في وقت إطلاقها، في أبريل/نيسان 1912، كانت التيتانيك تعد أكبر سفينة في العالم. بلغ طول السفينة العملاقة نحو 270 متراً، وعرضها نحو 28 متراً، ووزنها أكثر من 46 ألف طن.
في الواقع، قبل أن تصطدم التيتانيك بجبل جليدي وتغرق في 14 أبريل/نيسان 1912، كانت السفينة تُعرف باسم "مارفل"، أو الأعجوبة. وكانت رمزاً لطفرة حقيقية في سفن السفر، إذ تميزت بمجموعة من التقنيات الحديثة، التي وعدت برحلة فاخرة، لأولئك ممن استطاعوا تحمل تكاليفها.
لكن هل عجلت كل هذه العظمة بهلاك السفينة؟
سيطر عدد قليل من الشركات على أعمال الشحن في أوائل القرن العشرين، من بينها شركة White Star Line. وللتفوق على منافسيها، الذين كانوا قد أطلقوا للتو سفينة الركاب Lusitania، التي غرقت أيضاً، بدأت شركة White Star في بناء أكثر سفنها طموحاً: "آر إم إس تيتانيك".
سميت التيتانيك تيمناً بالآلهة العمالقة في الأساطير اليونانية المعروفين بالتيتان، إذ صُمِّمت التيتانيك لتكون عملاقاً عائماً، وكانت أكبر سفينة ركاب في العالم وقت إطلاقها.
كانت صحيفة Los Angeles Herald من أوائل الصحف التي نشرت تقريراً عن المشروع الضخم في نسختها المطبوعة في 23 أبريل/نيسان 1908:
"ستُبنى اثنتان من بواخر White Star Liners، اللتان ستكونان أكبر السفن حتى الآن، في بلفاست. وستزوَّد السفينتان بتوربينات مركبة، ومحركات مكبسية تضمن الحفاظ على سرعة 21 عقدة".
بدأ بناء التيتانيك فعلياً في عام 1909. وبنيت السفينة في Harland and Wolff، وهو حوض لبناء السفن بميناء بلفاست، أيرلندا. استُخدم في بنائها ثلاثة ملايين مسمار، وتطلب الأمر ثلاثة آلاف عامل للقيام بهذه المهمة. فيما كلف بناء السفينة 7 ملايين دولار وقتها، أو نحو 200 مليون دولار اليوم.
على الرغم من صغر حجم التيتانيك إذا قورنت بحجم السفن السياحية اليوم، التي هي أطول بما يقارب الثلث ويبلغ عرضها ضعف عرض التيتانيك، فالسفينة الأعجوبة كانت مُحطِّمة للأرقام القياسية في يومها. خطّطت White Star Line لبناء سفن يبلغ وزنها 60 ألف طن، ومع أن التيتانيك بلغ وزنها 46 ألف طن فقط، فكانت لا تزال أكبر سفينة تُبنى في ذلك الوقت.
ومع ذلك، لم يكن الجميع مسروراً بحجم التيتانيك الهائل؛ إذ حذر بعض خبراء بناء السفن من أن السفن الجديدة قد تكون أكبر من أن ترسو بسلام. في صحيفة The Washington Times الأمريكية، أشار مسؤولون إلى أن التيتانيك وإحدى السفن الشقيقة، الأولمبيك، ستضطر إلى تفريغ الركاب والبضائع في البحر.
إلا أنهم انتهوا من بناء التيتانيك في 31 مارس/آذار 1912، وبعد بضعة أيام، انطلقت في رحلتها الأولى المحكوم عليها بالفشل.
كيف سرَّع حجم التيتانيك من غرقها؟
كان الحجم الهائل لسفينة آر إم إس تيتانيك واحداً من أهم عناصر الترويج لها عندما طرحت تذاكرها للبيع في 15 أبريل/نيسان 1912. وعلى الرغم من وزنها الكبير المحفوف بالمخاطر، رُوِّج لتيتانيك على أنها سفينة "غير قابلة للغرق".
تباهى فيليب فرانك، نائب رئيس White Star Line قائلاً: "لا يوجد خطر من غرق التيتانيك. فالسفينة غير قابلة للغرق، ولن يعاني الركاب سوى بعض الانزعاج".
استغلت White Star الحجم الهائل للسفينة، إذ ملأتها بوسائل الراحة الفاخرة لجذب الركاب الأثرياء. احتوت سفينة التيتانيك على صالة ألعاب رياضية، ومقاهٍ في الشرفة الأرضية، ومسبح، وحمامات تركية، ودرج كبير مذهل يبدو كأنما ينتمي إلى قصر أحد المليونيرات، لا لسفينة عبر المحيط الأطلسي.
