غالباً ما تُعتبر المجاعة واحدة من أسوأ الكوارث الطبيعية على وجه الأرض، فالزلازل والفيضانات مثلاً بإمكانها أنّ تدمر مدناً وبلدات بأكملها في غضون ساعات قليلة، أمّا المجاعة فتتميز بالموت البطيء والمؤلم وغالباً ما تصيب الأطفال وكبار السن، وكل ذلك عدا عن آثارها واسعة الانتشار وضررها الذي يمكن أن يستمر لأشهر أو سنوات.
كيف تحدث المجاعة، أين حصلت أكبر المجاعات في التاريخ، وهل حصلت في دول عربية؟
ما هي المجاعة وكيف تحدث؟
المجاعة هي حالة تحدث في منطقة فيها أعداد كبيرة من الناس في بلد أو منطقة لديها القليل من الإمدادات الغذائية الكافية أو منعدمة.
ويعتقد الكثير من الناس أن المجاعات تحدث فقط نتيجة نقص في الغذاء الناتج عن نقص الإنتاج ولكنها أيضاً تحدث نتيجة أسباب أخرى كثيرة.
أسباب طبيعية
ووفق National Geographic فإن المجاعات تحدث نتيجة كارثة طبيعية مثل الجفاف لفترات طويلة أو الفيضانات التي تدمر المحاصيل أو البرودة الشديدة أو الأعاصير أو تفشي الحشرات أو الأمراض التي تصيب النباتات.
وترتبط هذه الأسباب بقرارات الحكومة بشأن كيفية الاستجابة للكارثة فاتخاذ قرارات صحيحة قد يجنِّب البلاد دخول المجاعة.
أما اتخاذ قرارات سيئة فقد يضخم من عواقب المجاعة مثلما فعلت كوريا الشمالية في تسعينيات القرن الماضي عندما أدى سوء إدارة الحكومة للإمدادات الغذائية وسياسة الحصص غير العادلة إلى مجاعة أودت بحياة أكثر من مليوني شخص وفقاً لبعض التقديرات.
أسباب بشرية
أما الأسباب الأخرى التي قد تؤدي للمجاعة فهي أحداث بشرية مثل الحروب التي تتسبب بإتلاف المحاصيل إما عن قصد أو نتيجة للقتال، بالإضافة إلى ذلك يتم قطع خطوط الإمداد والطرق، ولا يمكن توزيع الطعام أو قد يتم منعه من التوزيع من قبل المقاتلين.
التجويع القسري لأسباب سياسية هو سبب آخر للمجاعة، على سبيل المثال في الاتحاد السوفييتي في ثلاثينيات القرن الماضي مات ملايين الفلاحين نتيجة لسياسات جوزيف ستالين الزراعية التي تطلبت توفير حصة من الحبوب للحكومة قبل أن يتمكن من زرعوها من استهلاك أي حبة.
وأي شخص يتم القبض عليه ينتهك السياسة قد يتعرض لعقوبة الإعدام.
مجاعات تعرضت لها دول عربية
قبل أن نتعرف على أسوأ المجاعات التي ضربت في العالم في التاريخ دعونا أولاً نتعرف على المجاعات التي ضربت بعض البلدان في الوطن العربي.
مجاعة الشام 1915
ضربت مجاعة الشام مناطق واسعة من سوريا التي كانت تشمل ولاية حلب وولاية بيروت ومتصرفية جبل لبنان وذلك أثناء الحرب العالمية الأولى في العام 1915.
وأصابت المجاعة هذه المناطق بسبب مصادرة الأملاك والمحاصيل من قبل الحكومة من أجل خدمة المجهود الحربي، وأيضاً فرار الكثير من المزارعين الشباب من أراضيهم هرباً من أداء الخدمة العسكرية خلال الحرب، إضافة إلى ظهور أسراب كبيرة من الجراد يقال إنها غطّت قرص الشمس.
كل تلك العوامل تسببت بوفاة الكثير من السكان، إذ يعتقد أن في مدينة حلب لوحدها توفي ما بين 60 إلى 80 ألف شخص، أما جبل لبنان فيعتقد أن ثلث سكانه قد توفوا.
