فيما أصبح معروفاً باسم حرب الغيمة الحمراء (نسبةً إلى اسم ريد كلاود، الذي يعني بالإنجليزية الغيمة الحمراء).
نَجَحَ في طرد القوات الأمريكية، وتمكَّن من منع المستوطنين البيض، وتأمين الأراضي القبلية. لكن رغم حصول الزعيم ريد كلاود على تنازلاتٍ كبيرة من الحكومة، سرعان ما تراجعت عن وعودها.
محارب لاكوتا
بدا ريد كلاود، المولود عام 1822 واسمه الأصلي مايبيا لوتا، مُمَيَّزاً بأشياء عظيمة.
نشأ بالقرب من نهر بلات، غرب ولاية نبراسكا، وهو ابنٌ لأبٍ من قبيلة برول سو، وأمٍّ من قبيلة أوغلالا سو. ولأن والديه تُوفِّيا حين كان صغيراً، قام عمه، أولد سموك، بتربيته، حسب ما نشره موقع Biography.
عندما كان شاباً، أثبت ريد كلاود نفسه كمحاربٍ شرس. وخلال المعارك التي خاضها شعبه مع قبائل باوني وكرو وشوشون وأوتة، حقَّقَ ريد كلاود 80 إنجازاً جريئاً للغاية.
في إحدى المرات، أنقذ رجلاً من أوتة من الغرق، فقط لقتله وسلخ فروة رأسه على الشاطئ.
أثبت كذلك أنه خبيرٌ تكتيكيٌّ ماهر، إذ طوَّر إستراتيجيةً لنشر جماعاتٍ صغيرة في الحرب؛ كلٌّ منها يتألَّف من 8 إلى 12 رجلاً، وكان يقودهم دائماً. وبحلول عامه الـ28، كان يحظى باحترامٍ وإعجابٍ من معظم أفراد قبيلته.
لكن صعود ريد كلاود تزامَنَ مع زيادة عدد المستوطنين البيض الذين تدفَّقوا غرباً في أعقاب حمى البحث عن الذهب في كاليفورنيا عام 1848، حسب ما نشره موقع All That's Interesting.
وبينما اشتَبَكَ المستوطنون مع القبائل الأصلية، جلست الحكومة الأمريكية مع الجانبين للتوصُّل إلى معاهدة "حصن لارامي" عام 1851.
وفق المعاهدة، تتعهد الحكومة بحماية الأراضي القبلية وأراضي الصيد ضد استيطان البيض، لكن مع تدفُّق المستوطنين المتحمِّسين نحو الغرب، لم تبذل الحكومة الأمريكية مجهوداً كبيراً لمنعهم.
ممر بوزمان وحرب الغيمة الحمراء
وبحلول عام 1864، اشتدَّت التوتُّرات بين الأمريكيين الأصليين والمستوطنين. وأدَّى اكتشاف الذهب في جنوب غربي مونتانا إلى إنشاء طريق بوزمان، وهو طريقٌ يمرُّ مباشرةً عبر إقليم لاكوتا. وسرعان ما بَنَت الحكومة حصوناً لحماية المستوطنين والمُنقِّبين عن الذهب.
تزامن هذا الحدث مع مذبحة "ساند كريك"، عندما قتلت القوات الأمريكية مئات من شعب شايان وأراباهو، الأمر الذي أقنع ريد كلاود بأنه بحاجةٍ إلى التصرف.
وبين عامي 1866 و1868، جَمَعَ ريد كلاود تحالفاً من محاربي لاكوتا وشايان وأراباهو وبدأ القتال.
رَفَضَ التفاوض مع الحكومة، وشنَّ هجماتٍ، على غرار حرب العصابات، على المستوطنين وحصونهم. استهدفت هذه الهجمات قطارات العربات، وسدَّت الطرق، وحاصرت الحصون.
وفي نهاية عام 1866، قرر قائدٌ بالجيش الأمريكي وَصَلَ حديثاً، يُدعَى ويليام فيترمان، سحق مقاومة الأمريكيين الأصليين. وقال متفاخراً: "بصحبة 80 رجلاً، كان بإمكاني المرور عبر أمة سو بأكملها"، لكنه قاد قواته مباشرةً إلى كمينٍ مميت.
في مواجهة ألفين من محاربي لاكوتا وشايان وأراباهو، قُتِلَ فيترمان ورجاله.
كانت تلك أسوأ هزيمةٍ للجيش الأمريكي في السهول الكبرى، وذلك ما أقنع العديد من صنَّاع السياسة الأمريكيين بمحاولة التفاوض مع ريد كلاود. لكن الرجل لم يكن ليتزحزح شبراً واحداً حتى يتخلَّى الجيش عن حصون بوزمان.
وأخيراً، بحلول عام 1868، رضخت الحكومة. وفي معاهدة حصن لارامي، وعدت الولايات المتحدة بالتخلِّي عن حصونها.
تنازلت الحكومة عن مساحةٍ كبيرةٍ من الأراضي تشمل أجزاءً من نبراسكا ونورث داكوتا ووايومنغ ومونتانا. وعندما غادرت القوات الأمريكية، أضرم محاربو ريد كلاود النار في الحصون حتى هدموها تماماً.
