صبي أمريكي من أصول إفريقية اغتيل في سن الـ14، بعد أن مزح مع امرأة بيضاء في أحد المتاجر، كانت حادثة قتله مجرد واحدة من عمليات القتل بدوافع عنصرية، التي كانت تنتشر في الجنوب الأمريكي في أوائل القرن العشرين، لكنها من ناحية أخرى كانت محورية في ثورة الحقوق المدنية.
هو "إيميت تيل"، الذي قُتل في جريمة وحشية؛ مما عمل على تحفيز ثورة الأمريكيين الأفارقة لتأسيس حركة الحقوق المدنية الشهيرة في تاريخ الولايات المتحدة لنبذ العنصرية، والمُطالبة بحقوقهم من خلالها، من خلال السطور التالية يُمكنك التعرّف على إيميت تيل، وكيف قُتل، والنتائج التي ترتبت على حادثة قتله.
طفل وحيد لأبويه
ولد إيميت لويس تيل في 25 يوليو/تموز 1941، في شيكاغو، إلينوي. كان الطفل الوحيد لأبويه، لم ير أباه الذي توفي في الحرب العالمية الثانية، قامت والدته برعايته وتربيته، كانت تعمل في الغالب لمدة 12 ساعة ككاتبة في سلاح الجو لتتمكن من توفير نفقاتها وابنها، عندما كان تيل في الخامسة من عمره أُصيب بشلل الأطفال، تعافى بعد ذلك لكنه ظل يُعاني من التلعثم.
نشأ تيل في أحد أحياء الطبقة الوسطى في الجانب الجنوبي من شيكاغو، حيث التحق بالمدرسة، وكان يحاول دائماً أن يمزح مع الناس ويُضحكهم، فقد كانت لديه مجموعة من النكات، وهو ما مكّنه من صنع الكثير من الأصدقاء، ولكن كل شيء قد تغير في صيف عام 1955.
مقتل تيل
في عام 1955 عندما كان تيل بالكاد يبلغ من العمر 14 عاماً، قام برحلة إلى منطقة ميسيسيبي الريفية لقضاء الصيف مع أقاربه، قامت والدته قبل رحيله بتحذيره من مزاحه المُستمر، وأخبرته أن البيض في الجنوب يمكن أن يردوا بعنف على هذا السلوك الذي يتم التسامح معه في الشمال، وقد تفاقم هذا العداء بقرار المحكمة العليا في الولايات المتحدة عام 1954، التي سمحت بالفصل العنصري في المرافق العامة.
في 21 أغسطس/آب 1955، حينما وصل تيل مكث مع عمه الأكبر، موسى رايت، وكان يقضي أيامه في مساعدته في حصاد القطن، بعد نحو ثلاثة أيام فقط من وصوله ذهب تيل ومجموعة من المراهقين الآخرين إلى محل بقالة محلي، بعد يوم عمل في الحقول.
تختلف الروايات حول ما حدث في محل البقالة، ذكر البعض أن تيل قد تحدّث إلى موظفة الخزينة في المتجر، كارولين براينت، وهي امرأة بيضاء، يُقال إن تيل كان قد لمس يدها أو خصرها، ويُقال أيضاً إنه قد غازلها وهو يغادر المتجر، أيّاً ما حدث فلم يذكره تيل لعمه، وظن أن الأمر قد مرّ.
لكن في ساعات الصباح الباكر من يوم 28 أغسطس/آب، قام روي براينت، زوج المرأة، وميلام، الأخ غير الشقيق له، بالذهاب إلى منزل رايت واختطاف تيل تحت تهديد السلاح، قام براينت وميلام بضرب الصبي بشدة، وخلع إحدى عينيه، ثم أخذوه إلى ضفاف نهر تالاهاشي، حيث قتلوه برصاصة في رأسه، ثم رَبَط الرجلان جسد المراهق وألقوا الجثة في النهر.
أبلغ رايت الشرطة عن الاختطاف، وتم اعتقال براينت وميلام في اليوم التالي، وفي 31 أغسطس/آب 1955، تم اكتشاف جثة تيل في النهر، كان وجهه مُشوهاً ولا يمكن التعرف عليه، بسبب الاعتداء والعنف الذي تعرض له، وتم التعرف على الجثة فقط من خلال خاتم كان يرتديه تيل، مكتوب عليه حروف اسم والده.
