يحتفلُ الشعب الأمازيغي الذي يعيش معظمهُ في دول شمال إفريقيا بذكرى رأس السنة الأمازيغية، التي تصادف الــ12 من يناير/كانون الثاني من كل عام، ففي الوقت الذي بات العالم يعيش في العام 2021 في التقويم الميلادي، فإن الأمازيغ قد وصلوا إلى عامهم الـ2971 في تقويمهم.
رأس السنة الأمازيغية
يعتبر التقويم الأمازيغي تقويماً زراعياً في الأساس، إذ كان يعتمد على الفصول والمهام الزراعية في حساب الأيام والأشهر، وهو مستوحى من تقويم الشمس اليولياني الذي كان يستخدم في أوروبا، وفقاً لما ذكره موقعOffice Holidays.
ويقال إنّ السبب وراء تأخر بدء العام الجديد حتى 12 يناير/كانون الثاني بدلاً من الأول منه هو أنه أثناء تغيير الحسابات من التقويم اليولياني إلى التقويم الغريغوري قد ضاع 12 يوماً، ولذلك بدأ العام الجديد في اليوم الـ 13، في حين يسمى الشهر الأول في التقويم الأمازيغي ينّاير بتشديد حرف النون.
وتعرف ليلة رأس السنة باسم "ثابورث أسغاس"، أي "باب السنة" لدى القبائل الأمازيغية التي تعيش في الجزائر، وتسمّى أيضاً باسم "عيد الصقّاس" لدى قبائل المغرب الأمازيغ.
في الآونة الأخيرة اكتسب الاحتفال بيناير أهمية إضافية كوسيلة للحفاظ على الهوية الثقافية الأمازيغية.
أسطورة رأس السنة الأمازيغية
يقول بعض المؤرخين إنّ تاريخ بدء التقويم الأمازيغي يعود إلى اليوم الذي هزم فيه الملك الأمازيغي شيشنق الأول، الفرعون المصري رمسيس الثالث، وذلك في العام 950 قبل الميلاد، وذلك بعد معركة طويلة يعتقد أنها دارت في مدينة تلمسان الجزائرية، واستطاع شيشنق بعد انتصاره تأسيس نظام ملكي يحكم من ليبيا حتى مصر، وفقاً لما ذكره موقع Middle East Eye.
سابقاً لم يكن يتم حساب السنوات الأمازيغية حتى ستينيات القرن الماضي عندما قررت "أكاديمية بربر"، وهي جمعية ثقافية أمازيغية مقرها في باريس، بدء عدّ السنوات الأمازيغية اعتباراً من عام 950 قبل الميلاد ليتناسب مع صعود شيشنق على عرش مصر.
وكان شيشنق أمازيغياً من أصل ليبي، وهو الآن أحد أبرز الشخصيات الأمازيغية في تاريخ شمال إفريقيا القديم ورمز للقوة.
احتفالات يناير وعلاقتها بالمرأة العجوز العنيدة
خلافًا للاعتقاد السائد، فإن الاحتفالات الأمازيغية التي تجري في ينّاير غير مرتبطة بالملك شيشنق، إذ يعتقد الأمازيغ أنّ تقاليد الاحتفالات قد سبقت الملك بفترة طويلة، ومن المستحيل تحديد موعد دقيق.
لذلك تنتشر الكثير من الأساطير والروايات حول مناسبة تلك الاحتفالات، وتحكي إحداها حسب المعتقدات الميثولوجية الأمازيغية أنّه كان هناك امرأة عجوز عنيدة استهانت بقوى الطبيعة وخرجت رفقة عنزتها لتجول بين الحقول في اليوم الأخير من شهر يناير لتتحدى برده وثلوجه.
فشعر شهر يناير بالإهانة من وقاحة المرأة العجوز، فطلب من شهر فبراير أن يقرضه يوماً إضافياً، ليجبر المرأة العجوز على النوم في الحقل البارد والمثلج كعقوبة لها.
ومن هنا جاء التناقص بين عدد أيام يناير/كانون الثاني (31)، وأيام فبراير/شباط (28) بحسب اعتقاد الأمازيغ.
عادات وتقاليد الاحتفالات في رأس السنة الأمازيغية
أصبحت احتفالات ينّاير تحظى بالاعتراف على نطاق واسع مع اهتمام المزيد من سكان شمال إفريقيا بالثقافة الأمازيغية وأصولها.