لكن بعد أربعة أيام من إبحارها في 10 أبريل/نيسان 1912، من ميناء ساوثهامبتون بإنجلترا، اصطدمت التيتانيك بجبل جليدي.
من بين نحو 2200 راكب وطاقم على متن السفينة، لقي قرابة 1500 مصرعهم. وعلى الرغم من كل تلك الميزات الجذابة، كانت التيتانيك تفتقر إلى ما يحتاجه الناس فعلاً، وهي قوارب النجاة. مع أن قوارب النجاة الخاصة بالسفينة تجاوزت العدد المطلوب قانوناً، فهي لم تكن كافية لجميع الركاب على متنها.
علاوة على ذلك، يعتقد الخبراء المعاصرون أن السفينة الضخمة غرقت أسرع مما ينبغي، ويرجع ذلك جزئياً إلى حجمها. ومع أنها بنيت بالعديد من المقصورات السفلية المصممة خصيصاً لسحب الماء في حالة حدوث أي خرق، فهذه المقصورات لم تمنع تسرب الماء، وسرعان ما استقبلت كمية من الماء أكثر مما تستطيع السفينة تحمله، مما أدى إلى سحبها لأسفل.
تطلب إبطاء سفينة بهذا الحجم، وإعادة توجيهها، مسافة ووقتاً أطول بكثير مما كان متاحاً أمامها عندما أدرك الطاقم أنهم في خطر الاصطدام بجبل جليدي.
وبدون مسافة كافية لتغيير المسار، ارتطمت السفينة بالجبل الجليدي من جانبها، مما أدى إلى إتلاف ما يقرب من 100 متر من الجانب الأيمن من الهيكل فوق وتحت خط الماء.
وأخيراً، مع استمرار مقدمة السفينة في استقبال الماء والغرق، انجذب الجزء الخلفي من السفينة أيضاً لأسفل، الذي كان ثقيلاً جداً، بثلاث مراوح ضخمة، مما أدى إلى انقسام السفينة إلى نصفين تقريباً.
نجا 700 راكب من المأساة، ووصلوا إلى الوجهة المقصودة للتيتانيك بنيويورك في 18 أبريل/نيسان. وشارك الكثيرون قصصاً رائعة عن الناجين من التيتانيك.
كيف تعلم صانعو السفن من هذه الكارثة؟
أصبح الحادث المروع صدمة إفاقة حزينة لأسطورة السفينة غير القابلة للغرق. فبعد غرق التيتانيك، أدخل المصنعان Harland وWolff تغييرات جذرية على سفينتيهما الشقيقتين، إتش إم إتش إس بريتانيك، وآر إم إس أوليمبيك. زُوِّدت السفينتان بحواجز أعلى، وهيكل داخلي ثانٍ، ومواد مقاومة للحريق، والأهم من ذلك، المزيد من قوارب النجاة.
تُزوَّد السفن الحديثة أيضاً بميزات وبروتوكولات أمان صارمة لمنع حدوث أي كوارث بحرية أخرى مثل التيتانيك.
في عام 2012، وجد تقرير نشرته شركة التأمين البحري المتخصصة Allianz Global Corporate & Specialty أن معدل السفن الغارقة سنوياً قد انخفض بشكل كبير. سجل التقرير خسائر بمعدل سفينة واحدة بين كل 670 سفينة سنوياً، مقارنة بمئة سفينة كانت تغرق سنوياً في وقت التيتانيك.
لكن هذا لا يعني أنه لم يعد هناك المزيد من التحسينات التي يتعين إجراؤها في مجال الهندسة البحرية.
خلاصة القول هي أنه لا توجد سفينة غير قابلة للغرق. بغض النظر عن درجة أمان السفينة، إذا كنت تقودها بأقصى سرعة باتجاه صخرة، فغالباً ستغرق.
مع أنها كانت عملاقة في وقتها، فإن التيتانيك أقرب للقزم مقارنةً بسفن اليوم. عادة ما تكون سفن الرحلات البحرية أطول بنسبة 20% مما كانت عليه التيتانيك، ويزيد ارتفاعها بقرابة الضعف. يبلغ مثلاً متوسط وزن السفينة السياحية الملكية الكاريبية نحو 133 ألف طن، وهو أثقل بكثير من التيتانيك البالغ وزنها 46 ألف طن فقط.
على الأقل، ضمنت النهاية المأساوية للتيتانيك أن يراعي صانعو السفن الحديثة مزيداً من الدقة والعناية في تصميماتهم.