إذا كنتَ من المهتمين بثقافات الشعوب الأخرى، خصوصاً الشرق آسيوية، فلا شكَّ أنك قرأت يوماً ما كتاباً أو شاهدت فيلماً وثائقياً يتحدّث عن أبطال الساموراي الشعبيين الذين ينتمون إلى نخبة المحاربين اليابانيين الذي يقاتلون بشرف وإخلاص للدفاع عن أسيادهم في العصور الوسطى.
ولا شكَّ أيضاً أنّك من مشاهدي أفلام النينجا الذين يتقنون فناً قتالياً فريداً من نوعه يُدعى "نينجوتسو"، ويمتلكون قدرات خارقة مثل الطيران والتخفي.
وبعيداً عن كمّ الإثارة والتشويق الذي تمنحنا إياه هذه الشخصيات، لا بدّ أنّ العديد من الأسئلة قد راودتك بخصوص هذه الشخصيات، مثل الفرق بين النينجا والساموراي، وهل هم حقيقيون فعلاً؟
ولتعرف إجابة هذا السؤال، إليك ما قاله 3 مؤرخين متخصصين في الدراسات التاريخية.
الفرق بين النينجا والساموراي؟
كان الساموراي من المقاتلين الذين ينتمون عادةً إلى طبقة النبلاء من المجتمع الياباني، وكانوا أعلى طبقة اجتماعية، بالإضافة إلى كونهم أفضل المحاربين في اليابان في العصور الوسطى؛ لأنهم كانوا مدربين تدريباً جيداً على فن القتال.
كما تابعوا قواعد صارمة وكانوا دائماً فخورين بتراثهم، وقبل تحدي الخصم في المعركة، كانوا يعلنون اسم عشيرتهم ونسبهم، وفقاً لما ذكره موقع Question Japan.
في حين كان النينجا ينتمون إلى الطبقات الدنيا في المجتمع الياباني القديم، ويقال إنهم كانوا يميلون إلى إخفاء هوياتهم والبقاء في الظل بسبب قيامهم بأعمال "قذرة" للمنافسين السياسيين، مثل التجسس والاغتيالات، وما إلى ذلك.
كيف ظهر الساموراي؟
ينقسم التاريخ الياباني إلى عصورٍ وفترات، وأهم تلك الفترات تلك التي تتعلق بحديثنا، وهي فترة "سينغوكو" بين عامي 1467 و1603، وفترة "توكوغاوا" التي أعقبتها واستمرت حتى عام 1868.
وتستمد فترة توكوغاوا اسمها من عائلة شوغون التي سيطرت على الحكم في اليابان عام 1603، والتي كانت عائلة من الحكام الديكتاتوريين العسكريين بالوراثة، وكانوا يخدمون أباطرة اليابان على الورق، لكن تلك الشخصيات كانت فعلياً أكثر نفوذاً، وهي التي تتخذ القرارات، وقد شهدت إعادة تعريف اليابان لعلاقتها مع الساموراي، How Stuff Works الأمريكي.
وعلى حد تعبير توماس كونلان، أستاذ تاريخ شرق آسيا في جامعة برينستون، فقد وصل الساموراي إلى مكانةٍ اجتماعية معروفة خلال تسعينيات القرن الـ16، إذ كان قبلها المجتمع بأكمله عسكرياً دون تفرقةٍ بين فلاحين ومحاربين.
وأضاف أنّ القائد العسكري تويوتومي هيده-يوشي أصدر "مرسوم مطاردة السيوف" على مستوى البلاد عام 1588، وحظر هذا المرسوم على المزارعين امتلاك أي نوعٍ من الأسلحة، وبموجب القوانين الجديدة، كان الساموراي وحدهم هم المسموح لهم بحمل السلاح.
بينما أوضح المؤرخ نيك كابور، من جامعة روتجرز، أنّ الأشخاص المعروف عنهم القتال في المعارك يُعتبرون من الساموراي، ومحظورٌ عليهم العودة إلى العمل في الزراعة، أما الأشخاص المعروفون بأنّهم يزرعون الأراضي فكان عليهم تسليم أسلحتهم.
واستمرت إصلاحات هيده-يوشي حتى فترة توكوغاوا، وقد وضعوا فعلياً حجر الأساس لنظامٍ صارم طبقي ووراثي يضع الساموراي في مكانةٍ أعلى من الحرفيين والفلاحين والتجار.
وبحلول ذلك الوقت، كانت الحروب الإقطاعية التي ميّزت فترة سينغوكو قد انتهت منذ زمن، وبدون حروبٍ تخوضها البلاد، حصل الساموراي على المناصب البيروقراطية والإدارية في الدولة.
