لطالما كان تصنيف أهمية المعارك الحربية التي جرت عبر التاريخ سباقاً دموياً بين المؤرخين، الذين يعتبرون المعارك المصيرية هي تلك التي يحلّ بعدها سلامٌ مباشرةً، بينما آخرون يفضلون النظر إلى ما حققته من نتائج.
أهم المعارك البحرية التي غيرت العالم عبر التاريخ
ما الذي يجعل معركةً ما مصيرية حقاً؟ وما أهم 5 معارك بحرية غيرت العالم؟ إليكم ما قاله الخبراء وفقاً لمجلة The National Interest الأمريكية.
تعريف المعارك المصيرية
لنبدأ أولاً بتعريف المعركة المصيرية، إذ وضع المؤرخ كارل فون كلاوزفيتز تعريفاً مؤقتاً لها، ووصفها بأنها معركة يحلّ بعدها سلامٌ مباشرةً.
فمثل هذه المعارك تفرض على المهزوم قبول شروط المنتصر على طاولة المفاوضات، إمَّا لأنَّ الطرف المنهزم لم يعد قادراً على الاستمرار في القتال، أو لأنَّه يقدّر أنَّه لن يستطيع تحمُّل التكلفة التي قد تقوده للنصر.
ومن هذا التفسير الموسَّع نقول إنَّ المعركة المصيرية هي تلك التي تحدّد بشكلٍ رئيسي نتيجة الحرب.
إليك ما عليك أن تتذكَّره: كلما كانت تداعيات معركةٍ ما أكثر مصيريةً ودواماً ازدادت أهميتها في نظر التاريخ.
5. معركة ليبانت بين العثمانيين والصليبيين 1571
احتلت معركة ليبانت المركز الخامس في قائمة أهم المعارك البحرية التي جرت عبر التاريخ، ولكنها بكل تأكيد ليست كذلك بالنسبة للعثمانيين الذين خسروا المعركة ضد تحالف الدول الكاثوليكية، وبالتالي توقف توسعهم غرباً بالبحر المتوسط.
أنشأ بابا الكنيسة الكاثوليكية هذا التحالف وسمّاه بالعصبة المقدسة، وأرسله ليحارب الأسطول العثماني في خليج كورنث، قبالة السواحل اليونانية الغربية.
كانت معركة ليبانت آخر معركةٍ بحرية كبرى دخلتها سُفن الأسطولين كافةً في البحر المتوسط، وخلالها تمكنت العصبة المقدسة من إيقاع خسائر كبيرة في صفوف طاقم البحرية العثماني، وبالتالي تأكيد سطوتهم على البحر المتوسط.
4. معركة يامن بين المغول والصينيين 1279
حسمت هذه المعركة، التي تُسمَّى أحياناً "طرف الغار الصينية"، بين سلالة يوان المغولية وسلالة سونغ المُحاصرة جنوبيّ الصين، مَن يحكُم الصين طوال قرنٍ تقريباً.
كانت تِلك معركةً مصيرية بقدرٍ كبير، فقد شاركت فيها أكثر من ألف سفينةٍ حربية يديرها عشرات الآلاف من الجنود البحَّارة.
تسلَّح قادة سلالة يوان المغولية بالخداع والأساليب الجريئة للتغلُّب على كثرة تعداد الصينيين التي رجّحت كفتهم بنسبة 10 إلى 1.
والأهم من ذلك، انتهت معركة يامن بمقتل إمبراطور سونغ، ما أفسح المجال لسُلالة قوبلاي خان للاستيلاء على مملكة آسيا الوسطى. وبهذا تكون معركة يامن قد تركت صدى توابعها محسوساً في آسيا بأكملها لعشرات الأعوام التي تلتها.
3. معركة خليج كويبيرون بين بريطانيا وفرنسا 1759
لُقِّب عام 1759 بعام المعجزات لبريطانيا العظمى، فقد تمكنت من حسم معارك كثيرة برية كانت أو بحرية.
