تحول مشهد إلقاء تمثال تاجر الرقيق إدوارد كولستون في بريطانيا على يد محتجين غاضبين ضد العنصرية، إلى أيقونة الاحتجاجات الأوروبية والحدث الأبرز في الحراك الذي عصف بعدة دول غربية على رأسها الولايات المتحدة، احتجاجاً على مقتل الأمريكي الأسود جورج فلويد.
فمن هو تاجر الرقيق إدوارد كولستون، ولماذا نصبت بريطانيا تمثاله رغم نبذها العنصرية منذ العام 1833، عبر إقرار قانون إلغاء الرق الذي حررت بموجبه 800 ألف عبد؟
من هو إدوارد كولستون؟
إدوارد كولستون هو تاجر رقيق إنكليزي فاحش الثراء عاش في القرن السابع عشر، كان شريكاً في الشركة الإفريقية الملكية التي كانت تنقل الأفارقة إلى أمريكا للاتجار بهم واستعبادهم.
وترجح تقارير أنه مسؤول عن نقل أكثر من 80 ألف رجل وامرأة عبر المحيط الأطلسي.
كان إدوراد كولستون عضواً في البرلمان وممولاً كبيراً للأعمال الخيرية.
ولد في مدينة بريستول البريطانية في 2 نوفمبر/تشرين الثاني 1636، لعائلة معروفة بتجارة النبيذ والفاكهة والمنسوجات، تحديداً في إسبانيا والبرتغال ومرافئ أوروبية أخرى.
في العام 1689، شغل منصب نائب حاكم الشركة الإفريقية الملكية التي لعبت دوراً كبيراً في إدارة وتسهيل تجارة الرقيق، ولا توجد تقارير أو وثائق للأرباح المهولة التي جناها من هذه التجارة.
تشير التقديرات إلى أن الشركة نقلت حوالي 84000 رجل وامرأة وطفل إفريقي، تم بيعهم كعبيد من غرب إفريقيا ونقلهم قسراً إلى جزر البحر الكاريبي ليتم توزيعهم على القارة الأمريكية.
مات منهم 19000 في رحلتهم عبر المحيط، نظراً للظروف السيئة في سفن النقل.
وتم بيع من وصل منهم أحياء كعمالة زهيدة للعمل في مزارع التبغ والسكر والقطن، إذ اعتُبر المزارعون الأفارقة أكثر ملاءمة للعمل في تلك الأجواء المناخية الحارة من الأوروبيين الفقراء.
استخدم كولستون الأموال التي جناها من تجارة الرقيق ليؤسس مدارس ومستشفيات وكنائس ومشاريع أخرى في مدينته بريستول، وهو السبب الذي يفسر تسمية شوارع ومدارس ومعالم عدة باسمه في المدينة.
وعندما توفي كولستون (عام 1721)، أوصى أن تكون ثروته لصالح الأعمال الخيرية، لكن تلك الأعمال الخيرية لم تشفع في نهاية المطاف للممارسات العنصرية والأليمة التي ارتكبها بحق الإفريقيين، حتى بعد 300 عام من وفاته.
مطالبات فاشلة لإلغاء اسمه
ومنذ التسعينيات دعت عدة حملات إلى إزالة التمثال، واصفة إياه بأنه تذكار مشين بالنظر إلى استفادة كولستون من تجارة الرقيق.
في عام 2018، طالب النائب عن حزب العمال في بريستول ويست ثانجام ديبونير مجلس مدينة بريستول بإزالة التمثال دون جدوى.
ويبدو أن حادثة وفاة فلويد كانت القشة الأخيرة.
إزالة وصمة العار
وعلق المتظاهرون يوم الأحد 7 حزيران/يونيو 2020، الحبال على التمثال البرونزي بطول 5.5 متر، والذي وقف في شارع كولستون منذ عام 1895، كنصب تذكاري لأعماله الخيرية قبل أن يتم سحبه للأسفل وإيقاعه أرضاً، ثم ألقوه في نهر أيفون.
وأظهرت صور وفيديوهات تم تناقلها على وسائل التواصل الاجتماعي كيف ركع المتظاهرون على رقبة التمثال لمدة 8 دقائق، في إعادة تمثيل لطريقة وفاة المدني الأعزل جورج فلويد في مدينة مينيابوليس الأمريكية في 25 مايو/أيار 2020 على يد شرطي أبيض.
ويطلق اسم إدوارد كولستون على أكثر من 10 مبانٍ ومدارس ابتدائية وثانوية وحتى جمعيات خيرية. بل سمي خبز محلي على اسمه أيضاً.
ومنذ 2017، تم تغيير بعض أسماء هذه المدارس والمعالم بالتدريج.
جونسون: "إزالة التمثال عمل إجرامي"
المتحدث باسم رئيس الوزراء بوريس جونسون وصف إسقاط التمثال بأنه فعل إجرامي.
وقال "يتفهم رئيس الوزراء قوة الشعور حيال هذه القضية. لكن لدينا في هذا البلد.. عمليات ديمقراطية يمكنها حل هذه الأمور".
لكن المؤرخة كيت وليامز كتبت على تويتر أن "لمن يقولون إن على السلطات رفع التماثيل بعد نقاشات. نعم. لكن هذا لا يحدث".
وتضيف "يدور جدل في بريستول بشأن إدوارد كولستون منذ سنوات دون الوصول إلى نتيجة".
"إهانة شخصية" لعمدة المدينة الأسود
بدوره قال رئيس بلدية بريستول مارفين ريس إنه لا يؤيد الاضطرابات الاجتماعية، لكن المجتمع يخوض قضايا معقدة ليس لها حلول مزدوجة.
وأضاف ريس الذي ينحدر من أصول جامايكية "لن أدعي أبداً أن وجود تمثال لتاجر رقيق في وسط بريستول، حيث نشأت، لشخص ربما امتلك أحد أجدادي، يمكن أن يكون إلا إهانة شخصية لي".
وقالت شرطة بريستول إنها اتخذت قراراً تكتيكياً بعدم التدخل حتى لا تتفاقم الفوضى.
بعد إزالة التمثال، صدرت عريضة تطالب بإقامة تمثال لعامل أسود شاب اسمه بول ستيفنسون في مكانه.
كان لستيفنسون دور فعال في حركة مقاطعة باصات بريستول عام 1963 لمناهضة العنصرية، من وحي المقاطعة التي حصلت في ولاية ألاباما في الولايات المتحدة بدعوى من مارتن لوثر كينغ آنذاك.