"سُرق من إفريقيا وأُحضر إلى أمريكا"، قاتل فيها عند الوصول ليفوز بحرب لا علاقة له بها، بهذه الكلمات وصف المغني الجامايكي بوب مارلي الجنود الجواميس أو البافلو، وهم جنود أمريكيون من أصل إفريقي تم استحضارهم إلى أمريكا في القرن التاسع عشر. فما هي قصتهم؟ ولماذا يوصفون بالجواميس؟
في عام 1866، أُنشئت 6 أفواج من الفرسان والمشاة السود بعد إقرار الكونغرس قانون تنظيم الجيش، خدم الجنود الجاموس على الحدود الغربية بعد الحرب الأهلية الأمريكية.
وكانت مهمتهم الرئيسية هي المساعدة في السيطرة على سكان أمريكا الأصليين المقيمين بالسهول (أو ما يُعرف بالهنود الحمر)، والقبض على لصوص الماشية واللصوص بشكل عام، وحماية المستوطنين وعربات الخيول والقطارات وأطقم السكك الحديدية على طول الجبهة الغربية.
من هم الجنود الجواميس؟
أطلق الأمريكيون الأصليون هذا اللقب على هذه الأفواج العسكرية، ومن غير المعروف على وجه اليقين السبب، بحسب ما أشار إليه موقع History الأمريكي.
تدَّعي إحدى النظريات أن اللقب مُستوحى من شَعر الجنود الداكن المجعد، الذي يشبه فراء الجاموس.
وتفترض أخرى أن الجنود قاتلوا ببسالة وشراسة لدرجة أن الهنود كانوا يقدّسونهم كما فعلوا مع الجاموس العظيم.
لكن أياً كان السبب، ظل الاسم موجوداً، وأصبح اسم أفواج الأمريكيين الأفارقة التي تشكلت في عام 1866، ومن بينها المشاة 24 و25 (التي تكونت من أربعة أفواج): الجنود الجاموس.
مهمة فوج الفرسان التاسع
في أغسطس/آب وسبتمبر/أيلول من عام 1866، حُشِدَ سلاح الفرسان التاسع في نيو أورليانز بولاية لويزيانا.
وقضى الجنود الشتاء في التنظيم والتدريب حتى أُمروا بالتحرك إلى سان أنطونيو بولاية تكساس في أبريل/نيسان 1867. وهناك انضم إليهم معظم ضباطهم وقائدهم العقيد إدوارد هاتش.
كان تدريب الجنود عديمي الخبرة غير المتعلمين الذين كانوا في الغالب أعضاء قوة الفرسان التاسعة، مهمة صعبة.
لكن الفوج كان جاهزاً وعلى استعداد لمواجهة أي شيء حينما أُمِرَ بالتحرُّك نحو المناطق المفتوحة غير المستقرة في غرب تكساس.
كانت المهمة الرئيسية للجنود هي تأمين الطريق من سان أنطونيو إلى إل باسو، واستعادة النظام وحفظه في المناطق التي اضطربت بسبب الأمريكيين الأصليين، الذين كان كثيرٌ منهم محبطاً من حياة المحميات الهندية وتخلُّف الحكومة الفيدرالية عن الوفاء بوعودها.
وكُلِّفَ الجنود السود، الذين عانوا أشكالاً من التمييز ضدهم من الحكومة الأمريكية، بتهجير أقلية أخرى باسم الحكومة ذاتها.
مهمة فوج الفرسان العاشر
كان مقر فوج الفرسان العاشر في مدينة فورت ليفينورث بولاية كانساس، وقاده العقيد بنيامين غريرسون.
كان الحشد بطيئاً، ويرجع ذلك جزئياً إلى رغبة العقيد في الرجال الحاصلين على قدر أكبر من التعليم ضمن الفوج، وجزئياً بسبب تفشي الكوليرا في صيف عام 1867.
وفي أغسطس/آب 1867، أُمر الفوج بالتحرك إلى فورت رايلي بكانساس، لحماية سكك المحيط الهادئ الحديدية، التي كانت تحت الإنشاء في ذلك الوقت.
وقبل مغادرة فورت ليفينورث، واجهت بعض القوات مئات من أبناء قبيلة الشايان في معركتين منفصلتين.
وبدعم من فوج المشاة الثامن والثلاثين، الذي دُمج لاحقاً في فوج المشاة الرابع والعشرين، تصدى فوج الفرسان العاشر للهنود المعادين.
لم يفقد سلاح الفرسان سوى رجلٍ واحد وعدة خيول، رغم معداته الرديئة وعدده الأقل بكثير. لكنها كانت مجرد معركة واحدة من سلسلة معارك مقبلة.