في السنة ذاتها كان هناك صراع بريطاني فرنسي على الفوز بسيادة أمريكا الشمالية، فقامت بريطانيا بإرسال إسطول كبير بقيادة السير الأميرال إدوارد هوك، أقل ما يوصف به أنَّه إعصارٌ قادمٌ من الغرب، إلى خليج كويبيرون قبالة السواحل الفرنسية للتصدي للإسطول الفرنسي في عقر داره.
تفوق البريطانيون بسهولة على الفرنسيين في المعركة، وانتزعوا منهم أي قيادةٍ أو سيطرةٍ على خطوط الشحن عبر المحيط الأطلنطي، وبالتالي أصبح بيد بريطانيا أن تمنع وصول أي دولةٍ نحو القارتين الأمريكتين.
2. معركة الأرمادا بين إسبانيا وبريطانيا 1588
كان أرمادا هو اسم الأسطول التابع لدوق مدينة شذونة الإسبانية، الذي زُعِم بأنَّه أسطولٌ لا يُقهَر، والذي تلقَّى أمراً من فيليب الثاني ملك إسبانيا آنذاك بعبور القناة الإنجليزية (بحر المانش) والهبوط بإنجلترا من أجل خلع الملكة إليزابيث الأولى عن الحكم.
وحسب الخطة، عندما تنصّب إسبانيا نظاماً حاكماً موالياً لها ستُنهي الحملة الدعم الإنجليزي للثورة الهولندية الشعبية الهائجة في هولندا الإسبانية آنذاك، بينما تُنهي كذلك حملات القرصنة الإنجليزية على حركة الشحن الإسبانية.
فسعى الملك الإسباني فيليب الكاثوليكي للحصول على موافقة بابوية، ونجح في الحصول عليها ضد إليزابيث البروتستانتية.
ومع ذلك، فقد تحالف الطقس مع مهارة البحرية الإنجليزية واستراتيجياتهم المدفعية ضدّ الحملة الإسبانية.
فلم يتمكَّن الأسطول الإسباني من الهبوط بإنجلترا، وبدلاً من ذلك، وجد الأسطول نفسه مرغماً على الطواف حول الجزر الإنجليزية في ظروفٍ جوية سيئة حتى يصل إلى مرفأه بإسبانيا.
تبرز أهمية المعركة من تساؤل المؤرخين حول ما إذا كان الإسبان قد تمكنوا فعلاً من السيطرة على بريطانيا وتغيير الحاكم من بروتستانتي إلى آخر كاثوليكي، ربما لم تكن الإمبراطورية البريطانية لتؤسس من البدء، أو بالطبع ليس بالشكل التي هي عليه الآن بأقل تقدير.
1. معركة سلاميس بين اليونانيين والفرس 480 قبل الميلاد
قاد ثيميستوكليس، مؤسس الأسطول البحري اليوناني، أسطولاً من الحلفاء أقل عدداً في السفن والرجال ضدّ الأسطول الحربي الفارسي تحت حُكم الملك خشايارشا.
نجح أرطميسيوم في أن يمنع القوَّات الفارسية البحرية من أن تصل إلى أعداد الجنود البرية الضخمة التي كانت قد عبرت مضيق الدردنيل، وكانت تتحرك براً عبر اليونان بهدفٍ أوحد، هو غزو أوروبا.
تراجع أسطول ثيميستوكليس بعدئذٍ إلى البحر قبالة سواحل جزيرة سلاميس ليُدافع عن شعب أثينا، الذي كان قد هجر مدينته لصالح الفرس.
نجح الدهاء والاستراتيجية الماهرة في أن يتغلَّب الحلفاء على أعداد الفُرس في هذا البحر الضيّق، ولولا الجرأة الأثينية والإسبرطية، براً وبحراً، ربما كان الملك خشايارشا قد صدّ مسار الحضارة الغربية وهي في مهدها.
وبالتالي أعطى التصدّي لهجمة الملك الفارسي العظيم لمعركة سلاميس كل الحق بأن يكون لها شهرةً أبدية، وبالتالي اختارها المؤرخون لأن تكون المعركة البحرية الأكثر مصيرية في التاريخ.