مجاعة المغرب "عام البون" 1944
مجاعة المغرب أو كما تسمى بعام البون بدأت في العام 1944 وانتهت في العام 1945 وتسببت بوفاة نحو 50 ألف شخص بحسب تقرير لإدارة الصحة العمومية الفرنسية آنذاك.
وبدأت فترة المجاعة في المغرب بالتزامن مع الاحتلال الفرنسي الذي فرض نظام الحماية على البلاد وأيضاً عندما تعرضت المنطقة إلى جفاف كبير نتيجة غياب الأمطار لسنوات عديدة فتسبب ذلك بقلة المواد الأساسية مثل القمح والشعير والشاي والخضار والفواكه.
ولكن ما ساهم في زيادة عواقب المجاعة كان الإجراءات التي فرضتها حكومة الحماية الفرنسية مسبقاً على بيع وشراء المواد الغذائية الأساسية.
إذ قاموا قبل بدء المجاعة بتوزيع ورقة على سكان المغرب تدعى
"Bon" أي "صالح لي" باللغة العربية من أجل شراء الأغذية، وذلك من أجل تخفيف ما يستهلكه الناس من أغذية واستغلالها عبر شحنها إلى فرنسا.
وعندما بدأ الجفاف الذي تسبب بالمجاعة لم يكن لدى المغاربة أي احتياطي من الأغذية يمكن أن يقتاتوا عليه.
في عام المجاعة أيضاً قسم الفرنسيون المغرب إلى منطقتين الأولى سميت بالمنطقة العسكرية وهي التي كانت تعترف بمقاومتها لهم والثانية منطقة مدنية أخضعها الفرنسيون بشكل كامل لهم، وبالتالي كان يصل إلى المنطقة المدنية كميات أكبر من الأغذية على عسكس العسكرية التي تضررت كثيراً خلال المجاعة.
والنتيجة كانت وفاة نحو 50 ألف شخص، وأكل الناس النباتات والأعشاب والحشائش والجراد وأصيب الكثيرون بالأمراض المرتبطة بقلة الأكل مثل السل والحصبة والزهري.
مجاعة السودان 1998
بعد سنوات طويلة من بدء الحرب الأهلية السودانية الثانية تعرضت السودان إلى موجة جفاف قاسية تسببت بإحداث مجاعة في البلاد راح ضحيتها عشرات الآلاف من الأشخاص.
كانت الحرب الأهلية السودانية الثانية إلى جانب موجة جفاف سبباً أساسياً في تعرض منطقة بحر الغزال جنوب غرب البلاد لمجاعة قاسية راح ضحيتها عشرات الآلاف من الناس.
ووفق هيومن رايتس ووتش فإن السبب الأكبر لتعريض البلاد للمجاعة كان طرفا الحرب الأهلية، فالحكومة السودانية دمرت الزراعة المحلية من خلال محاولتها السيطرة على مدينة واو، والجيش الشعبي لتحرير السودان حافظ على العبودية وسرقة المساعدات الإنسانية التي كانت تصله.
وتفاقمت المجاعة بسبب تأخر وصول موسم الأمطار وفشل المجتمع الدولي في الاستجابة للاستغاثات، وبالتالي كانت النتيجة وفاة أكثر من 70 ألف شخص ونزوح أكثر من 72 ألف شخص آخرين من المناطق الريفية.
مجاعة اليمن 2016
بدأت المجاعة في اليمن في العام 2016 أي بعد عام واحد من بدء التدخل العسكري وفرض حصار جوي وبحري وبري عليها، إذ تسبب قصف التحالف في تدمير معظم البنية التحتية للقطاع الزراعي الذي يعتمد عليه أكثر من نصف الشعب، إضافة إلى تدمير قوارب الصيد التي تعد مصدر الدخل الرئيسي لسكان الحديدة.
ووفق صحيفة New York Times فإن طفلاً واحداً يموت كل 10 دقائق وأن القوات السعودية تعمدت استهداف وسائل إنتاج الأغذية وتوزيعها من خلال قصف المزارع وقوارب الصيد والموانئ ومخازن الأطعمة، الأمر الذي سبب تفاقم المجاعة.
في حين قالت منظمة Save The Children الأربعاء إن استمرار الحصار من قبل التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن من المرجح أن يزيد من معدل الوفيات.