الحروب الهندية
شارك كل من فوجي الفرسان التاسع والعاشر في مئات المناوشات والمعارك الأكبر خلال فترة الحروب الهندية، عندما أصبحت أمريكا مهووسة بالتوسع غرباً.
فعلى سبيل المثال، كان سلاح الفرسان التاسع حاسماً في نجاح حملةٍ مدتها ثلاثة أشهر متواصلة، تُعرف باسم حرب النهر الأحمر ضد شعب الكيواس، والكومانتش، والشايان والأراباهو.
ولم يُرسل فوج الفرسان العاشر للانضمام إليهم في تكساس إلا بعد هذه المعركة.
وبحلول عام 1880، كان فوجا الفرسان التاسع والعاشر قد حاصرا مقاومة هنود ولاية تكساس، وأُمر سلاح الفرسان التاسع بالتحرك إلى الإقليم الهندي في أوكلاهوما الحالية، لكن للمفارقة كانت مهمته هذه المرة منع المستوطنين البيض من الاستقرار بشكل غير قانوني في الأراضي الهندية.
واستمر فوج الفرسان العاشر في إبقاء الأباتشي تحت السيطرة حتى أوائل تسعينيات القرن التاسع عشر حينما انتقل إلى مونتانا لإلقاء القبض على شعب الكري.
كان ما يقرب من 20% من قوات الفرسان الأمريكية التي شاركت في الحروب الهندية من الجنود الجواميس، الذين شاركوا في 177 نزاعاً على الأقل.
حماية الحدائق الوطنية
تصدى الجنود الجواميس لحرائق الغابات والصيادين في متنزهات يوسمايت وسيكويا الوطنية، ودعموا البنية التحتية للمتنزهات.
وفقاً لخدمة الحدائق الوطنية، استقر الجنود الجاموس في مركز بريسيديو العسكري بسان فرانسيسكو خلال فصل الشتاء، وخدموا في دور الحراس بحديقة سييرا نيفادا في الصيف.
الجنود الجواميس في صراعات أخرى
في أواخر تسعينيات القرن التاسع عشر، مع تسوية أغلب "المشكلة الهندية"، توجه فوجا الفرسان التاسع والعاشر وفوجا المشاة الرابع والعشرون والخامس والعشرون إلى فلوريدا في بداية الحرب الإسبانية الأمريكية.
وحتى في مواجهة العنصرية الصارخة والظروف المناخية البشعة، اكتسب الجنود الجاموس سمعة بخدمتهم بشجاعة. فقد قاتلوا ببطولة في معركة تل سان خوان ومعركة إل كاني ومعركة لاس جواسيماس.
وخدم فوجا الفرسان التاسع والعاشر بالفلبين في أوائل القرن العشرين. وعلى الرغم من إثبات قيمتهما العسكرية مرة بعد مرة، استمر التمييز العنصري ضدهم.
وخلال الحرب العالمية الأولى، أُبعدوا بشكل كبير للدفاع عن الحدود المكسيكية.
في عام 1940، دُمج الفوجان في فرقة الفرسان الثانية، وتلقيا تدريباً على الانتشار والقتال وراء البحار خلال الحرب العالمية الثانية.
وسُرِّح الفوجان في مايو/أيار 1944.
مارك ماثيوز
في عام 1948، أصدر الرئيس هاري ترومان الأمر التنفيذي رقم 9981 الذي يقضي على الفصل العنصري في القوات المسلحة الأمريكية. وعلى أثر ذلك، حُلت آخر وحدات السود بالكامل خلال الخمسينيات.
وفي عام 2005، توفي مارك ماثيوز، أقدم جندي جاموس يعيش بالبلاد، عن عمر يناهز 111 عاماً في واشنطن.
كان للجنود الجاموس أدنى الرتب العسكرية ومعدل فرار من الخدمة العسكرية والمحاكم العسكرية.
وفاز كثير منهم بميدالية الشرف المقدمة من الكونغرس، وهي جائزة تُقدم تقديراً للشجاعة القتالية التي تتجاوز وتتفوق على مجرد تلبية نداء الواجب.
إرث الجنود الجاموس
يمكن للزوار اليوم دخول متحف Buffalo Soldiers الوطني في هيوستن بتكساس، وهو متحف مخصص لتاريخ خدمتهم العسكرية.
وقد خلّد بوب مارلي وفرقة ذا ويرليرز تلك المجموعة في أغنية الريغي "Buffalo Soldier"، التي سلطت الضوء على السخرية من أن العبيد السابقين وأحفادهم "الذين أُسروا من إفريقيا" هم مَن استولوا على أراضي الأمريكيين الأصليين لصالح المستوطنين البيض.