على الرغم من صغر حجم بريطانيا نسبياً، فإن الإمبراطورية البريطانية كانت في ذروتها واحدة من أكبر الإمبراطوريات الاستعمارية في التاريخ، حتى باتت تعرف بأنها إمبراطورية "لا تغيب عنها الشمس" لاتساع أراضيها، فإذا غابت الشمس في إحدى مستعمراتها، فإنها تشرق في أخرى.
ما قد يدفعنا للتساؤل: كيف أصبحت الإمبراطورية ناجحة للغاية في التوسع رغم صغر حجمها الأساسي؟ دعونا نعرفكم على أهم العوامل المؤثرة التي ساهمت في توسع إمبراطورية بريطانيا عبر التاريخ، وحدود نفوذها في ذلك الزمن.
ففي ذروة توسعها، غطت الإمبراطورية البريطانية مساحة 35.5 كيلومتر مربع، ما يقارب 23.84% من مساحة اليابسة في العالم. وقد تواجدت الإمبراطورية في جميع القارات المأهولة في العالم في الأمريكتين وأوروبا وآسيا وأوقيانوسيا وإفريقيا. لكن بعد استقلال أهم مستعمراتها؛ الولايات المتحدة الأمريكية، في القرن الثامن عشر، بدأ انهيار الإمبراطورية، وحتى في ذلك الوقت لم يكن لها منافس، وكانت لا تزال موطناً لما يقدر بنحو 412 مليون شخص أو 23% من سكان العالم في ذلك الوقت في العام 1913، كما أورد موقع World Atlas.
1. كانت تعرف كيفية التوسع بأقل التكاليف
لطالما كان التوسع الاستعماري في كثير من الأحيان على مر التاريخ مسعىً مكلفاً. ومع ذلك كان البريطانيون ماهرين في التوسع بميزانية محدودة، كما وصفهم موقع World Atlas، إذ كانت الميزانية المخصصة لدعم المستعمرات ضئيلة، وفي المقابل، تم الضغط على المستعمرات لتحقيق الاكتفاء الذاتي.
كما خفض البريطانيون التكاليف من خلال ضمان تحمل الأفراد للمخاطر المالية والخسائر، بينما تبقى نسبة الأرباح الأكبر في أيدي الحكومة، ما أدى إلى زيادة الأرباح باستمرار، وجعل المزيد من التوسع ممكناً.
2. كانت مدفوعة بالمنافسة مع جارتها فرنسا
انخرط البريطانيون في منافسة توسع مع فرنسا، لدرجة أن المستعمرات الفرنسية والبريطانية التي استقرت في أمريكا الشمالية كانت في حال قتال مستمر طوال فترة أوائل القرن الثامن عشر.
مكنت المستوطنات البريطانية، التي كانت تتواجد في المروج الكندية وفي كولومبيا البريطانية، النفوذ البريطاني من التوسع إلى المحيط الهادئ، في الوقت الذي كانت فرنسا فيه تتوسع على طول نهر سانت لورانس الكندي.
ثم في أوائل القرن الخامس عشر الميلادي، استحوذ القائد البحري جاك كارتييه على مدينة كويبك الحديثة باسم ملك فرنسا ونسبها لتصبح جزءاً من فرنسا، هذه المنافسة دفعت الطرفين للتوسع والسعي لمزيد من النمو خلال السنوات القادمة.
3. الحكومة تبنت نظام الخصخصة التجاري
استطاعت بريطانيا لسنوات طويلة الحفاظ على اقتصادها قوياً من خلال اتباع نظام الخصخصة. في الحقيقة لم تكن الحكومة متكفلة بشكل كامل بتكاليف حملات التوسع، فقد قادت الشركات والمؤسسات الخاصة الكثير من نمو التوسع البريطاني.
كانت شركة لندن وشركة بليموث وشركة الهند الشرقية، على سبيل المثال لا الحصر، كيانات مستقلة تتعامل مع الإمبراطورية البريطانية من أجل الربح، كما ذكر موقع Us History.
ما يعني أن هذه الشركات تتحمل العبء المالي لمخاطر إنشاء المستعمرات، وبالتالي كان للأفراد القدرة على جمع قدر هائل من الثروة، بالمقابل كان هناك خطر ضئيل نسبياً على التاج لتحمل أي خسائر في حال حصولها والحصول على نصيبها من الأرباح.
فقد كان البريطانيون قادرين على فرض الضرائب التي يريدونها على التجارة في تلك المستعمرات لزيادة الأرباح لأنفسهم.
4. سياسات الحكومة لتحقيق الربح دون الاهتمام بحقوق للسكان الأصليين
في عام 1649، أنشأت بريطانيا رابطة الشعوب البريطانيّة المعروفة بـدول الكومنولث، والتشريع الذي أعقب ذلك قوى الحكم البريطاني على جميع المستعمرات البريطانية، ما منحها مزيداً من القوة الاقتصادية.
فقد توجب إرسال جميع البضائع القادمة من أوروبا إلى الأمريكتين إلى إنجلترا أولاً، ليتم تصديرها ثم إعادة تصديرها، مع فرض ضرائب على طول الطريق. وقد كانت تبرر الإمبراطورية هذا السعي وراء الربح بحجة الدين.
