باتت حرائق الغابات تُهلك ملايين الأفدنة من الأشجار سنوياً في مختلف أنحاء العالم، بدءاً من غابات الأمازون جنوباً وصولاً إلى غابات كندا القريبة من القطب الشمالي، ومروراً بالعديد من الدول الأوروبية التي كانت يوماً ما مناطق مُعتدلة الحرارة في الصيف.
فما هي أسباب هذه الحرائق، وكيف تؤثر على مناخ الأرض، وكم من السنوات تحتاجها هذه الغابات لتجديد أشجارها المحروقة، وما الذي سيحدث في العالم لو اختفت جميع الأشجار من على وجه الأرض؟
كيف تؤثر حرائق الأشجار على مناخ الأرض؟
على الرغم من تصنيفها من قبل وكالة حماية البيئة على أنها كوارث طبيعيّة، فإنّ ما يتراوح من 10% إلى 15% فقط من حرائق الغابات تحدث من تلقاء نفسها، أما ما تتراوح نسبته من 85% إلى 90% فتحدث بسبب البشر، من خلال سوء التصرف في المخيمات الصيفيّة غير المراقبة والسجائر التي يرميها البعض من نوافذ سياراتهم أثناء السفر.
ووفقاً لما ذكره موقع National Geographic فإن حرائق الغابات تحدث بشكل طبيعي عندما يكون الطقس جافاً فيحول النباتات الخضراء إلى نباتات جافة تصبح وقوداً قابلاً للاشتعال، فتنتظر فقط شرارة يمكن أن تأتيها من خلال البرق أو درجات الحرارة المرتفعة، في حين تتكفل الرياح القوية بنشر النار بسرعة في الغابات.
أما بالنسبة لتأثير الحرائق على مناخ الأرض، فيجب أن نعلم أولاً أنّه يمكن للأشجار أن تُخفض درجات الحرارة في الصيف خلال النهار بما يصل إلى 10 درجات فهرنهايت أي نحو 12 درجة مئوية، وفقاً لدراسة نُشرت على Proceedings of the National Academy of Sciences في العام 2019.
وبالتالي فإن استمرار خسارة الأشجار في الغابات بسبب الحرائق يمكن أن يجعل المدن أكثر دفئاً وأكثر تلوثاً وأكثر ضرراً بصحة سكان العالم بشكل عام، وفقاً لما قاله ديفيد نوفاك، كبير علماء دائرة الغابات الأمريكية لموقع CNN الأمريكي.
وعلى الرغم من صعوبة حساب الكميات الدقيقة فإن العلماء في وكالة الطاقة الدولية يقدرون أنّ حوالي 8 مليارات طن من ثاني أكسيد الكربون انبعثت من حرائق الغابات خلال العقدين الأخيرين.
كما يقدرون أن حرائق الغابات تشكل ما بين 5% إلى 10% من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون السنوية العالمية كل عام وفقاً لما ذكره موقع Insideclimate News.
ووفقاً للعالم بيتر تانس رئيس شبكة NOAA التي تدرس غازات الاحتباس الحراري فإنّ الحريق الذي يدمر 500 ألف فدان من الغابات يبعث ثاني أكسيد الكربون بنفس الكمية الإجمالية التي يمكن أن ينبعث منها من 6 محطات طاقة كبيرة تعمل بالفحم على مدار عام كامل.
من جهته، يرى الباحث الهولندي جويدو فان دير ويرف أنّ مناطق مثل غرب الولايات المتحدة والدول المطلة على البحر المتوسط قد شهدت ازدياداً في الحرائق الموسمية في السنوات الأخيرة.
وقال: "إذا بدأنا في رؤية مستوى أعلى من نشاط الحرائق مما كان عليه في الماضي بسبب الاحتباس الحراري، فإن هذه الحرائق ستصبح بمثابة غذاء للاحتباس الحراري، أي أنّ الاحتباس الحراري سيتسبب بالمزيد من الحرائق؛ وتلك الحرائق بدورها ستزيد من الاحتباس الحراري".
