يعتبر يوم الحزن الشركسي، أو كما يسمى أيضاً يوم الحداد، الذي يصادف 21 مايو/أيار، ذكرى أليمة تعيش مع شعوب القوقاز كافة، ففي هذا اليوم انتهت حربهم الطويلة التي استمرت ما يزيد على 100 عام مع روسيا القيصرية، حاربوا وقاوموا فيها ببسالة وشجاعة قبل أن يخسروا أرضهم، ويتم تهجير مَن تبقى منهم على قيد الحياة قسرياً باتجاه الدولة العثمانية.
مَن هم الشركس؟ وأين تقع بلادهم؟ وما عاداتهم؟ وأين يتواجدون حالياً؟
يوم الحزن الشركسي
يعدُّ الشركس من شعوب بلاد القوقاز الأصلية، وهم أحد أقدم الشعوب التي دخلت الإسلام في أوروبا، يحدّ بلادهم من الشمال روسيا، ومن الجنوب تركيا، ومن الغرب البحر الأسود، والشرق بحر قزوين.
ويطلق اسم شركس على كل الشعوب التي تسكن شمال القوقاز من أديغة وشيشان وداغستان وأبخاز، لكن شعب الأديغة بقبائله الـ 12، يعد بمثابة الوطن الأم لشعوب الشركس.
بين عامي 1763 و1864 شهد شمال القوقاز حرباً استمرت 101 عام بين الروس وشعوب المنطقة، وصنفت تلك الحرب باعتبارها من أكثر الحروب دموية على مر التاريخ.
والسبب الأساسي لاندلاع هذه الحرب هو أهمية موقع القوقاز، إذ تعتبر المنطقة صلة وصل بين القارتين الآسيوية والأوروبية، وبوابة عبر منها المهاجرون نحو الغرب، كما انتقلت عبرها الحضارات بين الشمال والجنوب والشرق والغرب. كما شكلت طريقاً تجارياً آمناً بين الهند والصين إلى أوروبا، وذلك قبل أن يبدأ الأوروبيون بالإبحار عن طريق رأس الرجاء الصالح وشقّ قناة السويس.
بالإضافة إلى الموقع الجغرافي المميز، تنتشر في القوقاز الغابات والسهول، وتساعد الأمطار الوفيرة على زراعة المحاصيل على أنواعها، فضلاً عن الثروات الباطنة من البترول والغاز.
وأصبحت سياسة روسيا القيصرية أكثر صرامة، شمال القوقاز، في القرن التاسع عشر. وتحولت مع مرور الوقت إلى حرب ضد شعوب هذه المنطقة
وفي يوم 21 مايو/أيار 1864 شهدت منطقة وادي كبادا آخر معركة بين الشركس وروسيا القيصرية، وبالتالي تحول هذا التاريخ إلى يوم الإعلان عن بداية مرحلة جديدة بالنسبة للشركس وشعوب القوقاز المسلمة، وبات يسمى يوم الحزن الشركسي.
راح ضحية هذه الحرب الطويلة أكثر من 500 ألف قتيل من سكان القوقاز، فضلاً عن تهجير مئات الآلاف من الشركس وغيرهم من شعوب المنطقة، وأصبحت نسبة الشركس الذين يعيشون بالخارج حوالي 80% من تعداد الشعب الأصلي، وبعد انهيار الاتحاد السوفييتي في عام 1991 تشكلت فيدرالية روسية ضمت الجمهوريات الشركسية ذات الحكم الذاتي.
أين يعيش الشركس؟
بعد نهاية الحرب الروسية-الشركسية بدأت هجرة الشركس من شمال القوقاز باتجاه الدولة العثمانية ومنها إلى مناطق سيطرتها في الأردن التي كانت المحطة الأساسية لهم في بلاد الشام ومن ثم سوريا ولبنان وفلسطين.
ودخلت أول قبيلة شركسية إلى الأردن في عام 1878، واستمر تدفقهم خلال فترة الحكم العثماني فوصل عددهم آنذاك ما بين 15 إلى 17 ألف شركسي، مع العلم أن أكبر تواجد للشركس في الوطن العربي هو في الأردن.
فيما كانت بدايات دخول الشركس إلى فلسطين في عام 1878، وظلوا محتفظين ومتمسكين فيها بهويتهم وعاداتهم الخاصة، فتمركزوا في قريتي كفر كما شرق طبريا، والريحانية في الجليل.
كما استوطنت العديد من الأسر الشركسية خلال عمليات التهجير في مدن العراق؛ خاصة في الفلوجة، حيث كان أول من استوطنها الشركسي مصطفى إسماعيل وعائلته.
