يعدّ اليوم الوطني لمساحات العمل المشتركة في المملكة المُتحدة (National Coworking Day) بمثابة باب مفتوح يدعو الناس لتجربة سحر ساحات العمل المشتركة. وسوف يستضيف مركز Melting Pot مساحة عمل مشتركة وإفطاراً ليتمكّن الناس من الاستمتاع باليوم في أحد أوّل مراكز العمل المشتركة في أوروبا. وفي إطار هذا الاحتفال الوطني، تولّى مركز الابتكار الاجتماعي في اسكتلندا مهمّة التحقيق في التأثير الاجتماعي للعمل المشترك.
شهد العام الماضي إطلاق اليوم الوطني لمساحات العمل المشتركة بافتتاح 40 مساحة عمل مشتركة في 9 مدن اسكتلندية وترحيبها بالمبتدئين في عالم المشاركة في مكان العمل. وفي الواقع، فتحت إحدى مساحات العمل الجماعي، وهي Desk@theD، أبوابها لأوّل مرّة. ومع هذا الاحتفال المرتقب الهائل بالعمل المشترك، حان الوقت لنتساءل: ما الذي نعرفه عن تأثير طريقة العمل هذه؟ هذا ما يجيب عليه التقرير الذي نشره موقع Good Men Project الأمريكي.
مساحات العمل المشتركة صناعة دائمة التنامي
نشرت مجلّة Deskmag المعنية بساحات العمل المشتركة مؤخّراً توقعاتها بشأن مستقبل مساحات العمل المشتركة، مستخلصة رؤيتها من مسح 2019 Global Coworking Survey أي المسح العالمي لمساحات العمل المشتركة لعام 2019.
وتبيّن أنه في العام الماضي فقط، ازداد عدد مساحات العمل المشتركة قرابة الخمسة أضعاف، وبحلول نهاية عام 2019، يُتوقّع أن يعمل أكثر من 2.2 مليون شخص في 22 ألف مساحة عمل مشتركة في جميع أنحاء العالم. ويبدو أن "اتجاهاً" من مساحات عمل مشتركة سيظلّ قائماً، إذ يشير 60% من متبعيه إلى أنهم يخططون للتشبث بالمساحات التي يرتادونها للعمل.
العمل المشترك قد يدعم المساواة
أظهر تقرير Melting Pot الصادر في عام 2018 حول التأثير الاجتماعي أن ثلث أعضاء مركز الابتكار الاجتماعي في اسكتلندا قد أسسوا منظماتهم الخاصّة، وكان 42% من بين هؤلاء المؤسسين من النساء، ويُعد ذلك ضِعف متوسط عدد مؤسِسي الأعمال من النساء في المملكة المتحدة. وهناك مجموعة متنوعة من العوامل التي تجتذب رائدات الأعمال إلى مساحة العمل المشتركة Melting Pot، لا سيّما بالنظر إلى أن مشاركة النساء في قطاعات العمل الحُر والتطوّعي وغير الحكومي تزيد عن نظيرتها في ساحات العمل الأخرى، لكن دعم رائدات الأعمال يُعتبَّر أمراً بالغ الأهمّية لخلق اقتصاد أكثر مساواة.
تضمَّن المسح العالمي لمساحات العمل المشترك لعام 2019 جزءاً عن تصورات الأعضاء لكيفية تأثير الأزمة المالية عليهم. وبالمقارنة مع المجموعات الأخرى، كانت النساء والأشخاص ذوو الأجور المنخفضة هم الأكثر قلقاً بشأن التأثير السلبي للأزمة المالية على أمنهم الوظيفي.
