شخصية تاريخية اشتهرت بحكمها القوي وذاع صيتها وتناقلت الأجيال قصتها ليخلدها التاريخ. حاكمة النيل الأسطورية، كليوباترا، التي لم تكن قوتها فقط مصدر شهرتها بل أيضاً جمالها الفاتن الذي تسعى أجمل ممثلات هوليوود لتجسيده والذي بدأ المؤرخون يشككون فيه. فهل كان جمال كليوباترا حقيقة أم أسطورة موضوعة وهل كانت مصرية أصلاً؟
دعونا نعرفكم أكثر على هذه الملكة الأسطورية بين الحقائق والخيال ودور هوليوود في عرض قصتها لأول مرة بطريقة مختلفة كما جاء في موقع Telegraph الأمريكي.
هوليوود تُحيي قصة كليوباترا مرة أخرى ولكن من وجهة نظر نسائية
قبل خمسين عاماً تقريباً جسدت الممثلة الأمريكية إليزابيث تايلور الصورة التقليدية لكليوباترا الملكة الكحلاء القوية التي تفتن جميع من رآها. لكن اليوم تعود إحدى جميلات هوليوود لتجسيد ملكة النيل الأسطورية ولكن بشكل مختلف غير مطروق. فقد أعلنت صباح يوم الإثنين 12 أكتوبر/تشرين الأول عام 2020 الممثلة الإسرائيلية غال غادوت، ذات الـ35 عاماً، المعروفة بدورها في فيلم Wonder Woman، عن تعاونها مع المخرجة باتي جينكينز، وكاتبة سيناريو فيلم Shutter Island لايتا كالوغريديس، وصرحت بأن الفيلم يعرض قصة كليوباترا لأول مرة من عينٍ نسائية.
فريق الفيلم المكون بشكل رئيسي من النساء مع بطلته غادوت يؤكِّدون أن الفيلم سيلقي شكوكه على الأساطير المحيطة بإحدى أشهر النساء في التاريخ. فهذه الأساطير تم تناقلها على مر ألف عام من كتَّابٍ ذكور، مثل بلوتارخ وشكسبير وجورج برنارد شو بناء على أدلة واهية جداً.
الأساطير عن كليوباترا أقوى من الحقائق التاريخية
يؤكد أستاذ علم المصريات توبي ويلكينسون أن الحقائق الفعلية التي لدينا عن كليوباترا، والأدلة المعاصرة، نادرة للغاية، وأن معظم ما لدينا هو نظرات أشخاص آخرين عنها، متأثرة بشكل كبير بموقفهم السياسي.
يستحيل أن نجد شهادات معاصرة عن كليوباترا بالطبع، ولكن إن أردنا البحث بين المفاهيم التقليدية التي لدينا عنها، فلن نستطيع وصف أيٍّ منها بالموضوعية. فشخصية كليوباترا التي نعرفها اليوم على أنها ملكةٌ مصرية، فائقة الجمال، تغوي الرجال، وأنهت حياتها بنفسها باستخدام ثعبان، تثبت أنها أقرب للخيال منها إلى الواقع.
من المدهش أن إعلان الممثلة البيضاء غادوت، التي ستؤدي دور الملكة المصرية، ألقى الضوء في مواقع التواصل الاجتماعية فوراً على ما لدينا من معلوماتٍ قليلة عن المرأة التي استوحينا منها أسطورة كليوباترا.
كليوباترا تنحدر من أسرة مقدونية وليست مصرية!
يبدو افتراض أن كليوباترا كانت مصرية أمرٌ مفهوم. فالأسرة الحاكمة التي كانت كليوباترا أحد أفرادها، ظهروا بمظهر المصريين دائماً، وبالتالي عاشت الصورة الراسخة لكليوباترا بالزي المصري. لكنهم كانوا في الحقيقة غزاةً أجانب التزموا بشدَّة بنقاء عرقهم لدرجة أنهم لجأووا لزواج المحارم أكثر من مرة.
تقول أحدث كاتبة لسيرة كليوباترا ستايسي شيف، إنه من الناحية العرقية فإن قناعتنا أن كليوباترا كانت مصرية تشبه قناعتنا بأن إليزابيث تايلور، الممثلة الأمريكية التي جسدت دورها في الفيلم بنجاح، هي مصرية أيضاً!.
الأسرة التي انحدرت منها كليوباترا كانت في الحقيقة من مقدونيا، وهي دولة قوية ظهر على أطرافها ما نسميه الآن الإغريق القديمة. وهي مكان ميلاد الإسكندر الأكبر الذي غزا مصر وأطاح حكامها من الفرس في عام 332 قبل الميلاد. وفي الصراع على السلطة بعد موت الإسكندر، سيطر أحد قوَّاده الأقوياء، بطليموس على الإسكندرية، وأعلن نفسه فرعوناً. وحكم أحفاده لمدة ثلاثة قرون، وكانت كليوباترا آخر هذا النسل.
ليس لدينا معلومات كثيرة عن شكل المقدونيين. ويقول ويلكينسون: "على الأغلب لم يكن شكلهم مثل سكان اليونان الحديثة". فهل ما تفعله غال غادوت هو تبييض ثقافي لكليوباترا؟ سنعرف هذا أكثر عند صدور الفيلم.