حنين الساموراي إلى الماضي بعد فقدان المزايا
ووفقاً للمؤرخة سارة تال، فإن حالة السلام التي تميزت بها فترة توكوغاوا، جعلت الساموراي يبدأون بشغل مناصب إدارية في البلاد وليس قتالية، قبل أنّ تتم الإطاحة بآخر حكام عائلة شوغون عام 1868، لتدخل بعدها اليابان فترة ميجي الإصلاحية، التي تتميز بأنها احتضنت الصناعة والحوكمة المركزية، وبما أنّ الساموراي تاريخياً كانوا قد خدموا اللوردات الإقطاعيين وتمتعوا بمزايا خاصة على عهدهم، سرعان ما أُلغِيَت مكانة الساموراي رسمياً عام 1869، ثم أُلغِيَت التزاماتهم في سبعينيات القرن الـ19.
ومع إلغاء هذه المزايا فقد الكثير من الساموراي عملهم، وعجزوا عن الحصول على وظائف في الحكومة الجديدة.
وفي تسعينيات القرن الـ19، بدأ الساموراي وأطفالهم والعديد من اليابانيين استخدام وصف "طريقة الساموراي" للتعبير عن الحنين إلى الماضي الرائع والأخلاقي، إلى جانب انتقاد الاتجاه نحو التحديث في ذلك الوقت.
وبظهور الدبلوماسي والروائي نيتوبي إينازو، نجح في تغيير الطريقة التي ستنظر بها الأجيال المستقبلية إلى الساموراي.
ففي عام 1899، نشر إينازو كتابه المؤثر بعنوان "بوشيدو: روح اليابان Bushido: The Soul of Japan". ومثّل النص نفسه مدخلاً إلى فكر بوشيدو الذي كان بمثابة قانون في السلوك العالمي والتقليدي الذي التزم به الساموراي في العالم الحقيقي.
لم يكن الساموراي أخلاقيين ونبلاء كما نشاهدهم
"لكن قانون الساموراي المزعوم، أو بوشيدو، لم يكن له وجودٌ في أوج فترة سينغوكو التي شهدت حروب الساموراي"، وفقاً للمؤرخ كابور، ولم تجرِ صياغة مصطلح بوشيدو نفسه حتى حلّت فترة توكوغاوا التي عمّها السلام.
ومع ذلك، فإنّ كتاب إينازو هو مصدر عددٍ من أكثر الأساطير انتشاراً بشأن قيم وسلوكيات الساموراي، لكنهم وفقاً لسارة لم يكونوا رجال المبارزة الأخلاقيين والنبلاء والروحانيين بقدر ما صوّره الفيلم. ولم يكن لديهم قانونٌ أخلاقي واحد ومتماسك يُحدّد تصرفاتهم.
في حين أضاف كابور: "مثلهم مثل أي مقاتلين في أي مكانٍ آخر، كان الساموراي يغتصبون ويسلبون وينهبون ويخونون أسيادهم باستمرار".
ملابس الساموراي
نظراً لحقيقة أن الساموراي كانوا جزءاً من المكانة الاجتماعية الأعلى في البلاد، فإن ملابسهم كانت عبارة عن ثوب "الكيمونو" التقليدي، المصنوع من الحرير، بدلاً من القطن؛ لتدل على نبلهم، بالإضافة إلى أن غالبية تلك الكيمونو كانت ملونة.
إضافة إلى ارتدائهم درعاً مصمماً خصيصاً لارتدائه أسفل الكيمونو، إذ كان خفيف الوزن ومرناً لمساعدة المقاتل على الحركة بخفة.
حقائق مجردة عن النينجا
أما بالنسبة إلى النينجا، فدائماً ما كنا نشاهدهم على أنهم كانوا من المرتزقة الذين ينفذون العمليات السرية، ويجمعون المعلومات، ويغتالون الأشخاص في جنح الليل، فهل هذا صحيح؟
في الحقيقة، فقد كانت منطقتا إغا وكوكا المتجاورتان في جنوب شرق اليابان تُعتبران من مناطق التدريب الرئيسية، حيث يصقل النينجا مهاراتهم الفتاكة، وفي بعض الأحيان ستستمع إلى أنّ النينجا شكّلوا طبقةً اجتماعية وتوارثوا اسم العائلة على غرار الساموراي.
