يمكن القول إن الذهب هو السلعة الأكثر قيمةً للجنس البشري، ويمكن كتابة الكثير عن تاريخ هذا المعدن. اللمعان، والجمال، ومقاومة البقع، والقابلية للصهر والتشكيل، والتألق، جعلت الذهب معدناً مفضلاً بين جميع الثقافات البشرية التي عرفته وعثرت عليه. وقليلة هي المعادن التي كان لها مثل هذا التأثير على تاريخ البشرية، فقد ارتبط الذهب بالثروة والمكانة الاجتماعية والجمال والمجد والآلهة والخلود.
لنتعرف أكثر في هذا التقرير على تاريخ الذهب وتطوره عبر العصور.
الحضارات القديمة وحبهم للذهب
منذ الأيام الأولى للجنس البشري، يمكننا أن نرى أدلة على أن الناس يحبون شذرات الذهب الصفراء اللامعة الطبيعية. كان البشر الأوائل، وربما حتى أسلافهم من البشر، قد عثروا على شذرات الذهب في تيارات مياه مختلفة في جميع أنحاء العالم. لا يمكننا أن نقول على وجه اليقين متى اهتم الناس بالذهب لأول مرة، ولكن تم العثور على رقائق الذهب في كهوف العصر الحجري القديم التي يعود تاريخها إلى 40000 سنة قبل الميلاد.
البحث التاريخي عن الذهب
بحلول عام 3000 قبل الميلاد، كان قدماء المصريين مفتونين بالذهب. أدرجوه في أساطيرهم وطالب به الفراعنة وكهنة المعابد. كما قاموا باستخراج هذا المعدن وإنشاء خرائط توضح مناجم الذهب القديمة الخاصة بهم ومكان وجود رواسب الذهب في جميع أنحاء المملكة. تُظهر إحدى خرائط ورق البردي في متحف تورين مناجم الذهب وأماكن عمل المناجم والطرق المؤدية إلى المناجم والجبال الحاملة للذهب، وفقاً لموقع National Geographic.
استغرق التنقيب عن الذهب جهداً كبيراً، ولهذا السبب استخدم الفينيقيون والمصريون والهنود والحثيون والصينيون وغيرهم من الثقافات أسرى الحرب والعبيد والمجرمين للعمل في المناجم. حدث هذا في وقت لم يكن فيه للذهب قيمة نقدية، فقد كان يعتبر مجرد سلعة مرغوبة في حد ذاته.
الذهب كعملة نقدية
يُنسب الفضل أيضاً إلى قدماء المصريين كأول من فرض مكانة أعلى للذهب على الفضة. فقد قام مينا، مؤسس السلالة المصرية الأولى، في عام 3100 قبل الميلاد بتحديد قيمة قطعة واحدة من الذهب بأنها كانت تساوي قطعتين ونصف من الفضة. ومع ذلك، فقد فضل الشعب استخدام المنتجات الزراعية عند المقايضة.
أول حضارة معروفة استخدمت الذهب كعملة هي مملكة ليديا، التي كانت تقع في الجزء الغربي مما يعرف الآن بتركيا. قبل ذلك تم استخدام الذهب أيضاً في نفس المنطقة للمجوهرات وفي الطقوس الدينية ولتعزيز مظهر الأماكن المقدسة وكوسيلة للنخبة من الشعب لإظهار مكانتهم في المجتمع.
حدث أول استخدام للذهب كنقود حوالي 700 قبل الميلاد، عندما أنتج التجار الليديون العملات المعدنية الأولى. كانت هذه مجرد كتل مختومة من خليط ذهب بنسبة 63% و27% من الفضة يُعرف باسم "الإلكتروم". ولا شك أن هذه الوحدة المعيارية للقيمة ساعدت التجار الليديين في نجاحاتهم واسعة النطاق. وبحلول زمن كروسوس ميرمنادي، آخر ملوك ليديا (546 قبل الميلاد)، جمعت ليديا كنزاً ضخماً من الذهب. اليوم، لا يزال بعض الناس يتحدثون عن فاحشي الثراء على أنهم "أثرياء مثل كروسوس".