ويشير هذا إلى أن الناس يتوقعون تفاقم عدم المساواة القائمة بالفعل بسبب الأزمة المالية، وهو أمر ليس بالمفاجئ. وبدأت حركة العمل الجماعي العالمية تنمو بشكل جدّي في حوالي عام 2006، وانضمّ مركز الابتكار الاجتماعي في اسكتلندا إلى تلك الحركة في العام التالي، واستمرت في مسيرتها طوال الأزمة المالية في العامين 2007، و2008. وفي الظروف الاقتصادية غير المستقرّة، يُعتبَّر ضمان وجود موارد على مستوى القاعدة لتعزيز مرونة مجتمعاتنا أمراً بالغ الأهميّة.
تحسين رفاهية العاملين
تخلق مساحات العمل المشتركة مُجتمعاً مهنياً، وهذا أمر جيد لرفاهية العاملين. وعلى الصعيد العالمي، فإن الأسباب الثلاثة الأولى لاختيار العمل في مساحات مشتركة هي الجو الاجتماعي الممتع، والتفاعل مع الآخرين، وخلق مجتمع مهني. ومتوسط تقييم لمساحات العمل المشتركة بلغ 8.3/10، يبدو أن بيئة العمل هذه تلبّي تلك الاحتياجات جيداً.
وتقول إحصائية مركز Melting Pot إن 95٪ من أعضائه يشعرون بأنهم ينتمون إلى المجتمع. واكتسب قرابة 80% من الأعضاء الثقة على الصعيد المهني نتيجة لعضويتهم بالمركز، ونال 75% دعماً من الأعضاء الآخرين.
تعمل بوبي عن بعد لدى شركة DMA Global وتقول: "لقد ساعدني الانضمام إلى Melting Pot على الصعيدين الشخصي والمهني. أدركت أن العمل من المنزل لم يكن جيداً لصحتي النفسية، والمجيء إلى هنا كل أسبوع أكسبني شعوراً بأن هناك هدفاً".
وبينما نتابع اتجاهات اقتصاد العمل المستقل والزيادة الكبيرة في قدرتنا على العمل عن بُعد، يجب علينا التأكد من أن العاملين لا يجدون أنفسهم معزولين في غياب الزملاء الذين يكونون موجودين في مكان العمل التقليدي. تُعتبَّر مساحة العمل المشتركة حلاً مناسباً لهذه المشكلة، وهذا هو بالضبط السبب الذي يجعل المزيد من أرباب العمل يتخذون مساحات العمل المشتركة مقراً لموظّفيهم. يمكن لمساحات العمل المشتركة باستخدام المنهجية الصحيحة أن تدعم رفاهية أعضائها.
مساحة العمل المشتركة تساعد الأشخاص على التأثير
نعلم جميعاً أن بيئة العمل السليمة هي أمر بالغ الأهمّية لتحقيق مهام العاملين، ومع العمل عن بُعد، صارت لدينا خيارات أكثر من أي وقت مضى حول مكان العمل، ويعمل غالبية مستخدمي مساحات العمل المشتركة من أماكن أخرى أيضاً، لا سيّما المنزل عادة، لذلك فإن استخدام مساحات العمل المشتركة هو جزء واحد فقط من الحياة العملية الأكثر مرونة. ومن أهم المزايا التي يجنيها الأفراد في مساحات العمل المشتركة، التي من غير المرجح أن ينالوها حول طاولة المطبخ أو في مقهى مزدحم هي التعاون.
وتبيّن أن ما يقرب من 71% من أعضاء مساحات العمل المشتركة في مختلف أنحاء العالم قد تعاونوا مع شخص يعمل معهم في مهام صغيرة في أغلب الأحيان. وكشفت الدراسة التي أجراها Melting Pot أن 42% من أعضائه تعاونوا في مشروعات أكثر أهمية، تراوحت من فعاليات التصميم المشترك وصولاً إلى النماذج الأولية لأحد التطبيقات المفعمة بالنشاط الذهني والتأمل للأطفال في مرحلة ما قبل المدرسة. وأبدى جميع مَن مارسوا شكلاً من أشكال التعاون في Melting Pot رضاءً عن النتائج، وهو ما يشير إلى أن العمل مع زملائك في ساحات العمل المشتركة يُعد رهاناً رابحاً لإحداث تأثير.
