العنصرية التي يحبها الغرب.. “المستضعفون” رواية يجب أن تُقرأ

عربي بوست
تم النشر: 2020/07/14 الساعة 11:27 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/07/14 الساعة 11:29 بتوقيت غرينتش
العنصرية التي يحبها الغرب.. "المستضعفون" رواية يجب أن تُقرأ - GettyImages

في روايته الأولى تطرق الكاتب المصري عبدالحليم جمال للحديث عن العنصرية، بوجهها القبيح، الذي يمس العرب والمسلمين في الغرب. 

العنصرية قاتلة، النبذ والإشارة، دائماً، بأصابع الاتهام نحو كل عربي ومسلم مع كل حادث إرهابي يعد ظلماً فادحاً وتعميماً مرفوضاً. 

على مدار العقدين الماضيين، تم تصميم قوالب جاهزة لتفسير التفجيرات وأحداث العنف في الغرب. وتم تحديد هوية واضحة مرفقة بصورة مصممة بدقة لمرتكبي تلك الأفعال.
المهاجر أو العربي المسلم هو المتهم الأول، والقالب هو الإرهاب، وذلك دون التمحيص وتحري الدقة بشكل كاف في كل حادثة. بالطبع لا أنكر أن إعلان الجماعات المتطرفة مسؤوليتها عن تلك الحوادث يعد سبباً لتخوف العالم الغربي من المهاجرين العرب والمسلمين، ولكن هذا ليس سبباً كافياً لإدانة كافة العرب المقيمين في الخارج بالإرهاب وليس مبرراً مقنعاً لانتشار ظاهرة "الإسلاموفوبيا". 

منذ نشأة تلك الجماعات وحتى وقتنا الحالي يتم استخدام فزاعة الجماعات الإرهابية لممارسة القمع تجاه كل من هو مختلف عن أبناء البلاد الغربية، ساهمت تلك الجماعات في تشويه الدين وتحميله ذنوب من يدعون اعتناقه، متناسين أن جوهر كل الأديان هو التسامح والمحبة والتعايش دون قتل أو ترهيب لأي شخص مهما كان انتماؤه.

"كان كتوماً، كان يحب التفرد بنفسه في الظلام، كان يرفض إبداء حزنه أمام الجميع، دائماً ما ميزته تلك الابتسامة المرسومة علی وجهه حتی ولو كانت تخفي الكثير من الآلام".

في رواية "المستضعفون" التي تدور أحداثها في إسبانيا يروى الكاتب عبدالحليم جمال بطريقة الروائي العليم  بأبطاله، دكتور عبدالقادر الوديدي المحاضر بجامعة ألكالا بمدريد وهو أحد أفراد الفريق الذي قام باستنساخ النعجة دولي في عام 1996 قبل أن يتم استبعاده من الفريق فيما بعد، وابنيه الكاتب محمد الوديدي الذي نشأ وسط مجتمع ينبذه لأصوله العربية وديانته الإسلامية، وسعيد الوديدي لاعب كرة السلة في فريق ريال مدريد.

فجأة تنقلب حياتهم رأساً علی عقب بسبب ذنب قديم اقترفه والدهم.

"أن تكون إرهابياً ليس بالأمر السيئ يا بني، لكن الأسوأ هو أن تتهمك بالإرهابي وبنفس الوقت يقتلك الإرهاب ويُحيل جسدك أشلاء. أي أنك المجرم وفي الوقت نفسه من نُفذت ضده الجريمة، أنت صاحب العقار وأنت من أضرمت به النار. أنت قاتل وفي الوقت نفسه مقتول".

تأتي تلك الكلمات على لسان عبدالقادر الوديدي لابنه محمد بعدما ترفض صديقته وجارته الطفلة اللعب معه، والسبب لأنه مسلم إرهابي.

يسرد الكاتب ما يحدث لأبطاله، لحظة بلحظة، وينتقل برشاقة بين أبطاله، راصداً كل تحركاتهم ومشاعرهم، مخاوفهم وأحاديثهم بينهم، وبين أنفسهم. وذلك في سرد مميز شيق يعد من أبرز عوامل تميز هذا العمل من الناحية الأدبية. استطاع الكاتب أن يسرد حكاية طويلة مكونة من "360" صفحة دون أن يجعل الملل يتسلل إليك، على طريقة الأديب العالمي غابرييل ماركيز وكتاب أمريكا الجنوبية عامة في سرد ووصف أدق التفاصيل، بداية من لون الستائر والسجاد وصولاً لأدق التفاصيل المحتجبة في قلب البطل.
ينتقل الكاتب بين الشخصيات محافظاً علی سلطته كراوٍ عليم، لم يخطئ ولم يضيع البوصلة بين الشخصيات، كان منتبهاً لكل بطل وما يشعر به، واستخدم مفردات عربية رصينة وقوية، لا يجزع منها الهاوي ولا يستخف بها المتمرس. الأحداث تبدأ برتابة، حكايات عادية عن عرب مهاجرين، ثم يبدأ اللغز، ما سر اختطاف عبدالقادر الوديدي وإيداعه في سجن "لاساريتا" بتهمة بلا إدانة.

 ما السر الذي يجعل هذا العالم متهماً في حادث إرهابي يُسجن بسببه، ويتحول إلى الإرهابي "أبو بكر الغازي"!

وما الذي قد يحول أشخاصاً هادئين ومتحضرين مثل محمد الوديدي أو سعيد الوديدي لرجال لا يبغون إلا الرغبة في القتل والانتقام لأحبابهم الذين قتلوا غدراً!

الرواية الصادرة في عام "2019" عن "دار اكتب" للنشر والتوزيع تشهد انطلاقة حقيقية لقلم عبدالحليم جمال الشاب الذي جسر على خوض معركة مع نص روائي كهذا باستخدام لغته العربية المنضبطة ومعلوماته عن إسبانيا التي يبدو وكأنه أحد أبنائها، حيث وصف بعض الأماكن ببراعة ودقة متناهية.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
سيد عبدالحميد
كاتب مقالات وقصص قصيرة
كاتب مقالات وقصص قصيرة
تحميل المزيد