كما سكن الكثير الشركس في سوريا خاصة في القنيطرة، وحلب، ودمشق وحمص والرقة.
الأديغة خابزة وأصول تسمية "أديغة"
الأديغة هم أصل الشراكسة، وأكثرهم شهرة والتزاماً بالعادات والتقاليد الخاصة بهم التي تسمى "أديغة خابزة".
وكلمة أديغة اشتقت من كلمة "أتي-خه" وتحولت إلى "أديغي" والتي فسرتها بعض المصادر بمعنى النبيل، أو النجيب، أو الإنساني.
والأديغة خابزة هي قانون يعني منظم من أجل الحفاظ على القيم الأخلاقية والاجتماعية الشركسية المتعارف عليها، التي يتعلمها الشاب الأديغي خلال حياته ويتعلمها من الأفراد الأكبر منه ومن المعيب أن يقوم بأي عمل مخالف لها.
وللخابزة عند الشراكسة معانٍ مختلفة ومدلولات متنوعة، أهمها أنها تشكّل ضوابط سلوكية وقانونية وأخلاقية يخضع لها الحاكم والمحكوم والمحكمة.
من الناحية الاجتماعية تنظّم حياة الإنسان منذ اليوم الأول لولادته، وتضع ترتيباً له بدءاً من ملابسه الأولى وطرائق تربيته وتعليمه وتدريبه، ثم تتابعه حين يكبر.
تنظّم أمور الزواج والحياة العائلية حتى يهرم المرء ويموت، فهي بذلك تصل إلى العلاقات الإنسانية الحميمة لتنظيمها وضبطها وفق قواعد لا تجد إلا الاحترام.
التزم الأديغة منذ بدء تواجدهم بالقانون التراثي الذي يسمى "الأديغة خابزة"، ويعد بمثابة دستور متكامل يوثق العادات والتقاليد القديمة التي يقدسها الشركس.
ويحدد السلوكيات الاجتماعية التي تناسب أفراد ومجتمع الشركس، وينظم حياتهم اليومية، وكافة تعاملاتهم، ونقلوا هذا القانون معهم من القوقاز إلى البلاد التي هجروا إليها ولا يزالون يطبقونه ويعملون به حتى يومنا هذا.
الرقص الشركسي وأهميته
"من لا يعرف الرقص، لا يعرف كيف يحارب"، هو أحد الأمثال الشعبية التي توضح قدسيّة الرقص الشركسي لدى الأديغيين وحبهم له.
فقد ارتبط الشركس بالموسيقى والغناء والرقص منذ فترات بعيدة وقبل دخولهم الإسلام، أثناء عبادتهم الوثنية لرموز الطبيعة، فكانت الرقصات عادة تُعقد في حلقات حول المراكز المقدسة كبعض الأشجار أو أماكن ضرب الصواعق.
وظهرت في تلك الآونة بعض الأهازيج والصلوات الوثنية لتتماشى مع الرقصات، وتقدس بعض الأحداث كتقديم الأضاحي، واندلاع البرق، كما أصبح هناك أغنية ورقصة مخصصة لكل حدث مقدس كظاهرة البرق مثلاً كان لها أغنية ورقصة جماعية مخصصة لها.
مع مرور الوقت تطورت الأغاني والرقصات الشركسية فيما بعد لتصبح هدفها التسلية والاحتفال بعيداً عن الشعائر والاتجاهات الدينية.
فعلى سبيل المثال كانت رقصة الوج في البداية أكثر الرقصات قداسة، ويشكل فيها الراقصون دائرة حول الكائن أو الشيء المقدس، ولكنها تطورت فأصبحت رقصة للمناسبات والسهرات.
كما تقسم الأغاني الشركسية إلى أغنيات بطولية لسرد البطولات، وأخرى لتأريخ الأحداث، وأغنيات ارتبطت بالطقوس الشعائرية، كما توجد أغانٍ غرامية، وأغانٍ وظيفية تغنى في موسم الحرث والحصاد، وأغانٍ للزواج.
فكان هناك نوع خاص من الأغاني الملحمية المخصصة لوصف الآلهة ورموز الأساطير بعيداً عن التضرع والابتهال، وقد نشأ منها نوع خاص يعرف بأغاني ملاحم نارت، وتعتبر من أقدم الأغاني الشركسية وترتبط بالحكايات البطولية، والأخلاق الفاضلة كالصدق والشجاعة والنضال ضد الظلم.