بينما يواجه الرئيس السابق دونالد ترامب مساءلة قانونية في فبراير/شباط 2021، وهي المرة الأولى التي يحاكَم فيها رئيس أمريكي مرتين بتهمة ارتكاب "جرائم كبيرة وجنح"، فإن هذه المساءلة تحت عنوان "العزل" ستتم بعد انتهاء ولايته وبداية ولاية الرئيس الجديد جو بايدن.
وقرار "عزل رئيس" بعد انتهاء ولايته قد يفتح الباب لعزل رؤساء سابقين -أو ربما أموات- حسبما حذَّر السيناتور الجمهوري ليندسي لوهان، وهي سابقة تاريخية في الولايات المتحدة الأمريكية.
الجواب المنطقي لتساؤله هو أنهم ماتوا ولا يستطيعون الدفاع عن أنفسهم، لكن الموت لم يمنع الكنيسة من محاسبة قائدها السابق حتى بعد 7 أشهر على وفاته!
الموت لم يمنع الكنيسة من محاكمة بابا ميت
إذ كشف تاريخ البابوية في العصور الوسطى المبكرة، أن الموت ليس عائقاً أمام الملاحقة القضائية لسوء السلوك في المناصب العامة.
ومنذ أكثر من 1000 عام، كانت الكنيسة الغربية في أزمة نتيجة نزاع مرير بين روما والقسطنطينية على رئاسة الكنيسة المسيحية.
استقرت موجات المهاجرين في المجر وبلغاريا، مما أدى إلى زيادة التوترات بين القسطنطينية وروما، حيث تنافست العاصمتان من أجل السيادة على التحولات السكانية وتبدل الولاءات.
أثارت هذه الصراعات أسئلة مهمة حول الصفات المطلوبة من قادة العالم المسيحي؛ وهو ما أدى إلى ممارسات كنسية تشبه ما يحصل في العام 2021 مع ترامب (مساءلة وعزل).
تمت هذه الممارسة من قِبل سينودس كنسي عُقد في روما، حيث يمكن محاكمة صاحب أعلى منصب في العالم المسيحي بتهمة التعدي على تقاليد وعادات منصبه.
عُقدت جلسة سينودس في يناير/كانون الثاني 897، للاستماع إلى التهم الموجهة إلى البابا السابق، فرموسوس (البابا من 891 إلى 896)، بحسب ما نشرته موسوعة Britannica.
كانت المشكلة الوحيدة هي أن البابا فورموسوس كان قد مات قبل 7 أشهر بحلول وقت المحاكمة.
لكن البابا الجديد، ستيفن السادس، كان له رأي حازم بمعاقبة صاحب المنصب على تجاوزاته حتى بعد انتهاء ولايته.
وهكذا مضى السينودس قدماً في ظل ظروف أقل ما يقال فيها إنها "مروعة"؛ إذ سحب البابا ستيفن جثة فرموسوس من التابوت وإحضارها إلى كاتدرائية القديس يوحنا في روما للمحاكمة.
كانت الجثة مغطاة بالثياب البابوية وجلست على العرش؛ لمواجهة اتهامات خرق قواعد الكنيسة.
بالقرب من جثة البابا، وقف رجل دين ليجيب باسم البابا فورموسوس.
اتهم ستيفن السادس الجثة بمخالفة قَسم عدم العودة إلى روما، وحصوله بشكل غير قانوني على لقب البابا، لأنه كان بالفعل أسقفاً وقت انتخابه.
ماذا فعل البابا الميت؟
وقعت الجرائم المزعومة قبل فترة طويلة من المحاكمة.
ففي يوليو/تموز من عام 876، تم حرمان فرموسوس كنسياً للتدخل في السياسات الأوروبية، كما مُنع من الاحتفال بالقداس، من قِبل البابا يوحنا الثامن.
ولكن، بعد وفاة يوحنا الثامن، تم سحب عقوبة الحرمان من قِبل خليفته جون مارينوس الأول في عام 878، وعاد فورموسوس إلى وظيفته كأسقف بورتو.
على الرغم من طمس دفاتره، انتُخب فرموسوس البابا في أكتوبر/تشرين الأول 891، وانخرط على الفور في دهاليز السياسة مرة أخرى.
في إيطاليا، شجع فرموسوس التمرد، عبر إقناع أرنولف من كارينثيا بالزحف إلى روما لطرد الإمبراطور الحاكم.
استولى أرنولف على روما بالقوة في 21 فبراير 896، لكن نجاحه لم يدم طويلاً، إذ أصيب بالشلل ولم يتمكن من مواصلة الحملة.
من الجدير ذكره أنه خلال هذه الحقبة، كانت البابوية تنتقل من شخص إلى آخر بمعدل ينذر بالخطر، فقد شهد كل عام تقريباً بين عامي 896 و904 بابا جديداً، وأحياناً اثنين.
ثم خلف البابا بونيفاس السادس -أو ستيفن السادس- فورموسوس، الذي توفي بعد أسبوعين.
كان ستيفن السادس من مؤيدي فرموسوس في حياته، لكن ولاءه انقلب وتحالف مع عائلة سوبليتو النافذة في روما.
أعلن البابا سيتفن أن فرموسوس مذنب على أساس أنه لم يكن من الممكن أن يحصل على اللقب البابوي بشكل قانوني، لأنه كان أسقفاً.
كما ألغيت جميع إجراءاته وقراراته القانونية، وأعلن بطلان جميع الأوامر الكهنوتية التي أصدرها، بحسب ما نشره موقع Ripelys.
مزقوا ثيابه البابوية عن جسده، وقطعوا أصابعه الثلاث من يده اليمنى التي استخدمها في طقوس القداس، ودُفنت الجثة في مقبرة الغرباء، ثم تمت إزالتها بعد أيام من القبر وإلقاؤها في نهر التيبر.
على الأرجح لن يلاقي ترامب مصيراً مروعاً مثل فورموسوس، ولكن قد يشهد بطلان جميع قراراته، ولعل منع حساباته على مواقع التواصل الاجتماعي أقرب ما يكون إلى قطع أصابع البابا، محور هذه القصة!