كان يوم 12 أبريل/نيسان من عام 1961 يوماً هاماً في تاريخ اكتشافات الإنسان للفضاء، في هذا اليوم تمكَّن الإنسان من مغادرة الأرض للفضاء؛ عندما تمكن رائد الفضاء الروسي يوري جاجارين من أن يُصبح أول شخص في العالم يدخل الفضاء، وأول شخص يدور حول الأرض.
على الرغم من أنه لم يذهب مرة أخرى إلى الفضاء، إلا أن إنجازه كان أحد أهم الأحداث في "سباق الفضاء"، والذي شهد في النهاية وصول الإنسان إلى القمر.
قام جاجارين برحلة مدارية مدتها 108 دقائق في المركبة الفضائية "فوستوك 1″، تلاه في التواجد في الفضاء، بعد أقل من شهر، رائد الفضاء الأمريكي آلان شيبرد.
في السطور التالية يُمكنك التعرّف عن قرب على يوري جاجارين رائد الفضاء الروسي والإنسان الأول في الفضاء.
من هو يوري جاجارين؟
ولد يوري جاجارين في التاسع من مارس/آذار عام 1934، في كلوشينو بالاتحاد السوفيتي، وهي قرية صغيرة غرب موسكو في روسيا (المعروف آنذاك باسم الاتحاد السوفييتي).
كان يوري هو الثالث من بين أربعة أطفال، وأمضى طفولته في مزرعة جماعية، حيث كان والده أليكسي إيفانوفيتش جاجارين يعمل نجاراً وبناءً، كما عملت والدته آنا تيموفينا بائعة حليب.
في عام 1941، وحينما كان عمر يوري جاجارين لم يتجاوز السنوات السبع غزا النازيون الاتحاد السوفييتي، وأصبحت الحياة صعبة للغاية، حيث طُردت أسرته من منزلها، كما أرسل النازيون شقيقتي يوري إلى ألمانيا للعمالة القسرية.
لم يمنع هذا جاجارين من التعلم والتفوق، فقد أحبَّ الرياضيات والفيزياء في المدرسة، وتابع تعليمه في مدرسة التجارة، حيث تعلّم أن يكون عامل معادن، ثم ذهب إلى مدرسة صناعية في ساراتوف.
وهناك التحق بنادي طيران، حيث تعلم جاجارين بسرعة، وكان من الواضح أنه مُحب للطيران، لذلك تميز فيه، واستطاع أن يقوم بأول رحلة فردية في عام 1955.
بعد أن اكتشف جاجارين حبه للطيران، انضمّ إلى القوات الجوية السوفيتية، وأوصلته مهاراته إلى مدرسة أورينبورج للطيران، حيث تعلَّم الطيران بطائرات ميغ.
وفي نفس اليوم الذي تخرج فيه من أورينبورج مع مرتبة الشرف الأولى، في نوفمبر/تشرين الثاني 1957، تزوج جاجارين من حبيبته فالنتينا إيفانوفنا، وأنجب ابنتيه يلينا وجالينا.
بعد التخرج، تم إرسال جاجارين في بعض المهام، ورغم كونه طياراً مقاتلاً فإنه حدد أمنيته بوضوح، وهي أنه يريد أن يذهب إلى الفضاء.
وبما أنه كان يتابع تقدم الاتحاد السوفييتي في استكشافات الفضاء، فقد كان واثقاً من أن بلاده سترسل قريباً رجلاً إلى الفضاء، وأراد أن يكون ذلك الرجل، لذلك تطوع ليكون رائد فضاء.
من طيار مُقاتل إلى رائد فضاء
كان يوري جاجارين مجرد واحد من 3 آلاف متقدم ليكون أول رائد فضاء سوفيتي، ومن بين هذه المجموعة الكبيرة من المتقدمين تم اختيار 20 شخصاً فقط، في عام 1960، ليكونوا رواد فضاء الاتحاد السوفييتي، وكان جاجارين واحداً منهم.
تفوق جاجارين في الاختبارات الجسدية والنفسية الشاملة المطلوب إجراؤها للمتطوعين، ليتم اختيارهم كرواد فضاء.
كان يتمتع بالحفاظ على سلوك هادئ، بالإضافة إلى حسّ النكتة والدعابة.
في وقت لاحق، سيتم اختيار جاجارين ليكون أول رجل في الفضاء بسبب هذه المهارات.
