في العام 1941، كان راينهارد هايدريش واحداً من أقوى وأخطر الرجال في ألمانيا النازية، كان له أعداء كثر، ربما لم يجتمعوا على شيء سوى على رغبتهم في موته فكانت عملية أنثروبويد، لاغتيال هايدريش
راينهارد هايدريش، سفّاح براغ
حسب موقع All That's Interesting الأمريكي. في سبتمبر/أيلول 1941، حلّ الزعيم النازي راينهارد هايدريش مكان المسؤول عن حكم محمية بوهيميا ومورافيا، (بلدتان داخل تشيكوسلوفاكيا احتلهما النازيون).
كان سلفه كونستانتين فون نيوراث، نازياً رفيع المستوى، أشرف خلال ولايته، التي امتدت لعامين، على تنفيذ قوانين نورمبرغ "وهي مجموعة من القوانين العنصرية المناهضة لليهود"، وتفكيك الصحافة المعارضة للنازيين، وإلغاء الأحزاب السياسية والنقابات كما أرسل أكثر من 1,200 من الطلبة المتظاهرين إلى معسكرات الاعتقال وأعدم تسعة منهم.
ولكن نيوراث، الذي حُكم عليه لاحقاً بالسجن 15 عاماً لارتكاب جرائم حرب، بدا شديد التساهل بالنسبة لأدولف هتلر والقادة النازيين، ولهذا السبب أرسل هتلر هايدريش بديلاً له.
كان هايدريش العقل المدبر لمذابح "ليلة البلور" في العام 1938، التي دمّرت وشردت حياة آلاف المواطنين اليهود في ألمانيا النازية، وأسس الجهاز الأمني (SD)، من أجل سحق المقاومة أمام الحكم النازي. وأطلق عليه هتلر "الرجل ذو القلب الحديدي".
وأطلق عليه الشعب التشيكي ألقاباً مختلفة. أطلقوا عليه "الجلاد"، و"سفاح براغ"، وهي ألقاب تبدو رومانسية جداً مقارنة بما اقترفه.
خلال أسبوع من توليه السلطة في بوهيميا ومورافيا بالتشيك، أعلن هايدريش الأحكام العرفية وأمر بإعدام حوالي 150 فرداً من عناصر المقاومة التشيكية.
وخلال خمسة أشهر من حكمه، أمر بإعدام 10% من إجمالي المواطنين المعتقلين، البالغ عددهم بين 4,000 و5,000 فرد.
من لم يُرسلوا إلى فرق الإعدام وُضعوا في القطارات إلى معسكرات الاعتقال، حيث ظروف معيشية بالغة السوء.
قوبلت كل محاولات التمرد على عنف هايدريش بالقتل، لذلك أحبطت المقاومة التشيكية، لم يكن هدف هايدريش دمج المواطنين التشيكيين للعمل في المصانع الألمانية؛ لم يكن القادة النازيون مهتمين بدمج الشعب التشيكي داخل الإمبراطورية الألمانية أصلاً، بل أرادوا تثبيت حكمهم هناك، وإبادة يهود أوروبا.
وبدا من الواضح للحلفاء وحكومة تشيكوسلوفاكيا ضرورة إيقاف هايدريش مهما كان الثمن.
عملية أنثروبويد: اغتيال راينهارد هايدريش
كانت المقاومة التشيكية قد دربت جنوداً في لندن، وأرسلتهم إلى العاصمة براغ، لدعم المقاومة على الأرض، لكن هايدريتش تتبعهم وقتلهم، لتأتي التعليمات من لندن "اقتلوا هايدريتش"
في أكتوبر/تشرين الأول من العام 1941، ذهب فرانتيشيك مورافيتش، رئيس المخابرات العسكرية التشيكوسلوفاكية المنفي، إلى المسؤول التنفيذي للعمليات البريطانية الخاصة وأخبره بخطته لقتل هايدريش.
وافقوا، وأطلقوا على عملية الاغتيال "عملية أنثروبويد" ومعناها "شبيه الإنسان"، أرادت الحكومة التشيكية المنفية أن يكون منفذو العملية تشيكيين أو سلوفاكيين؛ أرادوا أن يظهروا لشعبهم أنهم لم يستسلموا في القتال، بالرغم من علمهم أن العواقب الانتقامية ستكون وخيمة.
وقع الاختيار على 24 جندياً تشيكياً، من بين 2,000 جندي منفيين في بريطانيا، وأُرسلوا بالقطار إلى إسكتلندا.
اختير الجنود الأكثر تميزاً لتنفيذ المهمة، وحددوا 28 أكتوبر/تشرين الأول موعداً للتنفيذ، لكن رياحاً أتت بما لا تشتهي السفن، أصيب أحد الجنود أثناء التدريبات، الأمر الذي استلزم بديلاً له ما يستغرق وقتاً أطول، وتدريباً جديداً.
كان المخبرون المنوط بهم مساعدة الجنود يشعرون بالرعب وبذلوا كل جهودهم ليشرحوا لهم خطورة الموقف الفعلي على الأرض؛ أن أي محاولة لاغتيال زعيم نازي سيكون لها عواقب لا يمكن تصورها.