ومع ذلك، لم تكن تلك بالضبط هزيمةً للحكومة الأمريكية، وبينما قدَّمَت الكثير من الوعود في معاهدة حصن لارامي بالتخلِّي عن حصونها، فقد احتفظت بقليل منها، حسب موقع American Indian Relief Council.
كيف حارَبَ ريد كلاود من أجل السلام؟
لم يستغرق الأمر وقتاً طويلاً حتى نكثت حكومة الولايات المتحدة بوعودها، وسرعان ما بدأت الحصون بالظهور على أراضي لاكوتا مرةً أخرى. ولكن في حين شنَّ العديد من معاصري الزعيم ريد كلاود الحرب، اختار الزعيم الدبلوماسية.
في العام 1870، قام برحلةٍ طويلة إلى واشنطن، وعومِلَ باعتباره رئيس دولةٍ ودُعِيَ إلى حفل استقبالٍ في البيت الأبيض. التقى الرئيسَ يوليسيس غرانت ووزير الداخلية جاكوب كوكس.
أدان الزعيم ريد كلاود معاهدة حصن لارامي لعام 1868، ووصفها بأنها "كلها أكاذيب" دفعت شعبه إلى أراضٍ أصغر وأصغر، وكان المستوطنون البيض لا يزالون يتدفَّقون في السهول.
ظلَّ التوسُّع الأمريكي باتِّجاه الغرب مستمراً، خاصةً بعد اكتشاف الذهب في التلال السوداء بولاية نورث داكوتا عام 1874. ومع ذلك، ظلَّ ريد كلاود يطمح إلى السلام، ولم يشارك في حرب لاكوتا في 1876-1877، ولم يحمل السلاح في معركة ليتل بيجون عام 1876، رغم أن ابنه جاك شارك في القتال.
في المقابل، واصَلَ ريد كلاود الذهاب إلى العاصمة، وتحدَّثَ إلى الرؤساء وصنَّاع السياسات والجمهور الفضولي من الأمريكيين للدفاع عن قضيته والدفاع عن شعبه.
وطالَبَ في خطابٍ بإحدى هذه الرحلات: "عندما يأتي الرجل الأبيض إلى بلدي يترك وراءه أثراً من الدماء".
ومع ذلك، لم يستطع ريد كلاود فعل الكثير عندما سار المستوطنون بلا هوادة غرباً.
وفاة وإرث ريد كلاود
في العقود الأخيرة من حياته، واصَلَ ريد كلاود الكفاح من أجل شعبه. زار واشنطن 9 مرات، والتقى خمس رؤساء مختلفين على مدار ثلاثين عاماً؛ للدفاع عن حقوق الأمريكيين الأصليين.
وأثناء زياراته، كان يجلس كثيراً لالتقاط الصور. وبذلك أصبح أكثر الأمريكيين الأصليين تصويراً في القرن التاسع عشر، بينما قدمت صوره نظرةً بيِّنةً على كرامته وثباته وعزمه وفخره.
ساعَدَ ريد كلاود في إملاء الاتفاق على أراضي قبيلته وتحديد حدود محمية باين ريدج. وانتقل إلى هناك مع شعبه في عام 1878 وتنحَّى عن منصبه كزعيمٍ بعد ذلك بعامين.
ومع ذلك، حتى خارج نطاق السلطة، استمرَّ ريد كلاود في تشكيل السياسة من حوله، رغم تعرُّضه لانتقادات من قبيلته لاختياره النهج المسالم.
قال ريد كلاود: "بالطبع، مثل كثيرين قبلي، ارتكبتُ أخطاءً في عدم القيام بشيءٍ كان يتعيَّن فعله، وفعل ما لم يكن ينبغي فعله".
لكنه أبقى تركيزه دائماً على شعبه، وقبل 6 سنواتٍ من وفاته في عام 1909، خاطَبَ زعيم لاكوتا قبيلته للمرة الأخيرة بعدما فَقَدَ بصره تماماً وقال: "لقد غربت شمسي… قبل أن أستلقي ولا أقوم بعد ذلك، سأتحدَّث إلى شعبي… لقد وُلِدت في لاكوتا وسأموت فيها".
تُوفِّيَ ريد كلاود في 10 ديسمبر/كانون الأول 1909 وعمره 88 عاماً، تاركاً وراءه إرثاً قوياً وعدة ورثة لاكوتا.
ولكنه رغم أنه عاش حياةً رائعة -حيث واجَهَ الجيش الأمريكي وخرج من المعارك منتصراً- فقد أدرَكَ أيضاً عدم جدوى حربه، إذ أقرَّت الحكومة الأمريكية بالهزيمة دون تغيير سلوكها.
وقال قبل وفاته: "لقد قدَّموا لنا وعوداً كثيرة، أكثر مِمَّا أتذكَّره. لكنهم أوفوا بوعدٍ واحد. وعدوا بأخذ أرضنا.. وأخذوها بالفعل".