وقعت في غرام حاكمين من الرومان لإنقاذ مصر
عندما تولت كليوباترا العرش بعد وفاة أبيها بطليموس الثاني عشر، كانت مصر في طريقها إلى الهاوية، فقد أُجبر والدها على رهن مصر فعلياً لدفع ما يلزم لإبعاد الرومان الذين كانوا يحاولون السيطرة على مصر. بعد موته شاطرت كليوباترا أخاها بطليموس الثالث عشر الحكم في سن 21 عاماً وكانت مصر حينها تحت الحماية الرومانية.
طرح ويلكنسون تساؤلات يوضح بها عقلية كليوباترا في علاقاتها الغرامية الشهيرة بحاكمين مختلفين من الحكام الرومان، الأول يوليوس قيصر، ثم ماركوس أنطونيوس. ويقول: "ما الذي يمكن لامرأة حاكمة أن تفعل في مثل هذا الموقف؟ ما البطاقات الرابحة التي بقيت في أيديها لتستعيد حكمها وتحافظ على بلدها؟".
بدأت علاقتها مع قيصر عقب نزاعها مع شقيقها الذي طردها من مصر. فعمدت إلى التوسل إليه لمساعدتها في تحقيق غايتها للعودة إلى الحكم. وقد أسرته، إما بمفاتنها، أو بالمنطق الجلي بأنها ستكون حاكماً أفضل من شقيقها. وساعدها قيصر على التغلب على بطليموس وبالمقابل حصل بذلك على مفاتيح مصر بحصوله على ملكتها الشرعية.
بعد مصرع قيصر، أصبحت مصر جزءاً من نصيب ماركوس أنطونيوس بعد اقتسام العالم الروماني مع كل من أوكتافيوس وليبيدوس. وقد أحب ماركوس أنطونيوس كليوباترا، وكلّفته علاقته الغرامية هذه فقدان حظوته في روما لينتهي به الأمر بالانتحار .
وصفها المؤرخون بالفاتنة لتبرير ضعف حكام الرومان أمامها
وبالتالي قام المؤرخون الرومان بكتابة الشهادات الأولى عن كليوباترا بشكل يخدم أغراضهم إما بالتقليل من مصر أو تصويرها بصورة غريبة لتعزيز الهيمنة الرومانية والانتصار الروماني في غزو مصر، ومن غير الممكن الوصول إلى شهادة غير منحازة عن كليوباترا.
على سبيل المثال، يناسب وصف المؤرخ كاسيوس ديو لها بأنها بارعة الجمال، فرضية أن أنطوني كان عبداً للإغراء الجنسي. وبالتالي تصوير أنطوني بصورة مسلوب الإرادة ووضعه موضع الخائن، التابع لمصر وليس روما.
من هنا جاءت صورة كليوباترا التي تخطط المكائد وتعتمد على الشره الجنسي. لكن كلما اقتربنا من أي شخص رأى كليوباترا بالفعل، تهاوت فكرة أنها كانت شديدة الجمال.
كليوباترا ليست جميلة بمقاييس الجمال في القرن الواحد والعشرين!
استمرت سمعة كليوباترا امرأةً فائقة الجمال لقرون من الزمان، لكن مصدر هذه السمعة غير دقيق تماماً وغير موضوعي. يبدو أن الأسطورة نشأت من كلام المؤرخ الروماني ديو الذي قال عنها إنها "امرأة ذات جمال مدهش". لكن ديو وُلد بعد حوالي 200 عام من وفاة كليوباترا، وشهادته عن مظهرها كما أشرنا مسبقاً تحركها اعتبارات سياسية أكثر من أي شيء آخر.
في الحقيقة، كل ما لدينا لنعتمد عليه هو تماثيل وعملات تحاول تصويرها بمثالية، ومع ذلك عند التدقيق سنجد أن هذه التماثيل والعملات تصورها بأنف معقوف ظاهر وذقن مدبب، ولا يمكننا القول إنها جميلة بمقاييس الجمال في القرن الواحد والعشرين.
تأتي أقرب الشهادات المكتوبة للعصرية بين يدينا من المؤرخ الروماني بلوتارخ، الذي قال: "لم يكن جمالها صارخاً ولا يُقارن، كما قيل لنا، وليس من النوع الذي يصدم كل من رآها".
وقال ويلكينسون: "كانت تعد قوية، وهذا بالطبع له جاذبية خاصة. فلم يبحر يوليوس قيصر النيل بطوله مع كليوباترا لجمالها بالمعنى التقليدي بالضرورة، لكن لأنها كانت تحمل مفاتيح مصر، هذا ما جعلها مغرية".
إذاً هل يجسد الفيلم الجديد شخصية كليوباترا الحقيقية؟
يتساءل ويلكينسون عن إمكانية صناعة فيلم عن كليوباترا يتميز "بالدقة" قائلاً: "أي دقة؟ أي نسخة من الحقيقة يتبعون؟".
إذا تمكّنت الممثلة غادوت وفريق عملها النسائي من إزالة بعض الأساطير التي تراكمت عن طريق الكتَّاب الرومان عن كليوباترا، حتى على حساب استبدالها بمجموعة أخرى من أنصاف الحقائق، سيكون ذلك إنجازاً عظيماً كمحاولة لإخراج كليوباترا من النظرة الذكورية. كما سيكون من المثير للاهتمام أن نرى كيف يمكن لممثلة تجسد أعلى مقاييس الجمال في "جماليات القرن الحادي والعشرين" أن تتحدى أسطورة جمال كليوباترا.