يستمر فيروس كورونا في حصد أرواح عشرات الآلاف حول العالم، ولأننا في ظروف استثنائية تكون أجواء التغسيل والدفن والتأبين استثنائية أيضاً، وهنا يأتي السؤال؛ كيف يُغسل موتى المسلمين؟ وكيف يدفن الموتى حول العالم؟ وكيف تتعامل الطوائف المتدينة مع قرارات بعض الدول بحرق جثث الموتى أو دفنهم في مقابر جماعية؟ وما هي الإجراءات الصحية الأمثل لدفن ضحايا الفيروس؟ والأهم من ذلك هل تنقل جثث الموتى كورونا بالفعل؟ لنبرر تصرفات بعض المواطنين في رفض دفن جثث جيرانهم في مقابر المنطقة.
لنبدأ الإجابة من السؤال الأخير: هل تنقل الجثث فيروس كورونا؟
قبل عدة أيام انتشر خبر صادم في مصر، عن رفض أهالي قريتين بمحافظة الدقهلية (الدلتا) دفن طبيبة توفيت بفيروس كورونا، وذلك خوفاً من العدوى، واضطرت الشرطة لإطلاق غاز مسيل للدموع لتفريق الأهالي حتى تتمكن وزارة الصحة من دفنها. وهذا -لمن يتخيل- مشهد مرعب، طبيبة أشرفت على علاج مرضى الفيروس حرمت من أدنى حقوقها بعد الوفاة، وهو الدفن، رغم أنها كانت تستحق التكريم لأنها أفنت حياتها حرفياً من أجل حياة الآخرين، أو هكذا رأى رواد الشبكات الاجتماعية.
لكن السؤال هنا، هل ينقل الموتى فيروس كورونا؟ فبالتأكيد تكرر هذا المشهد في عشرات الدول بأشكال عدة، لذلك أوضحت منظمة الصحة العالمية رأيها العلمي بهذا الخصوص.
إذ أكدت منظمة الصحة أن المعلومات المتوفرة حتى الآن عن (كوفيد-19) تنفي أي احتمالية لأن تكون الجثث معدية، وقالت إنه "لم يثبت حتى الیوم أي دليل على إصابة أشخاص بالعدوى نتيجة التعرض لجثة شخص توفي بسبب الإصابة بالفيروس، لا سيما مع اتخاذ إجراءات الوقاية اللازمة من قبل الأفراد المتفاعلين بصورة مباشرة مع جثة المتوفى".
لكن منذ انتشار كورونا وحتى نشر هذا الإعلان اختلفت طرق دفن الموتى حول العالم، وهنا نستعرض أبرز الأساليب التي اتخذتها الدول لدفن ضحايا كورونا، والتي تنوعت ما بين الحرق والدفن في مقابر جماعية واستبدال تغسيل الموتى المسلمين بالتيمم، فيما اتخذت دول أخرى إجراءات لتعقيم وتغليف الجثة لا تحول دون إتمام مراسم الدفن المعتادة.
دفن بلا غُسل للمسلمين في الغرب
تنص الشريعة الإسلامية على غسل الميت بالماء ولفه في كفن والصلاة عليه قبل دفنه، وذلك في غضون 24 ساعة من وفاته، لكن هذا الأمر لم يعد ممكناً في أمريكا مع توقف بعض الولايات عن غسل الميت، لذلك لجأ المسلمون هناك إلى التيمم، حيث يلفون المتوفى في كيس بلاستيك ثم ينظفونه بالرمل أو الغبار.
أما بالنسبة للجنازة فقد أصبحت تقام بعدد محدود من أقارب المتوفى مع مراعاة المسافات الاجتماعية الآمنة وارتداء الكمامات الطبية، وذلك بعدما نصحت الحكومة الفيدرالية بعدم تجاوز التجمعات العامة 10 أشخاص، وبدأ العاملون في المقابر الأمريكية في منع حضور مراسم الدفن لأكثر من 4 أشخاص.