وتتمحور هذه الاحتفالات حول التجمعات العائلية والاستمتاع بالموسيقى المبهجة، خاصة موسيقى الراحل إيدير.
في حين تستعد معظم العائلات لهذا اليوم من خلال إعداد وليمة من الأطعمة التقليدية، كما أصبح من المعتاد ارتداء الأزياء والمجوهرات الأمازيغية التقليدية، خاصة لهذه المناسبة.
ورغم ذلك فإن هناك العديد من العادات المميزة الأخرى التي تختلف بين الأمازيغ من منطقة لأخرى.
فمثلاً تخرج النساء الأمازيغيات في ليبيا، لاسيما منطقة جبل نفوسة وبعض مناطق الجزائر في يوم رأس السنة من أجل جمع الأعشاب والنباتات وتعليقها على أسقف منازلهن أو رميها على الأسطح، ويعتقد أنّ هذه العملية ستجلب للسكان عاماً وفيراً بالمحاصيل الزراعية.
وفي الجزائر يقوم كبير العائلة، الذي يشترط أن يكون مواظباً على الصلاة بذبح ديك بلدي، ويتعمد أن تصل دماؤه إلى أنحاء المنزل، بغية طرد الأرواح الشريرة، وفقاً لما ذكرته صحيفة "العربي الجديد".
كرنفال إيراد الأمازيغي
ومن المتعارف عليه لدى الأمازيغ أيضاً الاحتفال بكرنفال إيراد، أو كما يُعرف باللغة العربية "كرنفال الأسد"، والذي يشهد العديد من الفعاليات المميزة، لاسيما ارتداء الأهالي أقنعة غريبة وبعض جلود الماعز والأبقار، والتجول فيها بين أحياء المدينة على إيقاعات الطبول والموسيقى والأهازيج.
وأيضاً قيام أشخاص بارتداء ملابس مصنوعة من الجلود وأغصان الأشجار، وأداء تمثيلية بسيطة حول لبؤة حامل تقوم بوضع صغيرها تحت رعاية الأسد تعبيراً عن تجدد الحياة.
ومن بين فعاليات الكرنفال أيضاً فقرات تحمل معاني إنسانية، إذ يتم خلال سير الموكب توزيع بعض الأغذية والتبرعات على الفقراء في المدينة.
وبعد العودة إلى المنازل تتميز الأجواء بالكثير من الفرح والضحك من خلال القيام ببعض الألعاب، مثل لعبة "أغرمي" التي تقوم خلالها إحدى النساء بإخفاء "بذرة تمرة" داخل عصيدة الطعام قبل تقديمها، من يجدها سيكون "أسعدي ناكاس"، أي الشخص المحظوظ في العام الجديد.
وأيضاً القيام بوضع أصغر طفل في العائلة وسط صينية كبيرة يدورون حولها ويرمون عليه "التراز"، وهي نوع من أنواع الشوكولا، اعتقاداً منهم أنّ الحلويات ستزيد من رزق الطفل عندما يكبر.
المأكولات الشعبية لدى الأمازيغ في رأس السنة
كما هو الحال مع معظم الاحتفالات المغاربيّة، يظلّ الكسكس هو الطبق المحوري في احتفالات يناير لدى الأمازيغ، وويتم سقيه بالحليب عوضاً عن المرق، اعتقاداً بأنه سيجلب سنة صافية لهم، ويتم تزيين الطبق أخيراً بالبيض واللوز والتمر وبعض الفواكه المجففة.
وأيضاً يعتبر طبق تاجولا من بين الأطباق الأساسية التي يتم تناولها في هذه الليلة، ويصنع من الذرة والزبدة والسمنة وزيت الأركان والعسل، ولا تقل أهميته أيضاً عن حساء أركمن، المصنوع من الفول والقمح وفقاً لموقع Morocco World News.
ومن بين الأطباق الأخرى التي يتم تحضيرها في هذا اليوم: "التاكلا، الشرشم، الشخشوخة، الرفيس، العصيدة، والخبز بالأعشاب".
ولا يقتصر تحضير الطعام في هذه الليلة السعيدة للعائلة والأقارب وحسب، بل أيضاً للحيوانات، إذ غالباً ما يتم رمي فتات الخبز في زوايا المنزل من أجل إطعام الحشرات، سيما النمل، وأيضاً خارج المنزل للحيوانات الأليفة، وهي عادة تهدف إلى جلب الحظ الحَسَن.