كثيراً ما تصلنا رسائل الكترونية أو نتعرض لمنشورات على الشبكات الاجتماعية تزعم بأن قصوراً وأماكن أثرية وكنائس في أوروبا بُنِيت من عظام المسلمين الذين رفضوا اعتناق المسيحية. فما مدى صحة هذه الرواية؟ وهل حقاً استخدم الأوروبيون عظام المسلمين في تشييد مبانيهم؟
من كنيستي إيفورا في البرتغال إلى سيدليك في جمهورية التشيك وسراديب الموتى في باريس، تعالوا نتعرف على الأماكن المبنية والمزينة بالعظام والجماجم حول العالم، ونقف على سبب إدخال هذه العناصر الغريبة في بنائها.
كنيسة سيدليك في التشيك
كنيسة سيلديك أو كما تسمى "كنيسة العظام"، تقع في ضواحي بلدة كوتنا هوارا وسط جمهورية التشيك، وهي مبنية على الطراز القوطي في العصور الوسطى.
ويوجد في الكنيسة الفريدة من نوعها ما يتراوح عدده بين 40 ألفاً إلى 70 ألف هيكل بشري مصففة ومرصوصة في كل مكان بالكنيسة، وقد يتبادر لأذهانكم بكل تأكيد من أين أتت كل هذه الهياكل العظمية؟
تعود القصة وفق ما ذكره الموقع الرسمي للكنيسة Sedlec Ossuary إلى العام 1278، وتحديداً منطقة مملكة بوهيميا التاريخية في أوروبا الوسطى، والتي أصبحت لاحقاً الكيان الأساسي لجمهورية تشيكوسلوفاكيا، عندما أرسل ملكها، مسؤول كنيسة "سسترسن" إلى القدس من أجل إحضار تراب من "أرض الجلجثة".
و"أرض الجلجثة" أو كما تسمى بـ "التربة المقدسة" هي المكان الذي يقول الإنجيل بأن المسيح صُلب فوقه، وأيضاً بُني فوقها لاحقاً كنيسة القيامة.
وعندما عاد مسؤول كنيسة "سسترسن" إلى بوهيميا نثر التراب الذي أحضره فوق مقابر الرهبان لنشر البركة.
وبسبب التراب المقدس المنثور في الكنيسة كان الناس يوصون بأن يتم دفنهم في الكنيسة ذاتها بعد موتهم، إضافة لدفن عدد كبير من موتى وباء الطاعون الأسود الذي انتشر في أوروبا بين عامي 1347 و1352.
كما يُقال أيضاً إنّ القبو كان يحوي هياكل عظمية يعود تاريخها إلى الحروب البوهيمية التي استمرت من 1419 حتى 1434، وبذلك أصبحت أعداد الموتى كبيرة؛ ما تطلب توسيع مقبرة الكنيسة.
في بداية القرن الخامس عشر بنيت الكنيسة القوطية سيلديك وسط المقابر بدور علوي، وكنيسة سفلية ليتم استخدامها كمخزن للعظام التي تم نبشها أثناء حفر أساسات البناء ولتكون غرفة للقبور الجديدة.
بقيت الهياكل العظمية مكدسة في الطابق السفلي للكنيسة قرون عدّة حتى حلول العالم 1870 عندما تم تكليف فنان نحت يدعى فرانتيسك رينت من أجل ترتيب العظام والجماجم المكدسة والتي ملأت المكان.
فقام النحات بترتيب هذه العظام على أشكال زينة فصنع 4 أكوام على أشكال أجراس وضعها في زوايا الكنيسة، كما صنع أكاليل من الجماجم تملأ المكان.
فباتت الكنيسة اليوم إحدى أهم الوجهات التي تجذب السياح إلى التشيك إذ يقدر عدد زوارها نحو 200 ألف شخص سنوياً.
كنيسة العظام في إيفورا
تقع كنيسة كابيلا دي أوسوس أو كما تسمى "كنيسة العظام" في مدينة إيفورا جنوب البرتغال، وهي مشهورة بأن جميع جدرانها الداخلية مزخرفة ومغطاة بالعظام والجماجم البشرية.
وشيدت الكنيسة الصغيرة عند مدخل كنيسة القديس فرنسيس التي بناها راهب فرنسيسكاني في أواخر القرن السادس عشر.
ووفقاً للأسطورة التي يتناقلها السكان المحليون، فإن العظام والجماجم البشرية ويقدر عددها بنحو 5 آلاف تخص جنوداً ماتوا في معركة كبيرة جرت في المنطقة في القرن السادس عشر، وأيضاً تخص موتى الطاعون الذي تفشى في أوروبا.
في حين تقول روايات أخرى إن العظام والجماجم أتت من أناس عاديين دفنوا في مقابر المدينة في العصور الوسطى، وتم نقل رفاتهم إلى الكنيسة من أجل عرضها بأمر من رهبان المدينة الكاثوليك.
والهدف من عرضها هو أن تكون مكاناً روحياً لتأمل زوال الحياة بحسب ما ذكره الموقع الرسمي للكنيسة.
المميز في الكنيسة أنك عندما تدخل إليها ستقرأ جملة "نحن العظام هنا، ننتظر عظامكم".
"كنيسة العظام" في فارو
تقع كنيسة "سيدة جبل الكرمل" في مدينة فارو جنوب البرتغال، بنيت في العام 1816، وهي مزينة بعظام وجماجم نحو أكثر من ألف هيكل عظمي بشري.
وتعود هذه الهياكل البشرية إلى الرهبان الكرمليين الذين عاشوا في المدينة، حيث صُفت جماجمهم على الجدران ليبدو وكأنهم يراقبون زوار الكنيسة، والهدف من وضعها مثله مثل الهدف من كنيسة كابيلا دي أوسوس وهو أن تكون مكاناً روحياً لتأمل زوال الحياة.
