نعيش اليوم في زمن تطورت فيه صناعة مستحضرات التجميل لدرجة كبيرة، من كريمات محاربة الشيخوخة وسيرومات الشباب إلى المرطبات الليلية والنهارية وأقوى كريمات الأساس التي تجعل الوجه صافياً كالمرآة.
ورغم أدائها الفعال، فإننا تحدثنا في تقرير سابق عن مواد غير آمنة قد تحتوي عليها بعض مستحضرات التجميل الحديثة. لكن السعي للجمال والحصول على بشرة صافية وشعر انسيابي وجميل وإخفاء العيوب والتصبغات له تاريخ طويل مليء بالمواد الخطيرة والممارسات غير الآمنة التي استخدمتها شركات التجميل أو النساء بشكل شخصي لتحقيق معايير الجمال الكاملة.
من الكريمات السامة التي تحتوي على الزئبق والزرنيخ إلى إزالة الشعر بالأشعة السينية، تعرف معنا في هذا التقرير على مواد خطيرة وممارسات تجميلية تهدد الحياة، كانت تقوم بها النساء حتى تاريخ حديث.
يأكلون الزرنيخ لخدود وردية وعيون متلألئة
لكل شعب من الشعوب عادات مختلفة ومثيرة للاهتمام تخصه، لكن إحدى عادات سكان ولاية ستيريا، الواقعة في جنوب شرق النمسا تجاوزت الحدود الطبيعية. فقد اشتهروا بتناول ثالث أكسيد الزرنيخ، المعروف باسم "الزرنيخ الأبيض" حتى إنهم لقّبوا بـ"آكلي الزرنيخ".
كانت مركبات الزرنيخ المختلفة قيد الاستخدام على نطاق واسع في تلك الفترة، لكن كسُم لا يمكن تعقبه ومركب دوائي لعلاج الملاريا والكوليرا والإكزيما وغيرها من الاضطرابات الجلدية الشديدة.
لكن حب الستيريين للزرنيخ تجاوز الأهداف الصحية، فقد اعتقدوا أن تناوله يمنحهم بشرة أفضل وعيون متلألئة وخدوداً وردية، ببساطة اعتقدوا أن الزرنيخ يمكن أن يجعل النساء أجمل!
وبحلول منتصف تسعينيات القرن التاسع عشر، كان يمكن للناس شراء منتجات مثل "رقائق الزرنيخ الآمنة للبشرة من دكتور جيمس بي كامبل" وحتى الكراميل المصنوع بكميات ضئيلة من الزرنيخ. وسرعان ما بدأ عدد من الشركات في تقديم مستحضرات التجميل التي تحتوي على الزرنيخ.
لم يكن هناك اتفاق عام بين الأطباء حتى ثمانينيات القرن التاسع عشر على أن الزرنيخ له آثار جانبية خطيرة عندما ازدادت حالات التسمم والقتل التي تمت باستخدامه. وبذلك بدأت الشركات بالتوقف عن استخدامه في منتجاتها حوالي عام 1920، كما يشير موقع The Atlantic.
الراديوم.. إكسير الجمال والصحة
أدى اكتشاف الراديوم في أواخر القرن التاسع عشر من قِبل ماري وبيير كوري إلى موجة من التجارب لاكتشاف الاستخدامات المحتملة لهذا العنصر المتوهج. وكافح العلماء، وكذلك الأطباء ورجال الأعمال، لفهم الخصائص المعقدة لهذه المادة المشعة.
وبحلول أوائل القرن العشرين، تم الترحيب بالراديوم باعتباره إكسيراً شاملاً للصحة والجمال، وأضيف إلى العناصر اليومية مثل الماء والقهوة والبيرة والشوكولاتة ومعجون الأسنان وكريمات الوجه والتحاميل، كما يشير موقع Nature.
كما انتشر العلاج المعتدل بالراديوم، الذي زعم مؤيدوه أن التعرض للراديوم بجرعات دقيقة، من خلال الماء المشع أو عن طريق التنفس بغاز الرادون، يعمل كمحفز أيضي فعال لتحسين حركات المفاصل وتعزيز جهاز المناعة ومجموعة من التغييرات الإيجابية الأخرى في الجسم.
وفي حين أن مخاطر الراديوم، مثل السرطان وفقر الدم وتلف الأنسجة والتقرحات، معروفة، إلا أن هناك القليل من الأدلة على أن هذه المنتجات تسببت في ضرر كبير لعامة الناس، لأنها احتوت على كمية ضئيلة جداً من الراديوم بسبب ثمنه الباهظ.
لكن بالنسبة للطبقة الغنية التي استطاعت شراء منتجات الراديوم بتركيز عالٍ، فقد كان ثمن الاستخدام المفرط لها "الحياة".
فقد فارق رجل الأعمال الأمريكي الثري إيبين بايرز الحياة متسمماً نتيجة الاستهلاك المفرط لعقار مسكن للألم يحتوي على الراديوم ويُدعى "راديثور" عام 1932.
وكانت هذه الحادثة التي هزت أمريكا نقطة تحوّل في تاريخ استخدام الراديوم وفرض قيود على استخدامه.
الزئبق لعلاج مشاكل الجلد والبشرة
للزئبق تاريخ طويل في استخدام علاج مشاكل الجلد. ففي القرن الثالث عشر الميلادي، كان يضاف عادة إلى الدهون الحيوانية لتشكيل كريمة سميكة، والتي تم استخدامها بعد ذلك من قِبل المرضى المصابين بالصدفية والجذام.