في حين تقدر منظمة اليونسيف أنّ أكثر من 12 مليون طفل بحاجة إلى مساعدة إنسانية، ومليوني منهم دون سن الخامسة يعانون من سوء تغذية حاد ويحتاجون للعلاج.
أشهر المجاعات في التاريخ.. المجاعة الكبرى في أيرلندا 1845
كانت المجاعة الكبرى واحدة من أشهر المجاعات في التاريخ وكان سببها مرض أصاب البطاطس.
فقد اعتمد 33% من السكان الأيرلنديين على البطاطس للحصول على قوتهم اليومي، وأدى ظهور المرض في عام 1845 إلى حدوث مجاعات جماعية استمرت حتى عام 1853.
وعندما حل الوباء منعت السفن البريطانية الدول الأخرى من توصيل المساعدات الغذائية إليها، فشهدت أيرلندا هجرة جماعية، حيث فر أكثر من مليوني شخص من البلاد غالبيتهم نحو أمريكا.
في نهاية عام 1853 تقلص عدد سكان أيرلندا بنسبة 25% بعد موت 1.5 مليون إيرلندي وهجرة مليوني آخرين.
المجاعة الفيتنامية 1945
كانت فيتنام خلال فترة الحرب العالمية الثانية تحت سيطرة اليابان وفرنسا، فعملوا على تغيير سياسة فيتنام من بلد زراعي يكافح من أجل الحصول على قوت يومه إلى إشغاله في صناعة المطاط.
كما أدَّت الفيضانات، والجفاف إلى جانب تلك السياسات الإنتاجية إلى حدوث المجاعة والتي نتج عنها موت حوالي مليوني فيتنامي.
وأثناء استغلال اليابانيين لما تبقى من مزارع المحاصيل الصغيرة، والاستيلاء على معظمها، حثت منظمة فيت مين الشعب الفيتنامي على نهب مستودعات الأرز، ورفض دفع الضرائب المستحقة.
وقد كان لهذا التمرد ضد المجاعة والسلطات المحتلة باعتبارها مسؤولاً رئيسياً عن المجاعة، الأثر الأكبر في تخفيف آثار المجاعة في فيتنام.
المجاعة في كوريا الشمالية 1994
عانت كوريا الشمالية من مجاعة هائلة من 1994 إلى 1998 نتجت عن سوء تعامل الحكومة مع فيضانات غزيرة اجتاحت البلاد.
فمن الناحية الطبيعية تسببت الفيضانات في غمر مناطق زراعية هائلة وتدمير 1.5 مليون طن من احتياطيات الحبوب.
أما من الناحية السياسية فقد نفذ كيم جونغ إيل سياسة "الجيش أولاً" والتي وضعت احتياجات الجيش فوق احتياجات عامة الناس، بما في ذلك الحصص الغذائية.
فعانت الأمة المعزولة أساساً من ركود اقتصادي ولم تكن قادرة على استيراد المواد الغذائية وغير راغبة في ذلك.
وبذلك ارتفع معدل وفيات الأطفال إلى 93 من كل 1000 طفل، ومعدل وفيات النساء الحوامل إلى 41 من كل 1000 امرأة.
وعلى مدى 4 سنوات، لقي ما يقدر بنحو 2.5 إلى 3 ملايين شخص حتفهم بسبب سوء التغذية والمجاعة.
مجاعة البنغال 1943
بدأت مجاعة البنغال عام 1943 بفعل زوبعة من الأحداث الكارثية، فمع اندلاع الحرب العالمية الثانية وتنامي الإمبريالية اليابانية فقدت البنغال أكبر شريك تجاري لها في بورما.
إذ كان يتم استيراد غالبية المواد الغذائية التي يستهلكها البنغاليون من بورما لكن اليابانيين علقوا التجارة معها.
كما ضرب إعصار ضخم البلاد تبعه 3 موجات مد منفصلة دمرت نحو 3200 ميل مربع من الأراضي الزراعية القابلة للحياة.
وبحلول الشهر الأخير من عام 1943 توفي 7 ملايين لاجئ بنغالي بسبب الجوع.
مجاعة البنغال عام 1770
لم تكن هذه المجاعة هي الوحيدة في تاريخ البنغال إذ تعرضت سابقاً في العام 1770 لمجاعة أكبر قتلت نحو ثلث سكانها.
