سار المصريون القدماء على طول طريق الكباش حاملين مواكب الآلهة ومحتفلين بـ"عيد الإبت"، مرت السنوات واندثرت طقوس هذه الاحتفاليات، ثم اندثر طريق الكباش نفسه تحت رمال الصحراء، ولم يتمكن العلماء من اكتشاف أول الآثار التي تدل على وجوده حتى منتصف القرن العشرين.
فلنتعرف معاً على قصة هذا الطريق:
ما هو طريق الكباش؟
في مدينة طيبة قديماً (المعروفة اليوم بالأقصر) وما بين معابد الكرنك ومعبد الأقصر، يمتد طريق الكباش بطول 2700 متر ليصل بين المعابد القديمة، ويقدر خبير الآثار، المتخصص في علم المصريات، أحمد عامر، أنّ عمر هذا الطريق الأثري يتجاوز 5000 عام، فيما يعتقد بعض المؤرخين أن عمر الطريق يبلغ قرابة 3500 عام.
لا عجب أن يوصف طريق الكباش بـ"المتحف المفتوح"، فعلى جانبيه تصطف تماثيل قديمة تحمل رأس كبش، فضلاً عن العديد من التحف الأثرية الأخرى.
تاريخ طريق الكباش
يعتقد أنه قد تم البدء في بناء طريق الكباش خلال عصر الدولة الحديثة (وهي فترة في تاريخ الدولة المصرية تمتد ما بين القرن السادس عشر والحادي عشر قبل الميلاد)، لكن لم يتم اكتمال بناء الطريق إلا في عهد نختنبو الأول الذي عاش ما بين (380-362 قبل الميلاد).
وعلى مر القرون اللاحقة دُفن الطريق تحت طبقات كثيفة من الرمال.
وفي عام 1949، تم العثور على أول أثر لطريق الكباش، وذلك عندما اكتشف عالم الآثار المصري زكريا غنيم ثمانية تماثيل بالقرب من معبد الأقصر.
توالت الاكتشافات بعد ذلك، فقد تم العثور على 17 تمثالاً آخر، بين عامي 1958 و 1961، ومع نهاية عام 1964 تم اكتشاف 55 تمثالاً جديداً، وكل ذلك في محيط 250 متراً فقط.
ومع نهاية عام 2000 تم تحديد مسار الممشى بشكل نهائي، واستمر العمل على تطوير الطريق حتى تم افتتاحه بشكل رسمي عام 2021.
طريق الكباش.. طريق مواكب الآلهة
عندما تمر في طريق الكباش ستلحظ ممشىً حجرياً طويلاً على طول الطريق، يصطف على جانبيه العديد من التماثيل التي كان يبلغ عددها 1300 تمثال فيما مضى، لكن دمر معظمها على مر العصور.
بعض هذه التماثيل تأخذ شكل كبش كامل، وقد بنيت بمنطقة نائية في عهد الأسرة الثامنة عشرة.
وبعضها الآخر يأخذ شكل جسم أسد برأس كبش، وقد أقيمت على مقربة من معبد الكرنك في عهد حاكم المملكة الحديثة توت عنخ آمون.
كذلك، توجد تماثيل على غرار أبو الهول، تأخذ شكل جسم أسد ورأس إنسان.
نُحتت هذه التماثيل من الحجر الرملي، ويعرف طريق الكباش بأنه طريق مواكب الآلهة واستخدم بشكل أساسي للاحتفالات السنوية بعيد الإبت وغيره من الأعياد والمناسبات الخاصة التي كان منها تتويج الملوك كذلك، وفقاً لما ورد في موقع Egypt Today.
لكن ما هو عيد الإبت؟
من الجدير بالذكر أن عيد الإبت الذي خُصص طريق الكباش ليكون ساحة للاحتفال به، هو احتفال مصري قديم كان يقام سنوياً في طيبة (الأقصر)، وقد بدأ المصريون يقيمون طقوس هذا الاحتفال في عهد الأسرة الثامنة عشرة من المملكة الحديثة، واستمر الاحتفال بالإبت حتى العصر البلطمي تقريباً.
في عيد الإبت كانت تصطحب تماثيل آلهة ثالوث طيبة (وهي آمون وموت وابنهما خونسو) مخفية عن الأنظار داخل مراكبها المقدسة في موكب احتفالي كبير، يسير مسافة 2 كيلومتر على امتداد طريق الكباش من معبد آمون في الكرنك، إلى معبد الأقصر مع التوقف في معابد صغيرة كانت موجودة على جانبي الطريق.
ومن طقوس هذا الاحتفال، أن تكون هذه المعابد مليئة بالقرابين التي تقدم للآلهة وللكهنة الحاضرين في الاحتفال كذلك. ويعقد احتفال الإبت سنوياً في موسم فيضان نهر النيل.
أما الموضوع الأساسي لهذه الاحتفالية فهو تسليط الضوء على لقاء آمون رع وزوجته موت، وتجديد الولادة.
وتوجد شروحات مفصلة عن هذا الاحتفال على الجدران الشرقية والغربية في الرواق الكبير لمعبد الأقصر.
الكباش حيوانات مقدسة في الحضارة القديمة
من الجدير بالذكر أنه قد تم تصوير الكبش على أنه حيوان مقدس حتى في عصور ما قبل التاريخ.
وترمز الكباش في الطريق إلى الإله آمون الذي يمثل الخصوبة لدى المصريين القدماء، وقد أطلق عليه المصريون القدماء اسم "وات إن تر"، أي طريق الله.
كما اعتقد قدماء المصريين أن الإله آمون انتقل إلى مقر حريمه؛ من أجل التزاوج والخصوبة، وبذلك ساد الازدهار في مصر.
افتتاح طريق الكباش عام 2021
أعادت وزارة السياحة المصرية افتتاح طريق الكباش باحتفالية وصفت بـ"الأسطورية" وذلك يوم 25 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، وحاكت هذه الاحتفالية الكرنفالات التي كانت تقام على الطريق نفسه في مصر القديمة خلال عيد الإبت.
وحضر الافتتاح عدد من الشخصيات العامة الشهيرة مع تغطية إعلامية كثيفة للحدث.
وشارك في الاحتفالية أكثر من 400 شاب وفتاة ساروا بالقوارب على طول طريق الكباش، مرتدين الزي الفرعوني كما كان يحدث في مصر القديمة قبل 3500 عام.
وبعد هذا الافتتاح، من المتوقع أن تصبح مدينة الأقصر واحدة من أهم مراكز الجذب السياحية في مصر.