لا يرغب الجزائريون أن ينسى أولادهم وأحفادهم التضحيات التي قدمها الأجداد في سبيل الاستقلال عن الاحتلال الفرنسي؛ لذلك يحتفلون في الـ18 من فبراير/شباط كل عام بـ"يوم الشهيد" لاستراجع ذكرى نضال استمر أكثر من قرن وربع ولم ينتهِ إلا بعد أن حملت الجزائر لقب "بلد المليون شهيد".
يوم الشهيد الجزائري
بدأ هذا التقليد منذ عام 1989، بهدف التذكير بالتضحيات التي قدمها الشهداء في سبيل تحرير الجزائر، وبتاريخ نضالهم الطويل الذي امتد لما يزيد على 130 عاماً.
وقد كان الاحتفال الأول بهذا العيد بمبادرة من تنسيقية أبناء الشهداء الجزائريين، ويحتفل بهذا اليوم بتنظيم العديد من التظاهرات.
وبالإضافة إلى مراسيم الترحم على أرواح شهداء ثورة التحرير تتميز التظاهرات بتنظيم معارض للصور وتوزيع هدايا تشجيعية على المتفوقين في مختلف المسابقات التي نظمت بالمناسبة وإطلاق أسماء بعض الشهداء على مؤسسات تربوية وعرض أفلام حول الثورة المسلحة وتكريم عائلات بعض الشهداء.
صفعة بـ"مروحة الداي" كانت ذريعة لاحتلال الجزائر
كانت ذريعة فرنسا لاحتلال الجزائر حادثة أطلق عليها اسم "مروحة الداي".
في عام 1827، كان الداي حسين هو حاكم الجزائر، وفي ذلك الوقت لم تكن البلاد تعيش أفضل أيامها فقد خرجت للتوّ خاسرة من معركة نافارين، التي دارت ما بين الأسطول العثماني ومعه الجزائري والمصري من جهة، وما بين الأساطيل البريطانية والفرنسية والروسية من جهة أخرى.
أسفرت تلك المعركة عن انهيار أسطول الجزائر البحري؛ إذ أصبحت المياه الإقليمية الجزائرية مفتوحة أمام القوات الفرنسية.
وفي نفس العام زار القنصل الفرنسي بيار دوفال قصر الداي وتناقشا بعدة مواضيع منها الديون المستحقة للجزائر لدى فرنسا.
فقد كانت فرنسا مدينة للجزائر بمساعدات قدمتها الأخيرة أثناء الحصار الذي فُرض على فرنسا إبان الثورة الفرنسية.
وعندما سأل الداي القنصل عن موعد سداد فرنسا للديون رد القنصل بشكل غير لائق، مما دفع الداي حسين لضربه على وجهه بمروحة كان يحملها في يده.
اعتبرت فرنسا تلك الحادثة إهانة كبيرة وقررت الرد عليها بإعلان الحرب على الجزائر، لكن في الحقيقة كانت فرنسا تفكر في احتلال الجزائر قبل حادثة المروحة بكثير لأسباب أبرزها موقع الجزائر على البحر المتوسط والاستفادة من خيرات البلد، واستعادة فرنسا لهيبتها كقوة استعمارية.
ومع حلول عام 1830 كانت فرنسا قد أحكمت قبضتها على البلاد لتبدأ سلسلة من النضال الجزائري الذي لم ينتهِ إلا بانتهاء الاحتلال بعد ما يزيد على 130 عاماً.
نضال استمر أكثر من قرن وربع
وصف الاحتلال الفرنسي للجزائر على أنه واحد من أطول الاحتلالات وأكثرها بشاعة في التاريخ الحديث، فلم تكتفِ فرنسا بالاحتلال العسكري للبلاد إنما اتبعت سياسة إبادة جماعية ممنهجة فضلاً عن تدمير منازل الجزائريين واغتصاب أراضيهم وتهجيرهم ومحو ثقافتهم العربية والإسلامية من خلال محاربة اللغة العربية واستبدالها بالفرنسية وتحويل أغلب من المساجد إلى كنائس وثكنات وإسطبلات، وتشجيع البعثات التبشيرية للانتشار في البلاد.