رد فعل الأم لأخذ حق ابنها
طلبت والدة تيل إعادة رفات ابنها إلى شيكاغو، وبعد أقل من أسبوعين من انطلاق تيل في رحلته الجنوبية، وصل القطار الذي يحمل رفاته إلى شيكاغو.
عند رؤية الأم لجثة ابنها المشوهة قرَّرت إقامة جنازة مفتوحة لابنها، حتى يتمكن العالم بأسره من رؤية ما حدث لابنها، أبقت والدة تيل نعش ابنها مفتوحاً، واختارت أن تكشف لعشرات الآلاف الذين حضروا الجنازة عن الوحشية والعنف الذي تعرَّض له ابنها قبل مقتله.
ظهرت الصور المروعة لجثة تيل في التابوت على صفحات مجلة Jet وشيكاغو ديفيندر، وأصبح مقتله نقطة تجمع لحركة الحقوق المدنية.
حادثة مقتل تيل، وما نشرته والدته حول ما تعرَّض له طفلها شجَّع أصحاب البشرة السوداء على الانتفاض والوقوف أمام عمليات القتل التي يتعرضون لها، فقامت انتفاضة من أصحاب البشرة السوداء في العالم، ورفع الجميع لافتات تحمل صورة تيل.
تأثير مقتل إيميت تيل على حركة الحقوق المدنية
سمح قرار والدة تيل بعرض جثة ابنها في نعش مفتوح، أن يرى العالم أحد أنواع الوحشية التي يمكن أن يواجهها الأمريكيون من أصل إفريقي في أمريكا، وهو ما حفز حركة الحقوق المدنية، بمجرد رؤية الجميع لتلك الصور المؤلمة المنشورة في مجلة Jet لم يعد بإمكانهم تجاهل الوحشية بعد الآن.
بعد بضعة أشهر فقط من اغتيال إيميت تيل، رفضت روزا باركس، وهي ناشطة من أصول إفريقية أمريكية، وإحدى المُطالبات بالحقوق المدنية للأمريكيين الأفارقة، التخلي عن مقعدها في الحافلة، والعودة للخلف كما هو مُعتاد، وبدأت مقاطعة حافلات مونتغومري، وهي حملة سياسية واجتماعية ضد سياسة الفصل العنصري في نظام النقل العام في مدينة مونتغومري في ولاية ألاباما، وهي من الأحداث السياسية الأساسية والفارقة في حركة الحقوق المدنية.
وتقول باركس إن مصرع تيل كان عاملاً كبيراً في قرارها بعدم التخلي عن مقعدها.
وقد عملت حركة الحقوق المدنية على إقرار عدّة قوانين هامة من التشريعات الفيدرالية التي تُسقط الممارسات التمييزية، فقد حظر قانون الحقوق المدنية لعام 1964 التمييزَ على أساس العرق أو اللون أو الدين أو الجنس أو الأصل القومي في ممارسات التوظيف، إضافةً إلى منع الفصل العنصري في المدارس ومقرّات العمل وفي الأماكن العامة.
مُحاكمة قتلة تيل
بدأت محاكمة قتلة تيل في 19 سبتمبر/أيلول 1955، ومن منصة الشهود تعرف رايت على الرجال الذين اختطفوا تيل، بعد أربعة أيام من الشهادة، وما يزيد قليلاً عن ساعة من المداولات، برأت هيئة محلفين جميعها من البيض -ففي ذلك الوقت لم يكن مسموحاً لأصحاب البشرة السوداء والنساء بالعمل كمحلفين في ميسيسيبي- براينت وميلام من جميع التهم.
لكن بعد ما يُقارب الخمسين عاماً، وتحديداً في عام 2004، أعاد مكتب التحقيقات الفيدرالي فتح القضية، رغم وفاة براينت وميلام منذ فترة طويلة، إلا أن الوكلاء سعوا للحصول على سرد نهائي مؤكد لساعات تيل الأخيرة، دام التحقيق لثلاث سنوات، وتم خلال التحقيق استخراج جثة تيل لتشريح الجثة بالكامل، لم يتم تقديم تهم جنائية جديدة، لكن شقيق ميلام اعترف بتورطه في عملية الاختطاف والقتل.
أُعيد دفن جثة تيل في صندوق جديد، وفي عام 2009 تم التبرع بالنعش لمتحف سميثسونيان الوطني للتاريخ والثقافة للأمريكيين الأفارقة.