وكان قصر قامته عاملاً داعماً له، لأن المركبة الفضائية فوستوك 1 كانت صغيرة الحجم، وتم اختيار رائد فضاء آخر هو جيرمان تيتوف، ليكون بديلاً في حالة عجز جاجارين عن القيام بأول رحلة فضائية.
إطلاق المركبة الفضائية فوستوك 1
"يجب أن تدرك أنه من
الصعب التعبير عن شعوري الآن، أن المهمة التي تدرّبنا عليها لفترة طويلة وتحقيق
حلمي وشغفي هو في متناول اليد الآن، لا أستطيع أن أخبرك بما شعرت به عندما اقتُرح
أن أقوم بهذه الرحلة، وهي الأولى في التاريخ. هل كان الفرح؟ لا، لقد كان شيئاً
أكثر من ذلك، فخر؟ لا، لم يكن مجرد فخر.
شعرت بسعادة كبيرة أن أكون أول من يدخل الكون، ويشارك بمفرده في مبارزة غير مسبوقة
مع الطبيعة، هل يمكن لأي شخص أن يحلم بأي شيء أكبر من ذلك؟ لكن بعد ذلك مباشرة
فكرت بالمسؤولية الهائلة التي تحملتها، وهي أن أكون أول من فعل ما كانت تحلم به
أجيال من الناس؛ وأكون أول من يمهد الطريق إلى الفضاء للبشرية".
كان هذا جزءاً من الخطاب الذي ألقاه جاجارين قبل أن يستقل المركبة الفضائية فوستوك 1 في 12 أبريل/نيسان عام 1961، وعلى الرغم من أنه كان مُدرَّباً تدريباً كاملاً على المهمة، إلا أنه لم يكن أحد يعلم في واقع الأمر ما إذا كانت المهمة ستنجح أم لا.
تم إطلاق فوستوك 1 وبداخلها جاجارين في الساعة 9:07 صباحاً بتوقيت موسكو، وقد تم إطلاق صاروخ جاجارين إلى الفضاء باستخدام نظام آلي.
لم يسيطر جاجارين على المركبة الفضائية خلال مهمته، ومع ذلك، كان بإمكانه، في حالة الطوارئ فقط فتح مظروف ترك على متن السفينة للحصول على رمز التجاوز.
لم يتم إعطاؤه أدوات التحكم لأن العديد من العلماء كانوا قلقين بشأن الآثار النفسية للوجود في الفضاء، فقد كانوا قلقين من كونه قد يُصاب بالجنون.
بعد دخول الفضاء، أكمل جاجارين مداراً واحداً حول الأرض، وبلغت سرعة فوستوك 1 القصوى 28,260 كم/الساعة، وهو ما يُعادل نحو حوالي 17600 ميل في الساعة.
في نهاية المدار، عادت فوستوك 1 إلى الغلاف الجوي للأرض، وعندما أصبحت فوستوك 1على بعد حوالي 7 كيلومترات من الأرض، خرج جاجارين، كما كان مُخططاً له، من المركبة الفضائية واستخدم مظلة للهبوط بسلام.
وصلت فوستوك 1 إلى الأرض في نحو العاشرة و55 دقيقة صباحاً، بعد رحلة استغرقت نحو 108 دقائق، تلاها بنحو 10 دقائق هبوط جاجارين بمظلته، بالقرب من قرية أوزموري، القريبة من نهر الفولجا.
وفاة جاجارين
لم يذهب جاجارين إلى الفضاء مرة أخرى، ولكنه شارك في تدريب رواد فضاء آخرين، وقام بعدة جولات إلى دول أخرى بعد رحلته التاريخية.
ومنذ عام 1962 شغل منصب نائب رئيس مجلس السوفيات الأعلى، ونال العديد من الجوائز والأوسمة، مثل وسام لينين، كبطل من أبطال الاتحاد السوفييتي، وأُطلق اسمه على عدد من الشوارع في جميع أنحاء الاتحاد السوفييتي.
وفي 27 مارس/آذار 1968، كان جاجارين يقوم بتجربة طائرة مقاتلة من طراز ميغ 15، عندما سقطت الطائرة على الأرض، ما أسفر عن مقتله على الفور في عمر 34 عاماً.
وبعد وفاة جاجارين، تم تغيير اسم مدينة جاتسك إلى جاجارين تيمناً بإنجازاته.