ماركوس أورليوس أنطونيوس، أو كما عُرف بعد وفاته باسم إيل جبل هو إمبراطور روماني من أصل سوري، كان واحداً من أشهر حكام روما وأصغرهم سناً على الإطلاق، إذ حكم الإمبراطوريّة وهو لايزال في سن الـ14 فقط.
لكنّ فرحته هذه لم تدم طويلاً، إذ قُتل على يد الحرس الملكي بعدها بـ4 سنوات رفقة والدته جوليا سؤامياس وسُحلت جثتاهما في الشوارع قبل أن ترمى في نهر التيبر الذي يعبر وسط روما، أما الأسباب فسنتعرف عليها في هذا الموضوع.
إيل جبل.. إمبراطور روماني من أصل سوري
وُلد الإمبراطور أنطونيوس في العام 203، ولا أحد يعرف على وجه اليقين اليوم أو الشهر الحقيقي لولادته لكنّ بعض الباحثين يقولون إنه ولد في 20 مارس/آذار.
كان أنطونيوس ابن جوليا سؤامياس ابنة جوليا ميزا الشقيقة الكبرى لجوليا دومنا، أما والده فهو سكتوس فاريوس مارسيليوس أحد أعضاء سلالة سيفيروس الحاكمة في روما.
وبما أنه من أصل سوري نسبة لوالدته فقد قضى معظم شبابه ككاهن لإله الشمس الحمصي "إيل جبل" وهو الاسم الذي أطلق عليه بعد وفاته وفقاً لما ذكره موقع Nationalgeographic.
إيل جبل.. مؤامرة الجدة لإعادة الحكم للعائلة السوريّة
في العام 217 قُتل الإمبراطور الروماني كاراكلا ابن جوليا دومنا على يد مجموعة من جنوده، ليستولي من بعده قائد الحرس ماركينوس- من أصول أمازيغيّة- على الحكم والذي كان قليل الخبرة السياسيّة والعسكرية وقاد الجيش الروماني للهزيمة ضد البارثيين الذين كانوا العدو الأكبر لروما.
لم يرق الأمر للعائلة السوريّة سيما جوليا ميزا جدّة إيل جبل التي كانت ترغب بشدة في عودة الحكم إلى عائلتها فقامت برشوة فرقة عسكرية ضخمة في سوريا من أجل حمايتها، قبل أن تدعي بأن إيل جبل هو ابن كاراكلا غير الشرعي.
في هذا الوقت تقريباً ورث إيل جبل منصب عائلته كرئيس لكهنة إله الشمس في حمص، وهو سبب إضافي دفع الجنود الرومان في سوريا إلى الوقوف إلى جانبه.
بدعم من الجيش وتأمين الادعاءات الكاذبة للنسب أعلن قائد الجيش في روما بوبليوس فايريوس كوزامون تنصيب إيل جبل إمبراطوراً جديداً لروما، الذي قام بدوره بتغيير اسمه عند الولادة فاريوس أفيتوس باسينوس إلى ماركوس أورليوس أنطونيوس وهو ذات اسم كاراكلا والسبب كان لتقوية شرعيته في الحكم.
معركة أنطاكية وتنصيب إيل جبل إمبراطوراً في سن الـ14
بعد أن وصلت الأخبار إلى قائد الحرس السابق والإمبراطور الحالي ماكرينوس جنّ جنونه، فأرسل طلباً إلى مجلس الشيوخ الروماني من أجل عدم الاعتراف بتسليم إيل الجبل للحكم وادعى أنه مجنون وكاذب.
ووفقاً لما ذكره موقع History Things فإن المجلس وافق على طلب ماكرينيوس وأعلنوا الحرب على إيل جبل وعائلته، لكنّ الجدّة جوليا ميزا كانت قد استبقت هذه الخطوة بدفع رشى إلى الفيلق الثاني للوقوف بجانب حفيدها.
وفي 8 يونيو/حزيران 218 اندلعت المعركة الكبرى بين قوات إيل جبل وقوات ماكرينوس، لكن الأخير فرّ من المعركة، ما تسبب بخسارة قواته وانتصار الشاب إيل جبل الذي أصبح أصغر إمبراطور يحكم في تاريخ الإمبراطورية الرومانية بعمر 14 عاماً، أما ماركينيوس فقد تمّ إلقاء القبض عليه لاحقاً وإعدامه في كابادوكيا.
إمبراطور مجنون
خلال حكمه أظهر إيل جبل أموراً اعتبرت بمثابة الإهانة للتقاليد الدينية وقد ظهرت أولى علامات المشاكل المستقبلية مع عهد الإمبراطور الشاب الجديد في شتاء عام 218، فعلى الرغم من إغراء الحياة الإمبراطوريّة في روما، وضع إيل جبل قواعده الخاصة دون أي اعتبار للعادات والثقافة الرومانية.
فبدأ برفض تبني الآلهة التقليدية لروما سيما جوبتير ورفض أيضاً التخلي عن الإله الذي يعبده والذي بقي مخلصاً له، فأحضر معه تمثالاً لإله الشمس الحمصي في رحلة تقارب 2000 ميل من حمص إلى روما وأجبر كبار قادة الجيش على عبادته.
