قلة افترضوا في نهاية عام 2019 أن العام المقبل سيكون أكثر فظاعة من العام الماضي، لكن 2019 حمل هدية واحدة أخيرة للبشرية: 31 ديسمبر/كانون الأول كان اليوم الذي أكدت فيه السلطات في ووهان بالصين أنها تعالج عشرات الحالات من مرض غير معروف، ثم خرجت الأمور عن السيطرة ولم تعد.
كيف سيرى المؤرخون 2020?
2020 عام الخسائر بامتياز: إصابات ووفيات بالملايين، إغلاقات عامة، خسارة الوظائف بالجملة وازدياد الفروق بين الثري والغني، ما انعكس سلباً على الأطفال والنساء، نتيجة الحالة النفسية المتدهورة لجميع سكان الأرض شباباً وشيباً.
جمع المعلومات حتى من وسائل التواصل الاجتماعي
تسارع الجامعات وإدارات المحفوظات والجمعيات التاريخية لجمع الروايات الشخصية عن الكيفية التي يواجه بها الناس أزمة الصحة العامة المترامية الأطراف، فضلاً عن التاريخ الشفهي بالصوت والفيديو، وعلى وسائل التواصل الاجتماعي، بحسب ما نشرته صحيفة New York Times.
ستوثق القصص المرض والموت والاضطراب العميق للحياة اليومية، والذي تجلى في الرفوف الفارغة والشوارع، كما سيروي الطرق التي أظهر بها الناس المرونة وتمكنوا من العثور على الفرح في أبسط الأشياء.
على سبيل المثال، نشر المتحف الوطني للتاريخ الأمريكي التابع لمؤسسة سميثسونيان فريق عمل لجمع الاستجابة السريعة لتأريخ الجائحة. وقالت إدارة المتحف في بيان: "يعمل موظفو المتحف على صياغة خطة تحقق التوازن بين الحاجة المُلحَّة لتوثيق جوانب نقاط التحول التاريخية عند حدوثها، والحاجة إلى تقديم منظور تاريخي طويل المدى".
مخاوف من إغفال أحداث سياسية خطيرة
تتوقع مجلة History Today أن تحفل مدونات عام 2020 بتداعيات أزمة كورونا من إدارة أزمتها في شتى أنحاء العالم، على ضحاياها البشرية والخسائر الاقتصادية التي وسَّعت الفجوة أكبر مما هي عليه أصلاً، بين الدول الغنية والفقيرة وبين الغني والفقير داخل الدولة نفسها.
وحذَّرت المجلة في المقابل، من أن يفوت مؤرخي المستقبل تدوينُ ما سهَّله فيروس كورونا بعيداً عن الأضواء؛ عدوى من نوع آخر، أو ما يسميه الخبير الاقتصادي أمارتيا سين "جائحة الاستبداد".
حتى من خلال آليات الديمقراطية، تسبب إدارة أزمة كورونا في تصاعد الاستبداد والشعبوية والاعتقالات بحق ناشطين ومواطنين لم تستحوذ أخبارهم على الاهتمام في ظل الجائحة التي اكتسحت العالم كموجة تسونامي لا يمكن إيقافها.
على سبيل المثال، أعيد انتخاب الرئيس البولندي أندريه دودا، الذي يعارض حريات الصحافة ويسعى إلى إصلاح القضاء بطرق يخشاها البعض أن تقوض سيادة القانون.
في فنزويلا، تشير تقارير حقوق الإنسان إلى أن حكومة الرئيس مادورو زادت بشكل كبير من عدد حالات "الاختفاء القسري" والقتل خارج نطاق القضاء.
في زيمبابوي، تم القبض على أكثر من 100 ألف شخص منذ مارس/آذار 2020؛ لانتهاكهم قيود كوفيد.
في الهند- التي عانت من إفقار غير عادي في مواجهة كورونا ونظام الرعاية الصحية الذي وصل إلى حافة الانهيار- تمارس حكومة حزب بهاراتيا جاناتا القومية الهندوسية "الاحتجاز الوقائي" للسياسيين المعارضين وتقييداً لحقوق المسلمين.
وفي نيجيريا، كانت هناك احتجاجات حاشدة ضد وحشية الشرطة.
وفي الصين، واجه شعب الإيغور العمل القسري لمواصلة الإنتاج خلال الوباء، بينما انتهى استقلال هونغ كونغ والنقاد – مثل رن تشيجيانغ، الذي سخِر من تعامل الرئيس شي جين بينغ مع الأزمة، أو شو زانغرون، الذي كان ينتقد إلغاء حدود الفترة الرئاسية – تم القبض عليهما.
تحولات جذرية في الشرق الأوسط
في مقابل هذه الإجراءات، كان الشرق الأوسط يشهد تحولات جذرية على صعيد اتفاقيات السلام مع إسرائيل، إذ شهد الربع الأخير من العام توقيع 4 دول عربية اتفاقية سلام واتفاقيات أخرى تسهل التطبيع والعلاقات الثنائية بين كل دولة منها وإسرائيل سواء رسمياً أو شعبياً.
والتغير المناخي لا رادع له
وربما سيتطرق المؤرخون إلى التحولات البيئية التي لم يستطع أحدٌ إيقافها، ومنها على سبيل المثال تحطُّم آخر جرف جليدي سليم في القطب الشمالي الكندي، وهو بحجم مدينة مانهاتن الأمريكية، بينما كان العالم مشغولاً بإنقاذ حياة البشر من فيروس كورونا.
فضلاً عن موجة الحر في سيبيريا، التي وصلت إلى درجات حرارة لم يتوقعها العلماء حتى عام 2100، عندما لحقها ضرر لا يمكن إصلاحه، علماً أن العام نفسه بدأ بحرائق في أستراليا ثم في كاليفورنيا تسببت بفظائع بشرية ومادية وبيئية.
كانت الآمال معلَّقة كثيراً بتحولات تكنولوجية وقفزات ثورة في عام 2020، أهمها التطور التقني في مجال استكشاف الفضاء، لكن الجائحة قلبت كل الموازين وركزت الأنظار على الأساسيات فقط، الصحة الجيدة والسلامة من العدوى.