يرتبط الصيام عند اليهود غالباً بإحياء ذكرى لحوادث تاريخية عايشها الشعب اليهودي وفقاً لما ورد في الكتاب المقدس، منها الحداد على تدمير هيكل سليمان أو على حصار القدس من قِبل جيوش نبوخذنصر.
ولا يوجد نمط واحد للصيام، ففي بعض الأيام قد يكون الصيام خفيفاً فيمتد من الفجر حتى حلول الظلام، وقد يكون طويلاً فيمتد من غروب الشمس حتى حلول الظلام في الليلة التالية، وفي جميع الحالات يعتقد اليهود أن هذه العبادة قد ترتقي بالصائم إلى مستوى الملائكة.
الصيام عند اليهود
هناك أربعة أنواع للصيام عند اليهود: الكامل، والخفيف، والمرتبط بذكرى تدمير الهيكل، والاختياري الذي لا يطبَّق على جميع أبناء الشعب اليهودي.
1. الصيام الكامل
يصوم اليهود يومين في العام صياماً كاملاً، وهو الصيام الممتد من غروب الشمس حتى حلول الظلام في الليلة التالية، وهما:
· تيشا باف الذي يصادف التاسع من آب/أغسطس، ووفقاً للمعتقدات اليهودية فهو اليوم الذي دُمر فيه كل من معبد سليمان من قبل الإمبراطورية البابلية والهيكل الثاني من قبل الإمبراطورية الرومانية في القدس.
· يوم كيبور، المعروف أيضاً بـ"يوم الغفران" وهو أقدس أيام السنة اليهودية وفقاً لـ Time.ويصادف اليوم العاشر من الشهر السابع.
خلال هذين اليومين يمتنع اليهود عن الطعام والشراب بشكل كامل، كما توجد محرمات أربع لا يقربها اليهودي أثناء الصوم، وهي:
· لا يجوز لليهودي أن يستحم في هذين اليومين.
· لا يجوز له أن يرتدي حذاء جلدياً.
· لا يجوز أن يستخدم الكولونيا أو الزيوت أو العطور.
· ولا يجوز له ممارسة الجنس.
2. الصيام الطفيف
هنا لا يُفرض على الصائم أي من قيود أيام الصوم الكامل، إنما يكتفي بالصوم البسيط من الفجر حتى الليل، ممتنعاً عن الشراب والطعام. وللصيام الطفيف أربعة أيام من كل عام:
· صوم جدليا، يختلف تاريخ هذا اليوم وفقاً للتقويم الميلادي من سنة إلى أخرى، ويحيي فيه اليهود ذكرى اغتيال جدليا، وهو حاكم مقاطعة "يهود" الذي اغتاله جنود الملك البابلي نبوخذنصر مع عدد من اليهود، وفقاً لما ورد في الكتاب المقدس.
· العاشر من تيفيت (الشهر العاشر في التقويم العبري)، يصوم اليهود في هذا اليوم حداداً على ذكرى الحصار الذي فرضه نبوخذنصر على القدس والذي انتهى بتدمير هيكل سليمان والاستيلاء على مملكة يهوذا.
· السابع عشر من تموز/يوليو (Shiva Asar B'Tammuz)، ويصادف ذكرى خرق جدران القدس قبل تدمير الهيكل الثاني وفقاً للمعتقدات اليهودية.
· صوم إستير الذي يحيي فيه اليهود كذلك ذكرى إحدى المعارك الواردة في سفر إستير.
وفي كل يوم من هذه الأيام الأربعة يواظب الصائم على قراءة أجزاء معينة من التوراة في قداس خاص بأيام الصوم.
3. صيام الأيام الأربعة
صيام الأيام الأربعة هو خليط ما بين الصيام الكامل والخفيف، لكنه مخصص بالنسبة لليهود لإحياء ذكرى تدمير هيكل القدس كل عام:
· التاسع من آب/أغسطس (Tisha B'Av)، حيث يصوم اليهودي صوماً كاملاً.
· صوم جداليا (Tzom Gedalia)، حيث يصوم اليهودي صوماً خفيفاً.