لم تكن جريمة إيل جبل تتمثل في إدخاله إلهاً أجنبياً إلى روما أو في تمجيده بطرق غريبة جداً عن عاداتهم وحسب، ولكن أيضاً كان من خلال وضعه له أمام الإله جوبتير نفسه.
ليس ذلك فحسب بل بقي على رأس منصبه ككبير للكهنة طوال فترة حكمه، وقام أيضاً ببناء معبد للإله السوري، ووفقاً لبعض الروايات فقد كان إيل جبل يخلط أجود أنواع النبيذ بدماء الأضاحي البشرية وتسكب كقرابين للآلههِ وكل هذا كان يتم على مرأى من أعضاء مجلس الشيوخ.
تزوج 5 مرات وكان له عشاق ذكور!
اشتهر إيل جبل بأنه لم يكن يكبح دوافعه الجنسيّة أبداً فقد تزوج وطلق 5 مرات، ولم يجامع نفس المرأة مرتين إلا مع زوجاته، وفتح بيوتاً للدعارة داخل قصره الملكي لأصدقائه وعملائه وعبيده.
كما أن له عشاقاً من الذكور، ويقال إنه عرض على الأطباء مبالغ طائلة لإعطائه أعضاء تناسلية أنثوية، ما دفع العديد من المؤرخين المعاصرين بوصفه أنه كان متحولاً جنسياً وفقاً لما ذكره موقع History Things.
إحدى الشائعات التي انتشرت تقول إنّ إيل جبل كان يتجول ليلاً في القصر الإمبراطوري وكذلك شوارع روما وهو يرتدي ملابس النساء، ويقال حتى إنه تزوج من عبد اسمه هيروكليس.
إحدى زوجاته كانت من عذارى فيستال
عذارى فيستال
عذارى فيستال هنّ كاهنات يعملن في معبد الإلهة العذراء "فستا" إلهة الموقد والبيت والعائلة، وتعمل الكاهنات في المعبد مدة 30 عاماً بهدف الحفاظ على اشتعال النار المقدسة ويدخلن إليه في عمر يبدأ من 6 إلى 10 سنوات.
وخلال خدمتهن يجب أن يحافظن على بكارتهن وإلا يتعرضن لأشد أنواع العذاب، ففي بعض الأحيان يصبّ الرصاص المنصهر في حلقهنّ.
وفي أحيان أخرى تضرب الكاهنة المخالفة ويتم إلباسها كفناً أبيض اللون وتوضع داخل قبر وهي لا تزال على القيد الحياة مع شمعة مضاءة وبعض الأكل والماء، وغالباً ما تنتهي عملية التعذيب بالموت.
كانت الكاهنات مقدسات لشكل كبير لدى الرومان والزواج منهنّ قبل انتهاء فترة خدمتهن التي تمتد 30 عاماً من المحرمات، في حين يجب الانحناء أمامهن إذا ما كن يمشين في الشوارع ويصل حدّ تعظيمهن إلى إمكانية طلبهن العفو عن أي شخص محكوم بالإعدام.
وقال إيل جبل أمام مجلس الشيوخ المذهول من قراره إنه لا يوجد شيء أكثر ملاءمة من زواج كاهن من كاهنة، مدعياً أنها فكرة جيدة لأن مثل هذا الزواج سينتج "أطفال مثل الله".
قُتل مع والدته وسُحلوا في شوارع روما
تسبب سلوك الإمبراطور الشاب إيل جبل بإبعاد الناس عنه حتى حرسه الملكي ووالدته وجدته الذين بدأوا بالبحث عن بديل له، وهو ما وجدوه في ابن خالته ألكسندر سيفيروس الذي كان يبلغ من العمر 13 عاماً.
تمكنت الجدة جوليا ميزا من التلاعب بإيل جبل من أجل ترقية ابن خالته ألكسندر لمشاركة الحكم، وما إن حصل هذا حتى شعر إيل جبل أن حرسه باتوا يفضلون ابن خالته عليه فبدأ يندم على قراره.
حاول إيل جبل اغتيال ألكسندر مرات عديدة لكنّها باءت جميعها بالفشل، فلجأ بنشر الشائعات عن اقتراب موت ابن خالته، الأمر الذي دفع الحرس الإمبراطوري إلى طلب رؤيتهما سوية.
امتثل إيل جبل للطلب، واجتماع مع ابن خالته في 11 مارس/آذار 222، لكنّ الحرس الإمبراطوري بايعوا ألكسندر ليصبح الإمبراطور الجديد لروما، واغتالوا مباشرة إيل جبل ووالدته التي كانت تحتضنه بشدة، ثم قطعوا رأسيهما وجردوهما من ملابسهما وسحلوهما في شوارع روما قبل أن يتم الإلقاء بهما في نهر التيبر.
لتنتهي معها قصة أغرب إمبراطور حكم روما، وليتم تنصيب ابن خالته ألكسندر سيفيروس الذي أصبح فيما بعد آخر إمبراطور من السلالة السفرية.