ولطالما أعرب محبو اليابان وعشاق الأفلام ولاعبو الفنون القتالية عن تقديرهم لتقاليد النينجا، ولا ننسَ أنه في كل عام يرتدي المعجبون بهم الزي الأسود الكامل للاحتفال بـ"يوم النينجا" في الـ22 من فبراير/شباط.
ولكن هل هم حقيقيون فعلاً؟
وفقاً للمؤرخ كابور، لم يكُن للنينجا الذين نعرفهم اليوم وجودٌ فعلي، فكلمة نينجا مستوحاةٌ من "حرفين صينيين يعنيان: الرجل المتخفي".
وأضاف أنه كان لليابان في العصور الوسطى نصيبها من الأشخاص الذين تسلّلوا إلى القلاع، وشاركوا في الحرب سراً، إذ تُظهر السجلات التاريخية أنّ الساموراي أنفسهم كانوا ينفذون مثل هذه التكتيكات.
وأوضح أن هناك العديد من الوثائق بشأن تلك الأنشطة، لكنها كانت تُنفّذ بواسطة العديد من الأشخاص، ولم تكن هناك طبقة متخصصة من القتلة الذين يعيشون في عشائر تتوارث الاسم نفسه، أو يقدمون خدماتهم مقابل أجر، وهذه مجرد أسطورة على غرار العديد من الأساطير حول الساموراي، وظهرت من العدم خلال فترة إيدو الطويلة التي عمّها السلام.
ومع حلول القرنين الـ18 والـ19، صار النينجا ظاهرةً ثقافية شعبية في اليابان، لذا جرى تصويرهم بمختلف الأشكال الرائعة والخيالية في الفن والأدب والدراما وغيرها.
ملابس النينجا
عندما يتعلق الأمر بالنينجا، فإنهم كانوا على عكس الساموري، لميولهم لارتداء ملابس سوداء بالكامل مع إظهار أعينهم فقط.
ويقال إنّ سبب ارتداء النينجا للزي الأسود الكامل هو تكتيكات التخفي وحرب العصابات من أجل التمويه، خصوصاً في الليل، كما أنه من النادر ما كانوا يرتدون الدروع.
الفرق بين أسلحة الساموراي والنينجا
هناك اختلاف واضح في نوعية الأسلحة المستخدمة من الجانبين، فالساموراي كانوا يستخدمون السيوف الطويلة والضخمة لإثارة الخوف في قلوب أعدائهم الذين يقاتلونهم وجهاً لوجه.
في حين كان النينجا يميلون لاستخدام أسلحة صغيرة جداً ويسهل استخدامها مثل الدوائر الحديدية التي نشاهدها في الأفلام، وذلك لأنهم يرغبون بإنجاز مهمتهم بأسرع وقت ممكن، كما أنّهم يستطيعون من خلالها القضاء على هدفهم بضربة واحدة فقط.
قوانين الشرف لدى الساموراي والنينجا
اتبع الساموراي تاريخياً قوانين أخلاقية صارمة، مثل البوشيدو، الذي يفرض عليهم التدريب العسكري والانضباط بشكل مطلق، وفي حال فشلوا يتعرضون لأقسى أنواع العقوبات.
أما القانون الثاني المثير للجدل، فهو طقس "هارا كيري" أو كما يسمى أيضاً السيبوكو، وهو عمل يقدم خلاله مقاتل الساموراي على قتل نفسه عن طريق نزع أحشائه، قبل أن يقوم أحد المقربين له، يُسمى "الكايشاكونين"، بضرب عنقه دون أن ينقطع نهائياً، وهو طقس كان مقتصراً على المقاتلين الشجعان فقط.
في المقابل، لم يكن مقاتلو النينجا يتبعون أي طقوس أو قوانين، لكنهم كانوا معروفين بالصبر والاجتهاد والإبداع والانضباط في الخطط.
النينجا | الساموراي |
ينتمون إلى الطبقات الدنيا في المجتمع الياباني القديم | ينتمون إلى طبقة النخبة في الجيش الياباني وأعلى طبقة اجتماعية |
إخفاء هوياتهم والبقاء في الظل | الإعلان عن اسم عشيرتهم ونسبهم قبل تحدي الخصم في المعركة |
يرتدون الزي الأسود بالكامل | يرتدون الكيمونو الحريري الملون |
استخدام سلاح صغير وسهل الإخفاء | استخدام أسلحة كبيرة ومخيفة |
لا يتبعون أي طقوس | يتبعون طقوساً صارمة ومميتة في بعض الأحيان |
خدمة من يدفع لهم الثمن | خدمة الإمبراطور في اليابان |