كانت البنغال في تلك الفترة خاضعة لسيطرة شركة الهند الشرقية التي تجاهلت تقارير كثيرة عن موجة جفاف تضرب البلاد ونقص حاد في المحاصيل عن طريق استمرارها بفرض زيادة على الضرائب.
لم يكن المزارعون قادرين على زراعة المحاصيل، وكان أي طعام يمكن شراؤه باهظ الثمن بالنسبة للبنغال الجائعين.
كما أجبرت الشركة المزارعين على زراعة الأفيون لأنه كان أكثر ربحية من الأرز الرخيص.
وتسبب نقص مخزون الأرز في نقص الاحتياطات، ما تسبب بمجاعة قتلت أكثر من 10 ملايين شخص.
المجاعة السوفييتية 1932
لم تكن شدة هذه المجاعة معروفة بالكامل في الغرب حتى انهيار الاتحاد السوفييتي في التسعينيات، والسبب كان إخفاء المعلومات من قبل جوزيف ستالين الذي كان يعمل على تحويل مساحات شاسعة من الأراضي إلى مزارع جماعية يديرها جميع الفلاحين.
إذ شرع ستالين في تنفيذ ذلك من خلال تدمير المزارع الموجودة للفلاحين والمحاصيل والمخزون، وأخذ أراضيهم بالقوة.
فدفع هذا الأمر الفلاحين إلى إخفاء محاصيلهم للاستهلاك الفردي، وعندما علم ستالين بالأمر أرسل مجموعات تبحث عن تلك المحاصيل وتحرقها.
تسبب تدمير هذه المحاصيل والتجميع القسري للأراضي في حدوث مجاعة جماعية أسفرت عن مقتل ما يقدر بنحو 10 ملايين شخص.
مجاعة تشاليسا الهندية 1783
نشأ تغيير المناخ في الهند بسبب ثوران بركان من 130 حفرة بركانية مليئة بالمياه الجوفية في أيسلندا في يونيو/حزيران 1783، والذي استمر في ثورانه لمدة 8 أشهر في إبعاث الغازات البركانية المحملة بغاز ثاني أكسيد الكبريت، والذي بدوره أشبع الغلاف الجوي ليصيب المناخ بالجفاف، وهو ما سمي بتغيير نظام الطقس النينو.
أدى هذا التحول في نظام الطقس إلى انخفاض هطول الأمطار بشكل ملحوظ في منطقة شمال الهند، ما تسبب بموت مساحات شاسعة من المحاصيل ونفوق أعداد كبيرة من الماشية بسبب نقص الغذاء ومياه الشرب.
كما أدّت تلك المجاعة إلى هجرة العديد من سكَّان الهند، ويُعتقد أن ما يقرب من 11 مليون شخص قد لقوا حتفهم.
المجاعة الصينية 1907
احتلت المجاعة الصينية عام 1907 المرتبة الثانية من حيث عدد القتلى وكانت حدثاً قصير العمر أودى بحياة ما يقرب من 25 مليون شخص.
وبدأت المجاعة عندما كان شرق وسط الصين يعاني من ضعف في إنتاج المحاصيل بسبب عاصفة هائلة غمرت 40 ألف ميل مربع من الأراضي الزراعية الخصبة ودمرت كل المحاصيل في المنطقة.
فكانت أعمال الشغب بسبب الغذاء تحدث يومياً وغالباً ما يتم قمعها باستخدام القتل.
المجاعة الصينية الكبرى 1932
على غرار المجاعة السوفييتية، كان القادة الشيوعيون السبب الأول في بدء المجاعة الصينية الكبرى وذلك عندما حاولوا فرض سياسة تحويل مساحات شاسعة من الأراضي إلى مزارع جماعية يديرها جميع الفلاحين من أجل زيادة إنتاج المحاصيل.
إضافة إلى ذلك فقد كان النظام الشيوعي يولي لإنتاج الحديد والصلب أهمية أكبر من الزراعة، وبالتالي تم إبعاد الملايين من العمال الزراعيين بالقوة من حقولهم وإرسالهم إلى المصانع لإنتاج المعادن، وهو ما تسبب في نهاية الأمر ببدء مجاعة توفي فيها 43 مليون صيني.