وقد كُتب عند مدخلها: "توقف هنا وتذكر أنك ستصل إلى حالتنا أيضاً".
سراديب الهياكل المزينة في باريس
تقع سراديب الموتى تحت شوارع مدينة باريس وهي عبارة عن مقابر للجماجم البشرية المصفوفة والمزينة ويطلق عليها أكبر مقبرة في العالم.
أمّا تاريخ إنشاء هذه المقابر فيعود إلى القرن الثاني عشر عندما بُنيت كمقالع تحت الأرض من أجل الحجارة التي استخدمت في بناء باريس، وأغلقت بعد ذلك بشكل كامل حتى العام 1777 عندما قدم ضابط شرطة يدعى أليكساندر لينور مشروعاً لمحافظ باريس من أجل تحويل هذه السراديب إلى مقابر لحفظ رفات الموتى.
والسبب أن الباريسيين كانوا يعانون تلك الفترة من الأمراض وانتشار الجثث في الشوارع بسبب اكتظاظ المقابر، ما أدى إلى انتشار الدفن غير اللائق كالقبور المفتوحة والجثث المكشوفة.
في العام 1786 تم أخذ القرار بتحويل تلك السراديب إلى أكبر مستودع للهياكل البشرية في العالم، فقد تمّ نقل بقايا عظام 6 ملايين شخص إلى داخل هذه السراديب ما بين أواخر القرن الثامن عشر وأواسط القرن التاسع عشر لتشكّل بذلك واحدة من أغرب الأماكن على الأرض، فقد تم صف وتزيين هذه العظام والجماجم في داخل هذه السراديب.
قبو Capuchin أسفل كنيسة سانتا ماريا في روما!
يقع قبو كابيوتشين أسفل كنيسة سانتا ماريا ديلا في العاصمة الإيطالية روما، وهو مؤلف من 6 مصليات صغيرة تحولت فيما بعد إلى سراديب تحوي 5 منها على هياكل عظمية لنحو 3 آلاف و700 شخص. ويعتقد بأن هذه الهياكل البشرية تعود إلى رهبان المدينة.
وأسماء هذه السراديب هي:
سرداب القيامة: والذي يحوي على صورة للمسيح بإطار مزين بالعظام البشرية والجماجم.
سرداب المصلى: هو السرداب الوحيد من أصل 6 لا يحتوي على أي عظام أو جماجم.
سرداب الجماجم: ويحتوي فقط على مجموعة من الجماجم المرصوصة والمزينة على الجدران.
سرداب الحوض: وفيه عظام الحوض للهياكل البشرية.
سرداب العظام: وفيه تُعرض عظام الساق والفخذ على الجدران.
سرداب الهياكل العظمية الثلاثية: يحوي على هيكل عظمي يرمز إلى الحياة ويحمل بيده اليمنى منجلاً يرمز إلى الموت الذي سيحصد جميع الأرواح وبيده اليسرى ميزاناً ويرمز إلى الأعمال الصالحة التي سيحاسب الله عليها البشرية، كما تحتوي على لوحة مكتوبة بعدة لغات معناها: "ما نحن عليه اليوم ستكون عليه أنت في الغد".
كنيسة الجماجم في بولندا
تقع كنيسة كابليتزا جنوب غرب بولندا قرب الحدود التشيكية، وبنيت في الربع الأخير من القرن الثامن عشر.
وتزين جدران وأسقف الكنيسة آلاف الجماجم والعظام البشرية لأشخاص لقوا حتفهم خلال حرب الثلاثين عاماً التي مزقت أوروبا من 1618 وحتى 1648 بين ولايات هابسبورغ التي ضمت بشكل أساسي الإمبراطورية الرومانية والإمبراطورية الإسبانية والرابطة الكاثوليكية وبولندا وبين الدول المناهضة لمملكة هابسبورغ، والتي ضمت السويد وفرنسا وإنكلترا وإسكوتلندا وساكسونيا، بدعم من روسيا القيصرية.
إضافة لأشخاص لقوا حتفهم بسبب الأمراض مثل الكوليرا والطاعون والزهري والجوع.
قصر العظام في النمسا
يقع قصر العظام داخل كنيسة سانت مايكلز في قرية هالستات وسط النمسا، وتحوي على أكثر من ألف و200 جمجمة بشرية تزين الكنيسة.
حيث تم رسم التيجان والورود والرموز فوق تلك الجماجم وعرضها في أنحاء الكنيسة.
وبدأت تلك العادة الغريبة بجمع الجماجم في القرن الثاني عشر من مقبرة صغيرة على ضفاف البحيرة الواقعة في القرية، حيث كان يتم دفن الجثث مدة 10 إلى 15 عاماً، وبعدها تُخرج الجماجم لتترك تحت الشمس لتصبح بيضاء كالعاج.
ثم تؤخذ إلى الكنيسة وتوضع في صفوف متراصة على الرفوف إلى جانب الشموع والصلبان.
كنيسة سوشتر بألمانيا
تقع كنيسة سوشتر في شمال شرق مدينة ميونخ الألمانية، وتحوي على نحو 60 جمجمة بشرية مزينة ومزخرفة وموضوعة على أحد الرفوف الخشبية في الكنيسة التي يعود تاريخ بنائها إلى القرن الخامس عشر.
ولا يعرف تاريخ وضع هذه الجماجم في الكنيسة، أما الهدف منها فهو تذكير المصلين بأن الحياة ستزول، وسيصبحون مثل تلك الجماجم.