كل ذلك دفع الجزائريين إلى القيام بالعديد من الثورات التي كان أولها ثورة عبدالقادر بن محيي الدين عام 1832، والذي أعيا القوات الفرنسية إلى أن سقط في الأسر عام 1847.
ومنذ ثورة ابن محيي الدين لم تهدأ حركات المقاومة في الجزائر، فتبعتها مقاومة أحمد باي في منطقة قسنطينة عام 1837، وثورة محمد بومعزة عام 1854، ومقاومة الخليفة أحمد بن سالم في الأغواط، وثورة الزعاطشة عام 1848، وغيرها الكثير من الثورات التي استمرت حتى نهاية القرن التاسع عشر.
وبالرغم من عدم التكافؤ في العدة والعتاد، استطاعت تلك الثورات أن تشكل مصدر تهديد دائماً للفرنسيين الذين واجهوها بشراسة ووحشية مزهقين أرواح العديد من الجزائريين الثوار منهم والمدنيون.
حرب التحرير الجزائرية
لم تنل الجزائر استقلالها إلا بعد 132 عاماً من الاحتلال، وتحديداً في عام 1962 حيث تم توقيع مرسوم استقلال الجزائر بعد مضي عام من المفاوضات بين الحكومة الفرنسية وجبهة التحرير الجزائرية وبعد قرابة 8 أعوام من تاريخ اندلاع حرب التحرير الجزائرية.
شارك ما يزيد على 1200 مجاهد جزائري في حرب التحرير التي اندلعت عام 1954، وعلى الرغم من قلة الإمكانات لدى المقاومين الجزائريين، أمام قوة الفرنسيين الكبيرة، فقد استطاعوا بث الرعب في صفوف الفرنسيين واعتمدوا أسلوب حرب الشوارع معتمدين على ما يملكونه من أسلحة و قنابل تقليدية.
ولم تفلح المساعي الفرنسية في إخماد الثورة بالرغم من قيامها بسجن الكثيرين من قيادييها مثل رمضان بن عبدالمالك و أحمد زبانة وباجي مختار وبلقاسم قرين.
وتميزت حرب التحرير بمشاركة عامة الشعب الجزائري، فقد ضغط الجزائريون على الحكومة الفرنسية من خلال تنظيم الإضرابات العمالية والمظاهرات والتأثير على الرأي العام الفرنسي؛ إذ اعترف العديد من المثقفين الفرنسيين بحق الجزائريين في تقرير مصيرهم.
وبعد أعوام مريرة وطويلة من النضال حاز الجزائريون استقلالهم أخيراً، لتعرف الجزائر بعد ذلك بـ"بلد المليون شهيد".
أكذوبة "المليون شهيد"
يجادل عضو مجلس أمناء الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، د. محمد صغير، بأن رقم "المليون شهيد" يحجم من عطاءات الجزائريين على مدار أكثر من قرن وربع قرن من الاحتلال، ويقول إن الرقم تجاوز المليون بكثير.
لم تستهدف القوات الفرنسية المجاهدين والمناضلين من حملة السلاح فقط، بل شملت عمليات الإبادة الجماعية النساء والأطفال وكبار السن كذلك.
وهناك العديد من المجازر المريعة التي تشهد على تضحية الجزائريين ووحشية الاستعمار، منها على سبيل المثال لا الحصر المجازر التي وقعت بمدينة سطيف وقالمة وخَرَاطَة عام 1945 والتي راح ضحيتها أكثر من 45 ألف شهيد دفعة واحدة.
وخلال حرب التحرير وحدها التي امتدت من عام 1954 حتى 1962، قتلت فرنسا قرابة مليون و500 ألف شهيد.
وفي حين يعرف الجزائر اليوم ببلد المليون شهيد، إلا أنه قدم خلال تاريخ نضاله الطويل ما يقرب من 7 ملايين شهيد، وقد وثق هذا الرقمَ عددٌ من المؤرخين الفرنسيين منهم المؤرخ الشيوعي جاك جورك، ومن المؤرخين العرب منهم الدكتور محمد لحسن زغيدي.