لا شكّ أنّ الموت هو أحد القواسم المشتركة للجنس البشري، لكن الطرق التي تتم فيها طقوس دفن الموتى تختلف من مكان لآخر.
من إطعام الجثث للنسور والطيور الجارحة، مروراً بتحنيطها والرقص معها، حتى تعليقها على المنحدرات، إليكم 8 من أكثر الطرق المثيرة للاهتمام التي تتعامل بها الثقافات حول العالم مع الموت.
شعب التيبت يطعم جثثه للنسور
منذ القدم يقوم الشعب التيبتي بوضع جثث المتوفين على القمم العالية في جبال الهيمالايا بدلاً من دفنها وذلك حتى تأكلها النسور والطيور الجارحة الأخرى، وفقاً لما ذكره موقع Matador الإسباني.
قد يبدو الأمر مروعاً لنا ولكنها ليست كذلك للشعب التيبتي الذي يتألف غالبيته من البوذيين المؤمنين بفكرة تناسخ الأرواح، وبالتالي فالجثث لديهم لا قيمة لها، كما أنّ وضعها على القمم العالية له دلالة رمزية بوذية على عدم استدامة الحياة.
ومن المثير للاهتمام أنه إذا أكلت النسور الجثث بشكل كامل فذلك يعتبر علامة جيدة على أنّ الإنسان المتوفى كان شخصاً جيداً، وأن النسور لن تأكل جثة الشخص الذي ارتكب أعمالاً شريرة خلال حياته.
ويعيش شعب التيبت الذي يبلغ تعداده نحو 7 ملايين نسمة في منطقة التيبت ذاتية الحكم في جنوب شرق الصين، ويعتبر من الأقليات العرقية الأكثر شهرة وغموضاً، إذ يعيشون على قمم جبال الهيمالايا، وفقاً لما ذكره موقعChina Highlights.
كما كان لأسلاف التيبت إمبراطورية قوية منذ حوالي 1400 عام قبل أن تضمها الإمبراطورية الصينية إلى سيطرتها.
وضع الجثث على أبراج الصمت الإيرانية
رغم بعض الاختلافات البسيطة، فإن مفهوم الدفن في السماء لا يقتصر على البوذيين التيبتيين فقط، وإنما هو تقليد زرادشتي رئيسي بحيث يقوم الأتباع بوضع جثث موتاهم فوق "برج الصمت" المصمم لهذا الغرض، وهو معروف أيضاً باسم "الدخما".
في العقيدة الزرادشتية ينظر إلى الموت على أنه شر، ويُنظر إلى تلويث الأرض النقية بالجثث التي ستتحلل على أنه تدنيس.
لذلك يقوم الزرداشتيون في إيران بتعريض الجثث للعوامل الجوية وتترك لتأكلها الطيور الجارحة.
وُلدت الزرادشتية في إيران القديمة منذ حوالي 3500 عام ولا يزال من الممكن رؤية أبراج الصمت وهي تنتشر في المناظر الطبيعية للبلاد – لا سيما في المنطقة المحيطة بمدينة يزد التاريخية.
في سبعينيات القرن الماضي تم حظر استخدام هذه الأبراج في إيران، على الرغم من استمرارها حتى يومنا هذا، ولكن يمكن رؤيتها بأعداد متزايدة في مدينة مومباي الهندية، وهي مركز آخر للزرادشتية.
حرق جثث الموتى في محارق فاراناسي الهندية
تقع مدينة فاراناسي على ضفاف نهر الغانج في ولاية أوتار براديش في الهند، وهي منطقة تجتذب الكثير من الزوار سنوياً سواء من الحجاج الهندوس أو السياح من جميع أنحاء العالم.
تعتبر مناطق حرق الجثث المترامية الأطراف على ضفاف النهر من الأعمال التجارية الكبيرة لفاراناسي.
الجديد هنا ليس فكرة الحرق المنتشرة بكثرة، وإنما قصد مدينة فاراناسي بالتحديد؛ إذ يعتقد الهندوس أنّ أولئك الذين تم حرقهم في المدينة المقدسة سيتم تحريرهم من دورة الحياة والموت والتناسخ.
في الواقع الطلب مرتفع للغاية لدرجة أن فاراناسي هي المدينة الوحيدة في الهند التي تحترق فيها محارق الدفن 24 ساعة في اليوم وطوال 7 أيام في الأسبوع، في المتوسط يتم حرق ما يقرب من 200 جثة كل يوم داخل المدينة.
ومن طقوس هذه العملية يقوم أفراد الأسرة الذكور أولاً بنقل الجثث مغطاة بأقمشة ملونة إلى نهر الغانج على نقالة من الخيزران لتغمر لفترة وجيزة في مياه النهر.
بعد ذلك تترك الجثة لتجف قبل نقلها إلى حفرة مشتعلة تتم تغطيتها بخشب المانجو أو خشب الصندل مع إضافة بعض أنواع البخور لأجل إخفاء أي رائحة لحرق الشعر أو اللحم.
أخيراً يتم جمع الرماد والبقايا الأخرى التي لن تذوب في الحرارة ويتم نثرها داخل النهر.
نثر الرماد في الحدائق والبحر في هونغ كونغ
قبل هدمه في تسعينيات القرن الماضي كان الحي القديم في هونغ كونغ في كولون وولد سيتي، عبارة عن أبراج مترابطة تتحدى قوانين الفيزياء بسبب اكتظاظها بالشقق الصغيرة، والسبب هو أنّ هونغ كونغ هي من أكثر الأماكن كثافة سكانية على وجه الأرض وأكثر بـ 119 مرة من كثافة نيويورك.
بعد معرفة هذه المعلومات لن يكون مستغرباً عندما تعلمون بأن أسعار قطع الأراضي المخصصة للدفن مرتفعة، قد تصل تكلفتها أحياناً من 380 ألفاً حتى 640 ألف دولار.