ولا تقتصر الحرائق الكبيرة على تدمير جميع الأشجار فحسب، بل تتسبب أيضاً في حرق الخث وهي التربة العضوية الغنية في أرضية الغابات والتي تعمل بمثابة خزان كبير للكربون، وفقاً لـ National Geographic.
من جهته، يؤكد نوفاك كبير علماء دائرة الغابات الأمريكية أنّ هناك الكثير من الفوائد التي تقدمها الأشجار للبشرية واستمرار هذه الحرائق سينعكس سلباً علينا مثل:
خفض انبعاثات الطاقة
تقلل الأشجار من تكاليف الطاقة مليارات الدولارات حول العالم، كون وجود الأشجار في محيط المباني يقلل من استخدام الناس لمكيفات الهواء.
وعدا عن توفير تكاليف الطاقة فإن الأشجار ستقلل من التلوث والانبعاثات الناتجة عن تلك المكيفات أيضاً.
تحسين جودة المياه
تعمل الأشجار كمرشحات للمياه، حيث تمتص المياه السطحية المتسخة وتمتص النيتروجين والفسفور من التربة.
الحد من تلوث الهواء
تمتص الأشجار ثاني أكسيد الكربون وتزيل الملوثات من الغلاف الجوي.
الحد من الفيضانات
تقلل الأشجار من الفيضانات عن طريق امتصاص المياه وتقليل الجريان السطحي في الجداول.
الحماية من الأشعة فوق البنفسجية
تمتص الأشجار 96% من الأشعة فوق البنفسجية.
كم تحتاج الغابات لتجديد الأشجار المحروقة؟
تعتمد الإجابة عن هذا السؤال وفقاً لعلماء البيئة، على قدرة النظام البيئي على التكيف مع تغير المناخ السريع، وخاصة زيادة درجة الحرارة، حتى مع ذلك، قد لا تعود المناظر الطبيعية التي كانت مألوفة في السابق إلى الشكل الذي كانت تبدو عليه من قبل بالضبط.
فمثلاً هناك غابات تتحول تربتها بعد الحرائق إلى تربة سوداء مثل الغابات الألمانية التي لديها صعوبات كبيرة من أجل تجديد نفسها والتعافي بعد الحريق؛ ما يعني أن هذه الغابات قد تحتاج إلى قرون قبل أن تعود إلى الحياة مرة ثانية بعد الحرائق.
ولكن بشكل عام تحتاج تربة الغابة إلى حوالي 30 سنة، من أجل تجديدها بالكامل، ويمكن لهذه المدة أن ترتفع إلى 80 سنة وفقاً لما ذكر موقع دويتشه فيله الألماني.
ماذا سيحدث لو اختفت كل الأشجار من العالم؟
هل فكرت يوماً بهذا السؤال: ماذا لو اختفى الشجر من هذا العالم؟ فالغابات هي شريان الحياة لعالمنا وبدونها نفقد خصائص أساسية واستثنائية للحياة على الأرض.
تقول إيزابيل روزا، المُحاضِرة في مجال البيانات والتحليلات البيئية في جامعة "بانغور" في ويلز: "إن اختفت الأشجار سيختفي كذلك كثير من التنوع البيولوجي الموجود على الكوكب، كما ستكون هناك حالات انقراض هائلة لجميع فئات الكائنات الحية محلياً وعالمياً على حدٍّ سواء".
وأضافت وفقاً لشبكة BBC الأمريكية أنّ اختفاء الأشجار سيحدث تغييراً جذرياً على مناخ الكوكب على المدى القصير والمدى الطويل، وسيؤثر تآكل التربة على المحيطات بخنقه للشعاب المرجانية والموائل البحرية الأخرى، أما الجزر التي فستُجرد من الأشجار وستفقد الحواجز التي كانت تحول دونها والمحيط، وسيُجرف كثيرٌ منها.
ولفتت أنه بمرور الوقت سنشهد على انبعاث 450 غيغا طن من الكربون في الجو، ويفوق ذلك ضعف الكمية التي ساهم بها البشر بالفعل.