· العاشر من تيفيت (Asara B'Tevet)، حيث يصوم اليهودي صوماً خفيفاً.
· السابع عشر من تموز/يوليو (Shiva Asar B'Tammuz)، حيث يصوم اليهودي صوماً خفيفاً.
من الجدير بالذكر أن أيام الصيام تلك قد ذُكرت في الكتاب المقدس، وقد اعتاد اليهود صومها بعد تدمير الهيكل الأول، لكنهم توقفوا عن ذلك بعد بناء الهيكل الثاني، ووفقاً لتعاليم التلمود لا يصوم اليهود في هذه الأيام طالما كان المعبد قائماً وتستبدل أيام الصيام بالاحتفالات، لكن الصيام واجب في هذه الأيام طالما أن اليهود يعانون من الاضطهاد.
4. صيام يلتزم به المتدينون وجماعات محددة من اليهود
لا يلتزم جميع اليهود بهذا النوع من الصوم، إنما يتبعه الأفراد المتدينون بشكل خاص أو جماعات وفئات معينة من المجتمع اليهودي، وتشمل أيام هذا النوع من الصوم:
· صوم البكر، الذي يصادف اليوم السابق لعيد الفصح (14 نيسان/أبريل)، وعكس جميع أيام الصيام اليهودية الأخرى، يُطلب الصيام في هذا اليوم فقط من الأطفال البكر (الطفل الأول المولود في كل أسرة).
· يوم كيبور الصغير، وهو صوم تعتمده فئات قليلة من اليهود ويصادف اليوم السابق لبداية كل شهر.
· صيام الإثنين والخميس، ثم الإثنين التالي من شهري (ششفان وأيار) في التقويم العبري.
· صيام شوفافيم، شوفافيم هي فترة من ستة إلى ثمانية أسابيع كل عام، يركز فيه اليهود على التكفير عن خطاياهم، لاسيما الخطايا الجنسية، ويصوم البعض كل يوم خلال هذه الفترة ما عدا أيام السبت، والبعض الآخر يصوم مرة أو اثنتين في الأسبوع، الإثنين والخميس غالباً.
· صوم إحياء ذكرى مجزرة خميلنيتسكي، وهي مجزرة راح ضحيتها كثير من اليهود إثر انتفاضة وقعت في أوكرانيا بين عامي 1648 و1657.
· صوم صموئيل: يقام في الثامن والعشرين من شهر أيار/مايو.
· صوم موسى في السابع من آذار/مارس.
كذلك توجد عادة عند بعض المجموعات اليهودية تقضي بصوم العروس والعريس يوم زفافهما، وتلاحظ هذه العادة بشكل خاص عند الأشكنازي (وهم يهود الشتات الذين تجمعوا في الإمبراطورية الرومانية في نهاية الألفية الأولى) وبعض يهود السفارديم (وهم اليهود الذين تعود أصولهم الأولى لأيبيريا (إسبانيا والبرتغال، وقد طُردوا من تلك المناطق في القرن الخامس عشر).
لماذا يصوم اليهود؟
وفقاً للديانة اليهودية فإن الأهداف الأساسية من الصيام تتمثل بالآتي:
الكفارة عن الذنوب: يعتبر الصوم عند اليهود نوعاً من التكفير عن الذنوب، مع العلم أن الصوم وحده لا يكفي، بل يجب كذلك الامتناع عن القيام بهذه الذنوب مرة أخرى.
الحداد التذكاري: وفقاً للمعتقد اليهودي، كثير من أيام الصيام بمثابة حداد على حوادث تاريخية مر بها اليهود وطريقة ليتذكر بها الأبناء معاناة أجدادهم.
التركيز على الروحانيات: نظراً إلى أن الطعام والشراب احتياجات جسدية، فإن الامتناع عنهما بمثابة فرصة للتركيز بالروحانيات وشكر الله على نعمه، ووفقاً للمعتقدات اليهودية فإن الصيام قد يرفع الصائم إلى مستوى الملائكة.