وقال جميع الأعضاء تقريباً في Melting Pot إن العضوية منحتهم إمكانية الوصول إلى مساحة لا تساعدهم فحسب على أداء أعمالهم، بل تساعدهم أيضاً على الشعور بالإلهام وإيجاد دافع. وتشير هذه الردود مجتمعة إلى أن مركز الابتكار الاجتماعي في اسكتلندا يقدّم أكثر من مجرّد مكان للأعضاء يُشغِلون فيه أجهزة الكمبيوتر المحمولة الخاصة بهم، بل يمكن لأماكن العمل المشتركة أن تساعدهم في سعيهم وراء الإبداع والتصميم على تسليم مهامهم.
المزيد من أماكن العمل المشترك تفتح أبوابها في البلدات والمدن الأصغر
تفتح مساحات عمل مشتركة أصغر أبوابها في المدن الصغيرة والمتوسطة الحجم بالمملكة المتحدة. وفي حين أن معظم المساحات الكبيرة، التي تضم أكثر من 300 عضو تتركّز في المدن الكبرى، فإنها تنتقل حالياً إلى المزيد من المناطق الريفية.
تأمل مؤسسة التنمية المجتمعية في المملكة المتحدة Sustaining Dunbar في استقدام مساحات العمل المشترك إلى دونبار لتلبية احتياجات المجتمع المحلي الذي يبدو أنه يقضي حالياً وقتاً طويلاً في التنقل إلى إدنبرة القريبة. وأظهرت بيانات السكك الحديدية الوطنية التي جُمعَّت في عام 2001 أن 83% من رحلات القطارات من دونبار كانت متجهة إلى إدنبرة، وأن السفر كان يزداد بمعدل 8% في السنة. ولا يسكن قرابة ثلث الأشخاص الذين يعملون أو يدرسون في إدنبرة في المدينة، بل أنه في الواقع يسافر أكثر من 57% من سكان اسكتلندا للعمل أو الدراسة.
ولكن في عالم العمل عن بعد، لماذا يتعيّن على الناس السفر من أجل العمل؟ إن مساحات العمل المشتركة تتيح للناس فرصة البقاء بالقرب من منازلهم خلال أيّام العمل، فضلاً عن البقاء بالقرب من مدارس أطفالهم، وهذا يرفع من مستوى قدرتهم على المشاركة في مجتمعهم المحلي، على الصعيدين الاجتماعي والاقتصادي.
توجد أكثر من 500 مكتبة في اسكتلندا، وشبكة Scottish Coworking Network هي مشروع تموله الحكومة الاسكتلندية ليضمن مواكبة تلك المؤسسات المحلية للزمن. تهدف الحكومة إلى توفير مساحات عمل مشتركة في جميع أنحاء اسكتلندا لـ 11 ألف مؤسسة تبدأ عملها كل عام. ويأملون أيضاً على المدى البعيد في تطوير إطار يمكن أن تستخدمه خدمات مكتبيّة أخرى لتوسيع نطاق الشبكة. وقد افتتحوا مساحات عمل مشتركة في المكتبات في مدن إدنبرة، وإينفيرنيس، ودنفرملاين، وترون، ودندي.
لذا، فإن هناك الكثير مما يمكن الاحتفال به في اليوم الوطني للعمل المشترك، لا سيّما بالعودة للنظر إلى الحركة التي تحقق التأثير وتحسِّن الرفاهية وتعزز المساواة. ويبدو أن مستقبل مساحات العمل المشتركة يتجه نحو مزيد من المناطق النائية، بينما تواصل المزيد في مساحات العمل في فتح أبوابها بأعداد كبيرة في جميع أنحاء العالم لدعم القوى العاملة المتغيرة والحديثة.