ولكن إدوارد بينش، الرئيس التشيكي المنفي، كان يريد أي شيء من أجل إحياء المقاومة التشيكية الميتة وشعر أن هذه الضربة ستحقق المطلوب، طلب من رجاله الاستمرار في الخطة مهما كانت العواقب.
فرصة ضائعة ومطاردة مثيرة في شوارع براغ
من حسن الحظ أن هايدريش، يذهب إلى العمل في سيارة مكشوفة، إذ كان يشعر بأهمية أن يراه الناس، فيثير ذلك خوفاً في نفوسهم.
وفي العاشرة والنصف صباح يوم 27 مايو/أيار، بدأت رحلته المعتادة إلى العمل، ودخلت "عملية أنثروبويد" حيز التنفيذ.
بمساعدة أحد الحراس، انتظر المنفذان خلف أحد المنعطفات على الطريق، حيث توقعا أن تبطئ السيارة من سيرها
انطلق الجندي جابسيك إلى منتصف الطريق وضغط على الزناد، وهنا حدثت المفاجأة، كان مسدسه عالقاً ولم تنطلق منه الرصاصة.
اعتقد أن هايدريش، سيحاول الهرب بسيارته، لكن المفاجأة الثانية، أمر الرجل سائقه بإيقاف السيارة، وخرج لقتل جابسيك.
حين رأى كوبيش "المرافق جابسيك" رفيقه في خطر مميت، ألقى قنبلة على مؤخرة السيارة، انفجرت القنبلة، وحين خف الغبار وجدا هايدريش ممسكاً بسلاحه وموجهاً إياه إلى كوبيس.
واندلعت معركة إطلاق نار فوضوية، تبعها هروب كوبيش على دراجة وهايدريش يلاحقه، بينما تتبع السائق جابسيك، الذي تمكن من الهروب داخل محل جزارة، وأصاب السائق بطلقة محكمة التصويب، ثم هرب على متن القطار.
تمكن كوبيش من الهرب بسبب بطء هايدريش نتيجة جرح كبير في فخذه، وأيقن كلاهما أن فرصتهما في مقتل هايدريش أصيبت في مقتل.
كان الرجلان مرعوبين من العواقب الانتقامية لعملية الاغتيال على الشعب التشيكي، الآن، عليهم مواجهة غضب سفاح براغ.
لم يطلق جابسيك أو كوبيش الرصاصة المطلوبة، ولكنهما لم يدركا أن انفجار القنبلة تكفّل بالأمر، ولحسن حظهما عندما وصل هايدريش إلى المشفى كان يعاني من انهيار الرئة، وكسر بالضلوع، وتمزق بالحجاب الحاجز، وتمزق بالطحال.
وبالرغم من تلك الإصابات، اعتقد الأطباء في البداية أن هايدريش يمكنه التعافي، لكنه وبعد أيام انهار ودخل في غيبوبة، لم يستجب جسده للعلاج ومات.
عواقب مروعة لعملية أنثروبويد
استشاط هتلر غضباً عندما حين علم بالاغتيال، ويقال إنه قرر رداً على العملية اغتيال 10 آلاف تشيكي، ولم يثن الألمان عن الخطوة إلا خوفهم من أن تقليص عدد السكان قد يؤثر على قدرة الإقليم على إنتاج الأسلحة للجيش الألماني.
أُلقي القبض على 13.000 شخص وأُرسلوا إلى معسكرات الاعتقال، التي لا تختلف في معظم الأحيان عن الإعدام، يحتاج فيها الموت فقط إلى وقت أطول لينال من المعتقلين، وقدّر المؤرخون عدد من لقوا حتفهم نتيجة اغتيال هايدريش بما يزيد عن 5,000 شخص.
أصبحت قرية ليديتشي تحت طائلة الشك لأن العديد من أعضاء الجيش التشيكي المنفيين وُلدوا هناك، وكذلك قرية ليزاكي، حيث ترك منفذا الاغتيال جهاز إرسال لاسلكي في البلدة، فقُتل سكان القريتين أو أُرسل من نجا منهم إلى معسكرات الاعتقال، وأُحرقت القريتان عن بكرة أبيهما.
أذاع الألمان أن هذا التنكيل سوف يستمر حتى يعثروا على القتلة منفذي الاغتيال ومع المزيد من التعذيب، والتهديدات، وإراقة الدماء، وصلوا إلى أهدافهم.
وجدوا كوبيش ورفاقه في شرفة كنيسة وقتلوهم رمياً بالرصاص، بينما كان جابسيك وفريقه مختبئين في سرداب، أغرقه الألمان بالمياه والغاز المُسيّل للدموع. إلى أن انتحر جابسيك ومن معه.
عُذّب قادة الكنيسة وأُعدموا رمياً بالرصاص، وعُلّقت رؤوس مرتكبي عملية الاغتيال على الأوتاد.
ومع تصاعد الغضب العالمي من تلك الممارسات، ألغى الحلفاء اتفاقية ميونخ، التي تمنح الألمان تشيكوسلوفاكيا.
وبالرغم من مواصلة خلفاء هايدريش مسيرته وأعماله، يعتقد البعض أن هايدريش لو عاش أطول، لكانت الخسائر أكثر بكثير مما كانت عليه بعد مقتله، ولم تتكرر عمليات الاغتيال مجدداً ضد النازيين بعد "أنثروبويد"، لأن التكلفة كانت باهظة جداً.