كما استخدمت أملاح الزئبق، التي تذوب في الماء أو الكحول كأساس للأدوية التي تستخدم لعلاج كل شيء من الملاريا إلى الحمى الصفراء. بالإضافة إلى منتجات مثل "الكريم الشرقي" الذي تم إطلاقه في ثمانينيات القرن التاسع عشر من قبَل الطبيب فيليكس جورارد، والذي تعهد بمعالجة "كل عيب في البشرة".
مشكلة الزئبق هي أنه يتراكم في الجسم، فكلما زاد استخدامه، زاد تأثيره عليك. كما أنه ينتشر بسرعة عبر الأنسجة ويضر الأسنان ويسبب قرحة في المعدة ويضر بالجهاز العصبي ويؤدي في النهاية إلى الوفاة.
لم تتم إزالة كلوريد الزئبق أخيراً من "الكريم الشرقي" حتى عام 1936 وتغيرت تركيبته. ومع ذلك، لم يتم التوقف عن استخدام الزئبق للأهداف العلاجية حتى الخمسينيات من القرن الماضي، عندما تم اكتشاف علاجات أكثر فاعلية لأمراض مثل الملاريا والحمى الصفراء وتأكدت مخاطر الزئبق المميتة.
الرصاص.. لإخفاء عيوب البشرة
الرصاص له تاريخ طويل ومثير للقلق كمكون للماكياج، فقد تم استخدامه في مستحضرات التجميل منذ العصور القديمة.
في القرن الثامن عشر، قامت النساء بخلطه مع الخل لصنع خليط ساعدهن على تحقيق المظهر الشاحب للغاية الذي كان معياراً من معايير الجمال في ذلك الوقت ولإخفاء آثار حبوب الجدري الذي كان منتشراً في ذلك الوقت، وفقاً لموقع The Cut.
مع الوقت أصبحت منتجات المكياج التجارية المصنوعة من الرصاص (مثل Bloom of Ninon) متوفرة في الأسواق.
لكن الأشخاص الذين استخدموا المنتجات التي تحتوي على الرصاص عانوا من آثار جانبية مثل الشعر الرمادي وجفاف الجلد وآلام شديدة في البطن والإمساك مما جعل الناس تتوقف عن استخدامها.
البنزين.. شامبو جاف لتنظيف الشعر
باستثناء الفازلين البترولي، لا نربط في كثير من الأحيان استخدام البترول بالجمال. لكن العلاجات باستخدام هذه المادة والتي تم إنشاؤها عن طريق تقطير وتكرير البترول، كانت شائعة خلال القرن التاسع عشر.
في الحقيقة، كان البنزين بمثابة شامبو جاف يزيل الأوساخ والأتربة المتراكمة الشعر. كما اعتمدت صالونات تصفيف الشعر، التي لم يكن بإمكانها الوصول إلى المياه الجارية الساخنة والباردة حتى عشرينيات القرن الماضي، على "الغسيل البترولي" لتنظيف شعر زبائنها قبل تصفيفه.
لكن تطبيق هذه المستحضرات ثم تجفيفها أدى في بعض الأحيان إلى عواقب وخيمة. في عام 1897، توفيت امرأة تدعى فاني صامويلسون بعد أن اشتعلت النيران في شعرها أثناء غسله بالبنزين ومن ثم استخدام لفافات الشعر الساخنة في صالون فخم في لندن.
وفي حادثة أخرى عام 1909، توفيت امرأة تدعى هيلينورا الفنستون في صالون تصفيف شعر بعد استخدام رابع كلوريد الكربون المشتق من البنزين في أحد علاجات الشعر. فقد قرر التحقيق أن هيلينورا كانت تعاني من مرض في القلب وأن وفاتها حدثت بسبب الأبخرة المنطلقة منه.
الأشعة السينية.. لإزالة شعر الجسم والوجه
بعد اكتشاف الأشعة السينية عام 1895، أبلغ الأطباء الذين كانوا يستخدمون الأشعة للتخلص من الأمراض الجلدية والأورام عن أثر جانبي هو تساقط شعر المريض في منطقة تطبيق الأشعة السينية.
بعد هذا الاكتشاف، بدأ خبراء التجميل بتجربة آلات الأشعة السينية على بشكل غير رسمي خلال أواخر القرن التاسع عشر.
وفي عشرينيات القرن الماضي، كان معهد Tricho، المملوك لطبيب من نيويورك أحد أبرز مقدمي خدمات إزالة الشعر بشكل رسمي في كل من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة.
كان الجهاز المستخدم من قبل Tricho عبارة عن صندوق كبير من خشب الماهوجني مع نافذة أمامية صغيرة مع قضيب معدني قابل للتعديل بحجم وشكل المنطقة المراد معالجتها. ويتم تشغيل مفتاح وتعيين مؤقت لفترة التعرض. وعند انقضاء هذا الوقت، يتم إيقاف تشغيل الجهاز تلقائياً.
في حين أن إزالة الشعر بالأشعة السينية قد تبدو مخيفة بالنسبة لنا الآن، إلا أنها كانت خياراً غير مؤلم نسبياً ومريحاً وخالياً تماماً من الرائحة، فضلاً عن نتائجه التي تدوم لسنوات.
لكن بسبب استخدام الأشعة السينية من قبل أشخاص غير مدربين وغير متمرسين، فقد تسبب في حروق شديدة وتلف الجلد.
كما وجدت الأبحاث التي أجريت على 368 مريضاً في نيويورك في عام 1970 أن أكثر من 35% من السرطانات التي يسببها الإشعاع لدى النساء يمكن إرجاعها إلى ممارسات إزالة الشعر بالأشعة السينية.