انتشر خبر مغادرة نسخة الرئيس الأمريكي الثالث توماس جيفرسون من القرآن أرض الولايات المتحدة متجهة إلى دبي؛ ليتم عرضها ضمن فعاليات إكسبو دبي 2020.
فما أهمية هذه النسخة؟
ظهرت هذه النسخة في مراسم قسم أول عضوة مسلمة من أصول عربية في مجلس النواب الأمريكي عام 2019، إذ طلبت رشيدة طليب التي تنحدر من أصول فلسطينية أن تدلي بقسمها على هذه النسخة النادرة والمميزة في تاريخ الولايات المتحدة.
وأرادت طليب من مبادرتها أن تقول للشعب الأمريكي إن الإسلام جزء من التاريخ الأمريكي.
وطليب ليست الأولى التي أدلت بقسمها على هذا القرآن، إذ طلبت ذلك كيث إليسون، أول عضوة مسلمة في الكونغرس، في العام 2007.
نروي في هذا التقرير قصة هذه النسخة من القرآن، التي تغادر الولايات المتحدة لأول مرة منذ 256 عاماً إلى دبي.
نسخة جيفرسون من القرآن
تقول دينيس أ. سبيلبيرغ، أستاذة التاريخ في جامعة تكساس في أوستن ومؤلفة كتاب "قرآن توماس جيفرسون: الإسلام والمؤسسين": "اكتسب القرآن شعبية كبيرة بين البروتستانت في كل من إنجلترا وأمريكا الشمالية بدافع الفضول إلى حد كبير، إذ ظن الناس أن القرآن كتاب قانون وطريقة لفهم المسلمين الذين كانوا يتفاعلون معهم بالفعل بشكل متواصل، في الإمبراطورية العثمانية وفي شمال إفريقيا".
وعندما اشترى جيفرسون القرآن عندما كان يدرس القانون في الجامعة عام 1765، ربما كان ذلك بسبب اهتمامه بفهم القانون العثماني.
واشترى "جيفرسون" مجلدين لترجمة معاني القرآن الكريم أعدها الإنجليزي جورج سالي، أثناء دراسته القانون في جامعة ويليامس بيرغ.
ثم وافق جيفرسون على مشروع في الكونغرس لشراء المكتبة الخاصة به، بما فيها النسخة المترجمة لمعاني القرآن.
وكانت تلك الخطوة تهدف إلى إعادة ملء مكتبة الكونغرس بالكتب بعد أن أحرقها البريطانيون خلال حرب الاستقلال.
والمعروف أن جيفرسون وفي سيرته الذاتية روى بارتياح صراعه من أجل تمرير مشروع قانونه التاريخي لتأسيس الحرية الدينية.
ورجحت الكاتبة أن يكون القرآن أثر أيضاً في نيته الأصلية لسن قانون الحرية الدينية في فرجينيا لحماية الحق في العبادة لـ"اليهودي والأممي والمسيحي والمحمدي والهندو والكافر من كل طائفة"، كما كتب في سيرته الذاتية.
ولعل هذا التسامح الديني المعلن في الغالب بقي نظرياً لجيفرسون. ففي ذلك الوقت، لم يعلم جيفرسون هو والعديد من الأشخاص الآخرين المنحدرين من أصل أوروبي مدى امتداد الإسلام إلى أجزاء من إفريقيا لا تسيطر عليها الإمبراطورية العثمانية؛ مما يعني أن العديد من المستعبدين في أمريكا الشمالية كانوا يؤمنون بنفس الدين الذي كان جيفرسون وبعض أفراد الطبقة السياسية يدرسونه، حسب ما نشر موقع History.
وتعد نسخة جيفرسون أول ترجمة مباشرة للقرآن من العربية إلى الإنجليزية (النسخة الإنجليزية الوحيدة الأخرى تُرجمت للفرنسية عام 1649) وبقيت الترجمة الإنجليزية النهائية للقرآن في أواخر القرن التاسع عشر.
فهم الآيات للمجادلة ضدها
وكتب سال في مقدمته التي تكونت من 200 صفحة أن الغرض من ترجمة القرآن هو مساعدة البروتستانت على فهمه حتى يتمكنوا من المجادلة ضده.
وأضاف: "أياً كان هدف استخدام نسخة محايدة من القرآن، فمن الضروري التخلص من أخطاء أولئك الذين، من خلال الترجمات الجاهلة أو غير العادلة التي ظهرت، كوَّنوا رأياً إيجابياً للغاية عن النص الأصلي، ولتمكيننا بشكل فعال من فضح الدجل".
ورغم أن ترجمة سالي كانت من الناحية النظرية أداة تبشيرية مسيحية، إلا أن هذه النوايا لم تكن السبب الذي من أجله أن يقرأه المتحدثون باللغة الإنجليزية في بريطانيا وأمريكا الشمالية في أيام جيفرسون.
ويقدر بعض العلماء أن 20% من الرجال والنساء المستعبدين الذين تم جلبهم إلى الأمريكتين كانوا مسلمين، حسب ما نشر موقع Smithsonian، ولكن كان يمارس في السر.
وأحد هؤلاء العبيد كان عمر بن سعيد، السنغالي المسلم الذي كتب مذكراته باللغة العربية في 15 صفحة، روى فيها ماضيه عن كونه كاتباً من عائلة مسلمة ثرية. تم اختطافه بعمر 37 عاماً ليتم ترحيله إلى أمريكا.
وحسب موقع History، لم يبدأ البروتستانت بالسفر إلى إفريقيا والشرق الأوسط بهدف تغيير معتنقات المسلمين حتى أواخر القرن التاسع عشر، كما تقول سبيلبيرغ.
صحيفة واشنطن بوست نشرت في تقرير عن التاريخ ذي الوجهين لحقيقة هذه النسخة المترجمة من القرآن معتبرةً أن "وجود الكتاب يُظهر أن الإسلام كان جزءاً من القصة الأمريكية منذ البداية من ناحية، ومن ناحية أخرى، كما تذكرنا ترجمة سال، بالخوف وسوء الفهم تجاه المسلمين".