هل لاحظت من قبل الرائحة المميزة المصاحبة للمطر في الشتاء؟ لا يقتصر الإحساس بأن للمطر رائحة جميلة على حالة السرور عند هطوله، لأن هناك أسباباً علمية لها علاقة بالكيمياء تقف وراء رائحة المطر، سنتحدث عنها في تقريرنا.
لكن في البداية، كيف يتكون المطر؟
مراحل تكون المطر
يتكون المطر من ثلاث عمليات رئيسة، هي: التبخر، والتكاثف، والهطول، حيث إن هذه العمليات تشكل الدورة الهيدرولوجية التي تمثل التبادل المستمر للماء بين سطح الأرض والغلاف الجوي.
التبخر: تحدث عملية التبخر عند تحول المادة السائلة إلى المادة الغازية، حيث تتحرك جزيئات الماء وتهتز بسرعة إثر تعرضها للتسخين من قبل الطاقة الشمسية.
وتنطلق هذه الجزيئات بعد تعرّضها للتسخين إلى الغلاف الجوي على شكل بخار الماء، وتؤثر في عملية التبخر عوامل عديدة، منها: الضغط الجوي، فكلما كان الضغط الجوي على سطح الماء أعلى كانت عملية التبخر أكثر صعوبةً، بالإضافة إلى أثر درجة الحرارة على سرعة التبخر، فكلما زادت درجة الحرارة زاد معدل التبخر.
التكاثف: يُعرَّف التكاثف بأنه ترسب المادة السائلة أو الصلبة من بخار الماء على سطح أكثر برودة من الغاز المجاور لها؛ فبعد تكوّن بخار الماء، يبدأ هذا البخار بالارتفاع إلى مستويات أعلى في الغلاف الجوي.
وعند ملامسته للضّغوط الجوية المنخفضة فإنه يبرد ويتمدد، فتزداد الرطوبة النسبية في الجو حتى يصبح الهواء مشبعاً ببخار الماء، وبهذا تبدأ الجزيئات المنتشرة في الهواء بالتكاثف، ومع استمرار التكاثف تبدأ قطرات السحب بالتكوّن.
الهطول: تستمر قطرات السحب بالتكون، وتتم المحافظة على هذه السحب المتنامية عن طريق تيارات الهواء الصاعدة التي تتراوح في قوتها ما بين بضعة سنتيمترات في الثانية إلى بضعة أمتار في الثانية.
لذلك فإنه من الضروري أن تنمو هذه القطرات بسرعة لا تقل عن 1سم في الثانية الواحدة، وذلك لضمان سقوطها من السحابة، وعدم تبخرها في الهواء غير المُشبَع في طبقات الغلاف الجوي الأدنى، والوصول إلى الأرض على هيئة رذاذ أو مطر.
أسباب رائحة المطر
إن المطر في حد ذاته ليس له رائحة لكن انتشار هذه الرائحة في الجو يرتبط ببداية نزوله، وهي تنتج عن تفاعل ماء المطر مع التربة الجافة.
وثق العلماء الأستراليون لأول مرة عملية تشكل هذه الرائحة التي أطلقوا عليها اسم "بتريكور" في عام 1964، كما درس علماء من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا آليات العملية خلال السنوات الماضية.
لكن ما مصدر رائحة المطر؟
مصدر هذه الرائحة هو النباتات والبكتيريا، وهي عبارة عن مزيج من المركبات الكيميائية العطرة، بعضها من الزيوت المتأتية من النباتات، لكن مكوناتها الرئيسية تعود إلى البكتيريا الشعاوية (الأكتينوبكتيريا) وهي بكتيريا غير هوائية تعيش في التربة.
ويمكن العثور على هذه الكائنات الدقيقة الصغيرة في المناطق الريفية والحضرية وكذلك في البيئات البحرية.
وتحلل البكتيريا الشعاوية المواد العضوية الميتة أو المتحللة إلى مركبات كيميائية بسيطة مخصبة للتربة تساهم في نمو النباتات والكائنات الحية الأخرى.
ما المُركّب الذي يعطي رائحة المطر؟
تنتج هذه البكتيريا خلال نشاطها مركباً عضوياً يسمى "جيوسمين"، وهو الذي يعطي رائحة المطر أو البتريكور، وتجعلها تركيبتها الكيميائية المعقدة ملحوظة بشكل خاص لدى البشر حتى عند مستويات منخفضة للغاية، إذ يمكننا استنشاق رائحة الجيوسمين حتى إن كان تركيزها لا يتجاوز أجزاء قليلة في كل تريليون جزء من الهواء.
وخلال فترة طويلة من الجفاف عندما لا تمطر لمدة طويلة يتباطأ معدل نشاط التحلل الذي تقوم به البكتيريا الشعاوية، لكن قبيل هطول المطر مباشرة يصبح الهواء أكثر رطوبة وتبدأ الأرض في التبلل، فتساعد هذه العملية على تسريع نشاطها لتنتج كميات أكبر من مركب الجيوسمين.
مركب الجيوسمين مع مركبات البتريكور.. رائحة المطر
وعندما تسقط قطرات المطر على الأرض -خاصة على الأسطح المسامية مثل التربة الفضفاضة أو الخرسانة- فإنها تطلق من هذه المسام جزيئات صغيرة تسمى الهباء الجوي ومعها مركب الجيوسمين ومركبات البتريكور الأخرى التي قد تكون موجودة على الأرض أو مذابة داخل قطرة المطر فتنقلها الرياح إلى المناطق المحيطة.
وإذا كان هطول الأمطار غزيراً بدرجة كافية يمكن لرائحة بتريكور أن تنتقل في الهواء بسرعة في اتجاه الريح وتنبه الناس إلى أن المطر قريب.
وتنتهي الرائحة في النهاية بعد مرور العاصفة وبداية جفاف الأرض، وتبقى البكتيريا الشعاوية في حالة الانتظار جاهزة لمساعدتنا في معرفة متى قد تمطر مرة أخرى.