تحكي كتب التاريخ أن جيش المغول كان أكبر قوة عسكرية نظاميه ظهرت في تاريخ البشر الحديث، وتعتبر هذه الحرب موضوع الحديث اليوم، ومن أكثر الحروب بشاعة، وتعتبر من أوائل الحروب البيولوجية في العصر الحديث.
تلك الدولة العظيمة كانت تتحكم في مقدرات أكثر من نصف سكان العالم آنذاك، حيث كان يقدر اتساع حدودها من اليابان والصين والهند شرقاً إلى دول أوروبا غرباً، وكانت تُظل تحت رايتها أكثر من 100 مليون نسمة، ونحو 33 مليون كيلومتر مربع، أي أكثر من 22% من حجم اليابسة آنذاك.
في ذلك الوقت وصلت تلك الدولة إلى أوج قوتها الاقتصادية والعسكرية، عام ثلاثمئة وسبعة وأربعين بعد الألف من الميلاد، وهنا قرر المغرل غزو أوروبا، التي كانت تعاني آنذاك الفقر والجهل والاقتتال على السلطة وصراع العروش.
وانطلق الجيش بقيادة السفاح "جاني بيج" والتوجه إلى مدينة "كافا" ومحاصرتها، وكانت تلك المدينة مفتاحاً للغزو، حيث يوجد بها ميناء "شبه جزيرة القرم"، معقل التجارة القادمة إلى أوروبا من دول آسيا. ونظراً لأهمية ذلك الميناء فقد كان محصناً ومحاطاً بأسوار عالية، فعجز "جاني بيج" عن إسقاط المدينة واقتحامها، ولكنه ظل مرابطاً خارج أسوارها قاطعاً بذلك كل الإمدادات والمؤن الواصلة إليها لإضعافها وإرغامها على الاستسلام، ولكن حدث ما لم يكن في الحسبان.
أثناء حصار "جاني بيج" لـ"كافا" بدأ يلاحظ تساقط الجنود واحداً تلو الآخر دون سبب معلوم، فهذا ترتفع درجة حرارته ولا تصلح معه أي طريقة لتخفيف وطأة الحمى، وذاك تفوح منه رائحة كريهة كرائحة القبور، مصحوبة بدمامل غريبة الشكل واللون، وفي أسوأ أماكن في جسم الإنسان، تحت الإبط وفي أعلى باطن الفخذ، وكل الجنود المصابين خلال سبعة أيام يموتون تاركين اللواء لجنود آخرين.
نحن نعلم اليوم أن ذلك هو (الطاعون الأسود) أو (الموت الأسود) الذي ساعد على انتشاره الفئران الحاملة للمرض، ومنها إلى البراغيث، ثم من البراغيث إلى البشر، ولكنهم حينذاك لم يعلموا.
وهنا أيقن "جاني بيج" أن حملته باءت بالفشل وعليه الانسحاب، وعليهِ بدأ بالفعل يلملم ما بقي من جنوده استعداداً للانسحاب، وعلى الجانب الآخر لأسوار "كافا" بدأ أهلها يتنفسون الصعداء فرحاً ببداية انسحاب الجيش الغازي، ولكن الفرحة لم تدُم طويلاً؛ إذ فوجئ الناس صبيحة أحد الأيام بأكوام من اللحم البشري تتطاير فوق الرؤوس، في مشهد كارثي، ظل عالقاً بذاكرة من تبقَّى منهم كأكثر الأفعال وحشيةً وقذارةً على مر التاريخ.
السيد "جاني بيج" قبل أن يغادر المدينة خطرت له فكرة شيطانية بحق، فقد جمع جثث جنوده الموتى وأمر بوضع كل جثة على حدة داخل ما يشبه شباك الصيد، وأمر جنوده بقذف الجثث عن طريق المنجنيق العملاق باتجاه أسوار "كافا"، لتبدأ العدوى بعدها بالانتشار كالنار في الهشيم بين سكان المدينة، وفي غضون شهر واحد فقط تحولت "كافا" إلى مدينة أشباح، وتناثرت الجثث كحبات المطر في الطرقات تعلوها البثور والتعفن والقبح، وأظلمت المدينة.
فطفق السكان يهربون منها طلباً للنجاة، ظناً منهم أنهم بذلك يحمون أنفسهم، ولكن حدث ما لا يحمد عقباه، فقد انتقلت العدوى إلى جميع أنحاء أوروبا، ليقتل الوباء كل كائن حي في طريقه، لمدة فاقت خمس سنوات متواصلة حتى حلول عام 1353، لتكون النتيجة إبادة الطاعون الأسود لثلث سكان أوروبا.
بعض عشاق نظريات المؤامرة يؤمنون باحتمالية أن يكون فيروس كورونا قد تم تصنيعه في المعامل، ويستندون إلى هذه الواقعة التاريخية للتشابه الشديد، حيث إن "المغول" الذين هم شعوب مختلطة من قبائل الصين وتركيا ومنغوليا، كانوا سبب انتشار أخطر وباء أصاب البشرية على الإطلاق، لتبدأ رحلة انتشاره من أوروبا.
وتلك صفحة من صفحات التاريخ الأسود للبشرية، تصف أكبر الشرور وأكثرها سوداوية على الإطلاق، لتظهر وتؤكد المعنى الحقيقي لمقولة: (إن أشد أعداء الإنسان هو الإنسان نفسه).
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.