غالباً ماتبقى الحروب الطويلة متعلقة بأذهان الناس، على عكس تلك القصيرة التي قد يكون هناك كثير منهم لا يعرفون بوجودها أصلاً، وإحدى تلك الحروب هي حرب الأيام الأربعة بين ليبيا ومصر في العام 1977 عندما نظّم آلاف من المتظاهرين الليبيين مسيرةً ضخمةً للزحف نحو العاصمة المصرية القاهرة بدعوة من زعيمهم معمّر القذافي، و الهدف منها كان إسقاط الحدود بين البلدين.
ماذا تعرف عن أسباب هذه الحرب، ومن كان وراء إيقافها؟.
حرب الأيام الأربعة بين ليبيا ومصر
قبل اندلاع الحرب بعدّة أشهر، ساد توتر كبير بين حكومتي ليبيا ومصر على أعقاب التقارب المصري – الإسرائيلي الذي تخللته زيارة للرئيس محمد أنور السادات إلى تل أبيب، ما لم يرق للزعيم الليبي الراحل معمر القذافي.
بدأت المناوشات بين البلدين بعد هجوم عددٍ من المواطنين الليبيين على الحدود المصرية، تبعها تهديد القذافي لنحو 250 ألف مصري مقيمين في ليبيا بالترحيل إلى بلادهم.
لم يقف الأمر عند هذا الحد، إذ دعا القذافي في 20 يوليو/تمّوز 1977 مواطنيه إلى مسيرة أطلق عليها اسم "مسيرة نحو القاهرة"، من أجل إسقاط الحدود التي يراها القذافي أنها معيقة لنهضة الشعوب العربية وسبباً أساسياً في تفككها.
كان الزعيم الليبي الراحل يرى أنه بهذه الخطوة سيتمكن من كسب الشعب المصري الذي افترض أنه كان متذمراً بدوره من سياسات السادات التصالحية مع إسرائيل.
وفي اليوم التالي قام حرس الحدود المصري بالتصدي لمسيرة الليبيين على حدوده، الأمر الذي دفع قوات الطرفين الليبي والمصري للاشتباك بالأسلحة النارية.
ماهي إلا ساعات حتى بدأت وحدات المدفعية الليبية بقصف مدينة السلوم المصرية المقابلة لمعبر السلوم الحدودي بين البلدين، فردت القوات الجوية المصرية عبر طائرات سوخوي 20 وميغ 21 الروسية بمهاجمة قواعد عسكرية منها قاعدة جمال عبدالناصر قرب طبرق وقاعدة أخرى قرب واحة الكفرة.
استمرت الاشتباكات البرية والجوية بين الطرفين حتى نهاية يوم 23 يوليو/تموز، عندما بدأت تطبيق لوقف إطلاق النار بين الطرفين بوساطة جزائرية – فلسطينية.
ابن عم القذافي ينفي أن تكون ليبيا هي من بدأت الحرب!
خلال لقاء مع قناة "العربية"، قال ابن عمّ القذافي ومنسق العلاقات الليبية – المصرية أحمد قذاف الدم، إن السبب الذي دفع ليبيا إلى قصف مصر هو اختطاف عدد من قوات شرطتها التي كانت متواجدة على الحدود المصرية بدلاً من الجيش.
قذاف الدم اتهم السادات بافتعال الحرب "لأننا عندما تواصلنا مع السادات رفض إطلاق سراحهم واتهمهم باقتحام حدوده، فحصلت مشادات بيننا دفعت القوات الخاصة الليبية إلى اختطاف مجموعة من العسكريين المصريين من أجل الإفراج عن عناصرنا".
كما قال قذاف الدم في لقاء مع صحيفة "الشرق الأوسط" اللندنية، إن المصريين كانوا يتهمون القذافي بأنه كان يجهز لقصف السد العالي إضافة لسعيه إلى تنفيذ عدة تفجيرات في البلاد وتحريض المصريين ضد السادات، وهذه كانت إحدى أهم الأسباب التي دفعت إلى الحرب.
وساطة جزائرية – فلسطينية لإنهاء الحرب
منذ اليوم الأول للحرب سعى الرئيس الجزائري حينها هواري بومدين، ورئيس منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات إلى إيقاف الحرب ولم يتمكنوا من ذلك حتى اليوم الرابع من الحرب عندما أقنعوا رئيسي البلدين بضرورة التوقف فتم توقيع اتفاقية وقف إطلاق النار في 24 يوليو/تموز، بينما لم يتم التوقف الفعلي عن القتال سوى إلى ساعات الصباح في اليوم التالي.
ورغم توقفهما عن القتال إلا أنّ الخلاف بينهما ظلّ قائماً فلم يتم تبادل الأسرى بينهما سوى نهاية شهر أغسطس/آب وتم تعليق العلاقات بين البلدين 12 عاماً، في حين انتقل هذا التوتر إلى بقية البلدان العربية التي انقسمت فيما بينها، فأيدت بعض الدول مصر، في حين رأت الدول القومية أنّ الخطوة التي قامت بها مصر بالتطبيع مع إسرائيل هي خيانة، فأدى ذلك في نهاية المطاف إلى مقاطعة مصر وتجميد عضويتها من جامعة الدول العربية.
في العام التالي 1978 وقّع أنور السادات اتفاقية كامب ديفيد مع رئيس الوزراء الإسرائيلي مناحيم بيغن، تبعها في العام الذي يليه 1979 بتوقيع معاهدة السلام مع إسرائيل بشكل رسمي.
نتائج الحرب الليبية – المصرية
بحسب راديو BBC الذي كان يبث ذلك الوقت أخبار الحرب، فإن خسائر الجانب المصري بلغت نحو 100 جندي بين قتيل وجريح ونحو 7 طائرات.
أما من الجانب الليبي فكانت 400 جندي بين قتيل وجريح ونحو 20 طائرة و60 دبابة، و400 ناقلة عسكرية مدرعة.
أنور السادات: احتلينا ليبيا 24 ساعة!
وبحسب عدّة مصادر عسكرية فإن الجيش المصري توغل داخل الأراضي الليبية مدة 24 ساعة، على عمق بلغ نحو 20 كيلو متراً.
ففي خطاب أدلى به أنور السادات في صباح يوم اتفاق وقف إطلاق النار أعترف بأن مصر قامت باحتلال أراضٍ ليبية مدة 24 ساعة وانسحبت بعد إنهاء عملها هناك، مهدداً القذافي بأن يعاود ما فعله.