لذلك ومن بين 48 ألف شخص يموتون في هونغ كونغ كل عام يتم حرق 90% منهم.
ليس ذلك وحسب بل حتى إنّ إيجاد مكان بسيط لتخزين جرة الرماد الخاصة بالمتوفى قد تتركك على قائمة انتظار دورك مدة 7 سنوات مع مبلغ خيالي أيضاً.
ومما زاد الطين بلة بالنسبة لشعب كونغ كونغ فإن فكرة أخذ الجرة إلى المنزل (الجمع بين عوالم الأحياء والأموات) من المحرمات.
لذلك بدأت حكومة هونغ كونغ في الترويج لـ "المدافن الخضراء" وهي نثر رماد الموتى في 11 حديقة مخصصة لذلك إضافة إلى السماح بنثرها في 3 مناطق محددة في البحر.
الرقص مع الموتى في مدغشقر
في مدغشقر ثاني أكبر دولة جزرية في العالم يستمر الموتى في لعب دور مهم في الحياة الأسرية حتى بعد دفنهم، وذلك بفضل احتفال يسمى فاماديهانا أو تقليب العظام.
في طقوس مقدسة وغريبة من نوعها تجتمع عائلات قبيلة إفريقية تدعى "ميرينا" كل 5 إلى 7 سنوات، من أجل استخراج الجثث بحيث يقوم أفراد الأسرة بتجريدهم بعناية من ثياب الدفن ولفّهم بأكفان جديدة، وبعد ذلك يشرب الضيوف ويتحدثون ويرقصون مع الراحل.
قبل غروب الشمس مباشرة يعاد دفن الجثث، وينظر إلى المناسبة على أنها "سعيدة" وتنبع من الاعتقاد بأن الموتى ينتقلون إلى الحياة التالية فقط بعد أن تتحلل عظامهم تماماً.
ووفق موقع The Culture Trip، فإن الظاهرة دخلت إلى مدغشقر في القرن الـ17، لكنها لم تكن تجري بشكل كبير حتى استعادت شعبيتها في عشرينيات القرن الماضي، عندما استعادت القبيلة رفات العديد من مقاتليها الذين قتلوا في أماكن بعيدة.
توابيت غانا الخيالية
في ثقافة الشعب الغاني يُعتقد أن الموتى أقوى بكثير من الأحياء، ولديهم القدرة على التأثير على أقاربهم، لذلك تبذل العائلات كل ما في وسعها للتأكد من أن المتوفى سيكون متعاطفاً معهم بدلاً من الانتقام.
بالإضافة إلى ذلك، يقال إن الموتى يواصلون حياتهم المهنية في الآخرة ويجب دفنهم في شيء يمثل وظيفتهم.
لذلك تكلف العائلات المصنّعين المتخصصين بإنشاء توابيت متقنة تُعرف باسم "توابيت الخيال" بأشكال وأحجام مختلفة تتنوع من بين الأحذية الرياضية إلى القوارب إلى زجاجات كوكاكولا.
وقد حظي هذا التقليد باهتمام دولي، حيث ورد أن أمثال الأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفي أنان والرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون زارا ورشة عمل صانع التوابيت الخيالي في غانا وصنعا تابوتين خاصين لهما.
توابيت شعب إيغوروت المُعلقة في الفلبين
ينحدر شعب إيغوروت من المقاطعات الشمالية لجزيرة لوزون في الفلبين ويمارس تقليداً جنائزياً قديماً، بحيث يقوم فيه كبار السن بنحت توابيتهم الخاصة، والتي يتم ربطها بعد ذلك أو تثبيتها على جانب منحدر عندما يموتون.
ويُعتقد أن هذا التقليد يعود إلى قبل نحو 2000 عام ويقال إنه يقلل المسافة بين المتوفين وأرواح أسلافهم.
قبل أن توضع الجثة في التابوت يتم إجلاسها على "كرسي الموت" وهي مغلفة بأوراق الشجر والكروم ثم تغطى ببطانية.
يتم بعد ذلك تدخين الجثة لمنع التحلل السريع مما يسمح للأقارب بالتعبير عن احترامهم لها على مدى عدة أيام.
وقبل أن يتم رفع النعش أعلى الجرف إلى مثواه الأخير، يقوم الأشخاص المعزون بالسماح لسوائل الجسد المتعفن بالتنقيط عليهم اعتقاداً منهم أنها ستجلب لهم الحظ السعيد.
التحنيط في بابوا غينيا الجديدة
في مصر ماتت عادة تحنيط الجثث بين القرنين الرابع والسابع بعد الميلاد لكن التقليد القديم ما زال على قيد الحياة بين شعب الأنجا في بابوا غينيا الجديدة.
من خلال تحنيط رفاتهم يمكن تذكر الموتى بسهولة أكبر مما لو دفنوا تحت الأرض، وبالتالي بإمكانهم الاستمرار في حماية عائلاتهم بعد الموت حسب اعتقادهم.
على الرغم من أن التحنيط أقل انتشاراً الآن مما كان عليه قبل وصول المبشرين المسيحيين في منتصف القرن العشرين، فإن التحنيط لا يزال يحدث في مقاطعة موروب الجبلية النائية.
كما أنّ عملية التحنيط تختلف اختلافاً كبيراً عن التقنيات المصرية، إذ تتضمن العملية تدخين الجثة فوق ألسنة اللهب لمدة 3 أشهر لمنع تحللها.
وعندما تنتفخ الجثة يتم وخزها بالعصي لتصريف السوائل، كما لا يسمح لأي جزء من الجسم – بما في ذلك السوائل والأعضاء الداخلية – بلمس الأرض.