فيما استبدلت الجنازات بحضور بث مباشر على الإنترنت وصلاة الغائب، إذ سمح مجلس الفقه في أمريكا الشمالية ببث مراسم الجنازات على الإنترنت، وإمكانية أداء صلاة الغائب إذا كان الميت متواجداً في بلد آخر، وفق تقرير صحيفة Middle East Eye البريطانية.
في إيطاليا، حيث تعمل المحارق بمعاونة الجيش على إحراق عشرات الجثث المتراكمة على مدار الساعة، اتبع المسلمون هذه الطريقة لدفن موتاهم، إذ شرح وحيد عاريض، وهو أحد أفراد الجالية المسلمة في إيطاليا، ويترأس مؤسسة لدفن الموتى المسلمين لـ"عربي بوست" كيف يقوم شخصان معه بتعقيم وتكفين الجثث.
إذ قال: "لا يمكنني أنا واثنين من مساعديَّ في الوكالة أن نقوم بتجهيز الجثامين إلا بعد ارتداء اللباس الواقي وزوج من القفازات، لنقوم بالتكفين على الطريقة الإسلامية، وبعدها نمسح على الجثمان بنية التيمم"، وتحدث عن النقاشات الطويلة التي خاضوها مع المسؤولين لبيان أهمية التغسيل بالنسبة للمسلمين، لتسمح لهم السلطات باستلام بعض الجثث داخل أكياس بلاستيكية لا يسمح لهم بفتحه.
خطط لحرق الجثث، وللمسلمين حق الاختيار.. لكن ليس دائماً
خططت المملكة المتحدة لحرق جثث ضحايا كورونا إذا استمر معدل الوفيات في الارتفاع بسبب المرض وذلك عبر قانون أقره مجلس العموم البريطاني (البرلمان)، لكنها أصدرت تعديلاً بعد اعتراض المسلمين واليهود، وعدلت صيغته لتصبح بناء على طلب المتوفى قبل موته (الوصية) أو وفقاً لمعتقده الديني.
لكن في دول أخرى مثل سريلانكا، لم يكن للمسلمين هذا الحق في الاختيار، ففي مطلع أبريل/نيسان أوردت صحيفة "ديلي فايننشال تايمز" السريلانكية أن الحكومة أصرت على حرق جثث المسلمين بغض النظر عن مطالبات القادة المسلمين الدينيين والسياسيين بالسماح بدفن موتاهم بناء على قانون حرية المعتقد الذي تضمنه الدستور السريلانكي، وقد حرقت بالفعل جثتين في الرابع من هذا الشهر، وذلك بعد إلغاء مفاجئ لبند تعميم صدر قبل أسبوع فقط من هذا التاريخ، كان يعطي خيار الدفن أو الحرق، ليقتصر على الحرق فقط.
إحراق الجثث: خطة بدأت من الصين وتبعتها دول أخرى
الصين كانت أول من اتخذ هذا الإجراء مطلع فبراير/شباط 2020، وأصدرت لوائح تنص على وجوب إحراق جميع الضحايا في أقرب منشأة، ونصت على أنه "لا تجوز إقامة مراسم جنائزية أو غيرها من الأنشطة الجنائزية التي تنطوي على وجود الجثة المصابة بالفيروس" كإجراء لمنع احتمال انتقال الفيروس، ثم اتبعتها دول أخرى مثل إيطاليا وبعض ولايات أمريكا وكوريا الشمالية وحتى إيران في مرحلة ما.
في الصين، أوصت اللجنة الصحية بالتعامل مع وفيات كورونا كالتالي:
- تطهير الطاقم الطبي في المنشأة التي كان يعالج فيها المريض لرفاته والإغلاق عليه بإحكام، ويحظر فتحها بمجرد الإغلاق.
- يصدر الطاقم الطبي شهادة وفاة ويخطر أسرة المتوفى، بينما يجري الاتصال بمرفق خدمات الجنازة المحلي.
- يستلم موظفو خدمات الجنائز الجثة ثم يسلمونها إلى المنشأة ذات الصلة لإحراق الرفات فوراً، بعد ذلك تصدر شهادة حرق جثث.