استخراج الذهب وتشكيله
لطالما كانت المجوهرات والزخرفة من الاستخدامات المفضلة للذهب، ولكن نظراً لأن القطع الذهبية نفسها ليست الشكل الأكثر جاذبية للزينة، فكان على البشر إيجاد طريقة لتشكيله. لحسن الحظ بالنسبة لنا، الذهب هو أسهل المعادن في العمل. أحد الأسباب التي تجعل عمل الذهب أسهل من تصنيع الحديد والنحاس هو أنه يوجد بشكل طبيعي في حالة نقية وقابلة للتطبيق في الغالب، وليس من الضروري استخراج الذهب من أجسام الركاز لصهره. ولكن مع الطلب المرتفع على الذهب على مر العصور، أصبحت الحاجة تتطلب أيضاً استخراجه من الحجر.
بعد الإغريق توسعت الإمبراطورية الرومانية في تعدين الذهب وقاموا بتحويل مجاري المياه لاستخراجه هيدروليكياً. حيث قاموا ببناء فتحات أولية وصنعوا أول طوم طويل وهو عبارة عن حوض يوضع في الماء المتحرك ومجهز بصفيحة مثقبة تمتلئ بالأوساخ أو الرمل لتصفية الذهب بالماء سريع الحركة.
كما قام الرومان باستخراجه من تحت الأرض، واستخدام عجلات المياه في التعدين ، وخامات "محمصة" بالذهب فيها لفصل المعدن الثمين عن الصخر.
ارتفاع أهمية الذهب
كان لدى الإغريق القدماء فكرة مثيرة للاهتمام عن كيفية وجود الذهب. ظنوا أنه مزيج كثيف من الماء وضوء الشمس. لذلك، كانوا ينقبون عن الذهب في جميع أنحاء منطقة البحر الأبيض المتوسط والشرق الأوسط بحلول عام 550 قبل الميلاد واستخدموه للمال وكرمز للمكانة الاجتماعية والزينة الشخصية. بحلول العصر الكلاسيكي، كان لدى الناس أضرحة ذهبية وأصنام وأطباق وأكواب ومزهريات وأوان وجميع أنواع المجوهرات الجميلة والمعقدة.
بحلول هذا الوقت من التاريخ كان للذهب ارتباط بمجد الآلهة الخالدة وأنصاف الآلهة وأيضاً علامة واضحة على الثروة للبشر. في وقت لاحق في جميع أنحاء العالم، استخدم شعب الأزتك وميسكا والإنكا الذهب أيضاً في احتفالاتهم الدينية وفي مواقعهم المقدسة. شوهد هذا النمط في جميع أنحاء العالم مع الأباطرة والكهنة والنخب من الشعب الذين كانوا يحتفظون بالذهب والسلطة.
الطرق الحديثة في استخدام المعدن الثمين
بعيداً عن التزيين والديكور، للذهب استخدامات عملية أيضاً. فقد وجد، على سبيل المثال، طريقه إلى الطب. يوجد في هذه الأيام صنفان من الأدوية الذهبية، أحدهما عن طريق الحقن والآخر يؤخذ عن طريق الفم، ويستخدمان في علاج التهاب المفاصل الروماتويدي. كما تم تضمين جزيئات الذهب النانوية في بعض علاجات السرطان التجريبية.
يعد الذهب أيضاً مادة شائعة في تقنية النانو، وهي معالجة المادة على نطاق ذري وجزيئي وفوق الجزيئي، وهو أمر مفيد في الاستخدامات الطبية الحيوية والإلكترونية البصرية. أظهرت جزيئات الذهب النانوية أنها محفزات فعالة في زيادة معدل التفاعل الكيميائي، وبالتالي تقلل من كمية الطاقة اللازمة لإحداث تغيير كيميائي.
في الثمانينيات استخدم عالم ياباني هذا الجانب من جزيئات الذهب النانوية لأكسدة أول أكسيد الكربون، وهو مادة سامة، إلى ثاني أكسيد الكربون وتطبيق هذا على أنظمة عوادم السيارات، كما جاء في موقع The Conversation.
من المؤكد أن مستقبل الذهب مشرق. ليس فقط لتزيين منازلنا وأجسادنا، ولكن أيضاً لخلق طرق جديدة لعيش حياة أفضل وأكثر صحة وأكثر تقدماً من الناحية التكنولوجية!