إن الضغط للتوسع أكثر في الأمريكتين من أجل زيادة الأرباح، كان يدفع المستوطنين الجدد للقدوم إلى البلاد واحتلال مجتمعات السكان الأصليين الأصلية، ما أدى إلى تدمير مأساوي وواسع النطاق للسكان الأصليين، بما في ذلك تراثهم وفنونهم وثقافتهم ودينهم ولغتهم.
5. حاجتها للموارد الجديدة كانت حافزاً للتوسع
بالنظر لمساحة اليابسة، فإن بريطانيا ليست دولة كبيرة للغاية، و عندما نتحدث عن نمو الاقتصاد فإنه يتطلب تراكم فائض من الموارد، والموارد محدودة طالما أن الجغرافيا مقيدة. فكيف استطاع النفوذ البريطاني الحصول على الموارد المطلوبة للتوسع؟ الجواب هو التوسع خارج حدودهم الأصلية.
توسعت بريطانيا إلى أراضٍ "غير مكتشفة" بعد. بالطبع، كانت الأراضي التي استوطنوها مأهولة بالفعل من قبل السكان الأصليين، ولكن ما كان المستكشفون البريطانيون مهتمين به أكثر هو الموارد مثل التوابل والمنسوجات والموارد الطبيعية مثل القطن ومخزون الطعام والتبغ والشاي والسكر وأي شيء يمكنهم تصديره للخارج من أجل الربح. حاجتهم الدائمة للموارد الجديدة كانت دافعهم الرئيسي للنمو.
6. رأت فرصاً اقتصادية في الأسواق الدولية
من دون شك، مهدت الفرص الاقتصادية الطريق لنمو الإمبراطورية البريطانية. كانت التجارة والأراضي وتصدير الموارد من العوامل المهمة لزيادة الأرباح، لكن الصناعات الثانوية والوظائف كانت مزدهرة أيضاً.
إن النمو في صناعات مثل بناء السفن وتطوير التجارة في الأسواق الدولية والأفراد المندفعين لاكتشاف فرصهم في الخارج ساعد بشكل رئيسي في تشكيل وجه الازدهار العالمي. كما ساهم هذا في نشر الثقافة الإنجليزية (وبالتالي الثقافة الأوروبية ككل) في جميع أنحاء العالم.
7. اعترفت بالمنافسة في الشرق
لم تكن الإمبراطورية البريطانية هي الوحيدة التي كانت تسعى إلى توسيع قوتها ونفوذها العالمي. بحلول الوقت الذي كانت تتقدم فيه إقليمياً كان لدى ثلاث إمبراطوريات أخرى طرق محددة مسبقاً لسلع مثل التوابل والمنسوجات.
فقد طورت في ذلك الوقت الإمبراطورية العثمانية والإمبراطورية الصينية والإمبراطورية المغولية علاقات تجارية فيما بينها، أقامت شركة الهند الشرقية البريطانية تجارة مع إمبراطورية المغول والتي ستنمو لتصبح أساس توسع بريطانيا لاحقاً في الهند.
8. استفادت من تجارة العبيد
على الرغم من أنها لم تلعب دوراً كبيراً في تجارة الرقيق مثل البرتغال أو إسبانيا في القرنين السابع عشر والثامن عشر، فإن إنجلترا كانت لاعباً في نقل وبيع البشر في القرن السادس عشر.
أنشأت إنجلترا مستعمرات وقوات بحرية في منطقة البحر الكاريبي. توسعت مدن مثل ليفربول وبريستول مع الزيادة الربحية لتجارة البشر، وتم إنشاء شركات مثل Royal African Company كما جاء في موقع Britannica، من بين آخرين لتلبية احتياجات الطلب المتزايد.
لقد كانت صناعة مروعة، ولكن مربحة، ونتيجة لذلك تم بيع أعداد لا تحصى من الأفارقة المختطفين وحرمانهم من الحقوق.
9. حققت مكاسب من استغلال شعبها
كان تحقيق الربح عاملاً أساسياً في التوسع البريطاني، وقد جلب عصر الاستكشاف مباهج مدهشة للإمبراطورية البريطانية.
أصبح السكر والشاي والتبغ من أكثر السلع ربحاً، وأصبحت الإمبراطورية البريطانية مجنونة بسبب إدمان المواد الأجنبية.
كما استغلت سكان المستعمرات في العمل في المزارع لتنتج سلعاً منخفضة التكلفة، يمكن بيعها لتحقيق ربح دولي واستيرادها إلى السكان البريطانيين بتكلفة مناسبة.
10 . فرضت قوتها من خلال توسعها التجاري والثقافي
تحلم كل الإمبراطوريات حول العالم بالوصول لشيء واحد بالدرجة الأولى: القوة. ومع توسع الأرض والتجارة والسلع والموارد البشرية، تمكنت الإمبراطورية البريطانية أن تستحوذ على المزيد والمزيد من القوة.
مع اكتسابها المزيد من القوة تمكنت من جلب المزيد من المال، والمزيد من التأثير، والمزيد من رأس المال الثقافي، وسمح لها ذلك بفرض ثقافتها ودينها ومعتقداتها في الأماكن التي وصلت لها على الخريطة الدولية، كما أن التوسع في التأثير جعل التوسع المستمر ممكناً.