من منّا لا يحب البيتزا؟ وهي الوجبة السريعة الأشهر في العالم، ويمكن لنا أن نأكلها في أيّ مكان، في المنزل أو في المطعم أو حتى في الشارع أو داخل السيارة. وفي أمريكا وحدها يباع كل عام 3 مليارات بيتزا، أي بمعدّل 46 شريحة لكلّ أمريكي، فما بالنا ببقيّة العالم؟
لكن، هل فكّرت يوماً في أن البيتزا كانت تُؤكل في مصر القديمة قبل 4200 عام من الآن؟ ولكن لنكن منصفين، فهذا الذي كان يأكله البيزنطيون ومن قبلهم المصريون القدماء لم يكن البيتزا الإيطالية التي نعرفها اليوم، بل كان نوعاً من "الخبز المفرود" الذي تعلوه بعض المكوّنات مثل التوابل أو غيرها من الإضافات.
ولنذهب معاً في رحلة عبر التاريخ لنرَ كيف أكل القدماء البيتزا وماذا كانت مكوناتها.
"الخبز المفرود" في نطاق البحر المتوسط
لن نتعجّب كثيراً من هذه المعلومات، فإيطاليا أيضاً ضمن نطاق ساحل البحر المتوسّط الذي يضمّ مشتركات عديدة بين شعوب الدول المطلّة عليه.
رغم اختلاف ما كان يأكله القدماء عن البيتزا الحالية، فإننا يمكن أن نخرج بهذه الحقيقة، أنه "منذ قديم الأزل والناس يأكلون البيتزا بشكلٍ أو بآخر".
بحلول عام 2200 قبل الميلاد كان الخبز المصري المفرود يُرَشُّ بخليط يُسمى "الدُّقّة"، وغير أكيد ما إذا كانت هي نفسها "الدُّقّة" التي يستخدمها المصريون حالياً.
كما وُجدت أدلة يرجع تاريخها لنحو عام 2000 ق. م على تناول الإيطاليين أنفسهم "الخبز المفرود".
كما أنّه من المعروف أنّ الفرس والإغريق قد أكلوا شيئاً شبيهاً بالبيتزا بين عامي 930 و 730 ق. م. لكن أيضاً لا يمكن أن نعتبر ذلك الخبز المفرود الذي تعلوه بعض المكونات كالتوابل مثلاً أو غيرها أنّه "بيتزا".
في العصور القديمة كان الخبز المفرود المُغطَّى بمكوناتٍ لذيذة المذاق يُقدم باعتباره وجبة بسيطة وسريعة.
في القرن السادس قبل الميلاد كان الجنود الفرس التابعين للإمبراطورية الإخمينية في عهد الإمبراطور داريوس العظيم يخبزون فوق دروعهم الخبز المفرود ويغطونه بالجبن والبلح.
أما في اليونان القديمة فقد كان الناس يخبزون خبزاً مفروداً يُسمى "بلاكوس"، وكان يُنكه بالإضافات فوقه مثل الأعشاب والبصل والجبن والثوم. كما يقال إنّ الإغريق قد أكلوا شيئاً شبيهاً بـ"خبز الفوكتشيا" الإيطالي، الذي يشابه البيتزا نسبياً.
ويأتي أقدم ذكر للبلاكوس باعتباره تحليةً في قصائد الشاعر اليوناني أركيستراتوس من القرن الرابع قبل الميلاد، والذي وصف تقديم البلاكوس مع المكسّرات والفواكه المجففة. كما أشاد بنسخة أثينا من البلاكوس المليئة بالعسل.
لم تكن هذه هي الإشارة الوحيدة في التاريخ القديم لهذا "الخبز المفرود". أشار الكاتب والسياسي الروماني "كاتو الكبير" إلى "قرصٍ مُفلطح" من العجين يغطّى بزيت الزيتون والأعشاب والعسل، ويخبز على الحجارة.
ما هو موطن البيتزا الحالية؟
ليس هناك خلاف تقريباً على أنّ موطن البيتزا الحالية التي نعرفها كان في إقليم كامبانيا في جنوب غرب إيطاليا، وتحديداً في مدينة نابولي.
كانت مدينة نابولي في القرن الثامن عشر وأوائل القرن التاسع عشر مدينةً مزدهرة، لديها ساحل ولها تجارةٌ كبيرة، وقد زاد عدد سكان المدينة للضعف تقريباً ما بين عامي 1700 و1750.
اشتهرت المدينة بكثرة العمّال، الذين عملوا حمّالين أو عمالاً عاديين أو رسلاً وغيرها من الأعمال التي يقوم بها الفقراء.
وقد احتاج هؤلاء العمال الفقراء إلى طعامٍ رخيص من ناحية، وسريع ويمكن أكله بسهولة من ناحيةٍ أخرى. وهكذا جاءت البيتزا: خبزٌ مسطّح مع طبقاتٍ مختلفة يؤكل مع أي وجبة ويبيعه الباعة الجائلون.
ومع الوقت، أصبحت البيتزا طعاماً لديه العديد من الإضافات، مثل الطماطم أو الجبن والزيت أو الأنشوجة أو الثوم، وغيرها بالطبع.
ظلّت البيتزا بشكلها الحالية أكلةً إيطاليةً محلّية، حتّى غزا الجنود الحلفاء إيطاليا في الحرب العالمية الثانية عام 1943، وأخذوا معهم البيتزا.
وبعد الحرب سهّلت السياحة رخيصة الثمن بعد الحرب من انتشار البيتزا، وهكذا انتشرت البيتزا في جميع أنحاء إيطاليا لأنّ السياح كانوا يطلبونها.
أمّا الموطن الثاني للبيتزا فكان في أمريكا، فقد وصل المهاجرون الإيطاليون إلى أمريكا في وقتٍ مبكر، وفي عام 1905 افتتح أوّل مطعم بيتزا في مدينة نيويورك، وسرعان ما دخلت البيتزا ضمن ثقافة الوجبات السريعة الأمريكية.
ومع الوقت، طوّرت بعض المجتمعات وأصحاب المطاعم حول العالم نكهات وإضافات جديدة على البيتزا، وتمّ تكييف هذه الوجبة الجميلة لتعكس الأذواق والهويات والاحتياجات المحلية المختلفة.