المقابر الجماعية كانت حلاً في بعض الأحيان
قبل أيام، وتحديداً في 7 أبريل/نيسان، أظهرت لقطات مصورة عن طريق طائرة مسيّرة حفر خندق كبير لدفن الجثث في جزيرة هارت التابعة لولاية نيويورك لدفن جثامين قتلى فيروس كورونا من الولاية فيها، وذلك بسبب الأعداد الكبيرة لعدد القتلى.
ماذا عن إيران؟ لا سياسة واحدة لدفن الموتى
المشهد السابق للمقابر الجماعية تكرر في إيران في منتصف مارس/آذار، بعد نشر صحيفة "واشنطن بوست" صوراً قالت إنها لمقابر جماعية في مدينة قم الإيرانية التقطت عبر الأقمار الصناعية، ولفتت "إلى ظهور خندقين بطول 92 متراً من المقبرة المذكورة يمكن رؤيتهما من الفضاء".
لكن بعد ذلك انتشرت صور ومقاطع فيديو أخرى قيل إنها من إيران، بعضها يظهر طواقم طبية تدفن الجثث الملفوفة بغطاء بلاستيكي في حفرة تبدو أكثر عمقاً من القبور عادية دون حضور ذويهم، ثم صور أخرى تظهر متطوعات لتغسيل الموتى على الشريعة الإسلامية وهن يرتدين ملابس كتب عليها "إذا لم تكن لديك شجاعة الأسود، لا يمكنك الشروع في رحلة الحب"، وكذلك صور لعشرات الجثث الملقاة على الأرض، وبدا المشهد متخطباً بشأن وجود سياسة واحدة متبعة في كل إيران لدفن موتى الفيروس.
أما رسمياً، فقد أكد مسؤولون إيرانيون أن الطواقم الطبية تتخذ بروتوكولات صحية لدفن الموتى تتضمن عدم تسليم الجثث للأهالي، ودفنهم في مقابر مخصصة لوفيات كورونا بعيداً عن المقابر المعتادة، دون تغسيلها أو إخراجها من الغطاء، ثم أكدت بعض وسائل الإعلام الإيرانية تطبيق البروتوكول مع عدم وجود مانع لدى السلطات الطبية من أن يلقي ذوو الضحايا النظرة الأخيرة على الجثمان في المستشفى وذلك بعد اتخاذهم تدابير صحية دون لمس الجثمان.
وعلى الصعيد الديني فكان المشهد غير موحد أيضاً، فرغم فتوى دار الإفتاء السنية بمحافظة كردستان غربي إيران على سبيل المثال بجواز الدفن دون تغسيل أو تكفين، أفتى المرشد الإيراني الأعلى آية الله علي خامنئي بمراعاة أقل الواجب فيما يخص تغسيل وحنوط وتكفين وإقامة صلاة الميت (الجنازة) على وفيات كورونا، وإن تعذر ذلك بسبب سرعة انتشار الفيروس فلا بد من تيممها بدلا من الغسل وحنوطها وتكفينها ولو من وراء الغطاء ثم دفنها.
مصر: دفن في كيس بلاستيكي
في منتصف مارس/آذار، أعلنت وزارة الصحة والسكان المصرية إجراءات الدفن التي تتضمن نقل المتوفى لتغسيله بمعاونة أشخاص يرتدون أقنعة طبية وقفازات وعباءة عازلة سميكة ونظارة واقية وحذاء بلاستيكياً لنقله من المستشفى، مع الالتزام بإجراءات غسل اليدين، فيما يمنع اقتراب أقاربه لتوديعه لمسافة أقل من متر واحد بعد اتباع التعليمات نفسها.
تلف الجثة بعدها داخل كيس غير منفذ للسوائل، وتوضع عليها علامة خطر الإصابة بالعدوى، وتنقل في صندوق قابل للتعقيم عبر سيارة إسعاف للمقابر، ولا يسمح بركوب السيارة إلا لأفراد الإسعاف وشخص واحد من أقارب المتوفى بعد اتخاذ الإجراءات الصحية نفسها، ولا يفتح الصندوق إلا في المقابر لدفن المتوفى مع مراعاة ارتداء الواقيات الطبية، أما بالنسبة لصلاة الجنازة فتتم دون حضور الجثمان، فيما يشترط تطهير جميع الأشياء الشخصية التي لامسها المتوفى.
لكن يبدو أن هناك مادة كيميائية تستخدم قبل التكفين، فقبل أيام، أشار كبير الأطباء الشرعيين أيمن فودة عبر القناة الأولى المصرية أن قواعد وزارة الصحة تشمل "تغسيل المتوفى بمحلول الفورمالين 10% ووضع بعض الفحم النباتي داخل كيس محكم، ومن ثم يتم تطهير المقبرة ودفن المتوفى وتظل المقبرة مغلقة لمدة 60 يوماً".
فرق مخصصة للتغسيل والدفن في تونس والسعودية
تتبع تونس إجراءات قريبة، تطلق عليها "عملية بيضاء"، فقد خصصت وزارة الصحة فريقاً متخصصاً للتعامل لدفن وفيات كورونا، عندما يتلقى هذا الفريق مكالمة من المستشفى الذي يتوفى فيه المصاب بكورونا، ينتقل بملابسه الخاصة، وبكل لوازم رفع الجثث، ويتم تعقيم الجثة والمكان والكيس، ثم وضع الجثة في كيس يتم وضعه في كيس ثانٍ، ثم في سيارة لنقله إلى المقبرة ودفنه بصورة عادية، كون عدم وجود تخوفات من الجثة نفسها لنقل الفيروس.
السعودية أيضاً خصت إجراءات التغسيل والتكفين على الكوادر الطبية، إذ تشرف لجنة من وزارة الصحة على تغسيل الجثث بالمستشفيات بدلاً من مغاسل الموتى، ويقوم الكوادر الطبية بارتداء كمامات وقفازات ومريلة طبية، والتزام غسل الأيدي بالماء والصابون مدة لا تقل عن 40 ثانية بعد انتهاء عملية النقل أو الغسل، ثم توضع الجثة في كيس مقفل مقاوم الماء، ويمنع تسرّب السوائل، كما لا يسمح بأي تلامس بين ذوي المتوفي والجثمان مثل "التقبيل أو لمس الجثمان".
كيف ترى منظمة الصحة العالمية أساليب الدفن السابقة؟
منظمة الصحة العالمية أوضحت بعض النقاط الهامة فيما يخص دفن ضحايا كورونا في النشرة التي تحدثنا عنها بداية التقرير. ونلخصها كالتالي:
- حرق الجثث: يتعلق بالطقوس والمعتقدات وليس له أي علاقة بالقواعد الصحية في الدفن.
- تحريك الجثة: الحرص على تقليل تحريك الجثة، مع تغليفها بقماش، وليس هناك حاجة للتعقيم إلا حال تسربت إفرازات من الجسم.
- تجهيز الجثمان للدفن: ينبغي على فريق الدفن الحرص على استخدام معدات الحماية الشخصية مثل الرداء الطبي والقفازات والأقنعة الطبية والنظارات الوقائية وعدم لمس وجوههم، مع خلع ملابسهم الشخصية بعد انتهاء الإجراءات.
- توقيت الدفن: ينبغي تفادي العجلة في دفن الجثة مقابل إيلاء الاهتمام لدرجات أمان نقل المتوفى من غرفته إلى القبر.
- مراسم الدفن: على المكلفين بحمل الجثة وإنزالها للقبو ارتداء قفازات وكمامات طبية، وعدم محاولة فتح كفن الجثة، وغسل أيديهم جيداً بعد الانتهاء.
- أسرة المتوفى: لا تنصح المنظمة بالاقتراب لتوديع المتوفى خاصةً من كبار السن والأطفال، وعموماً يفضل أن يكون التوديع عن بعد ويتجنب لمسه وتقبيله.
- ملابس المتوفى وممتلكاته الشخصية: يمكن غسلها بالماء والصابون على درجة حرارة بين 60:90 في الغسالة الكهربائية، أو نقعها في محلول الكلور المركز بنسبة 0.05 لمدة لا تقل عن 30 دقيقة وغسلها بالماء والصابون الساخن، ثم تجفيفها تحت أشعة الشمس.