نشر موقع Live Science تحقيقاً صحفياً يعرض أدلة حول تمثال لرأس توت عنخ آمون بعدما نشب صراع بين الحكومة المصرية ودار المزادات العالمية Christie's في لندن حول التمثال، والمقرر بيعه في 4 يوليو/تموز المقبل.
بداية، فإنَّ التمثال قد عُرض من قبل مالك مجهول الهوية، وهو مصنوعٌ من الكوارتزيت (نوعٌ من أنواع الحجارة). وتشير التقديرات الأولية إلى أن سعر التمثال سيصل إلى نحو 5.1 مليون دولار.
تؤمن الحكومة المصرية أنَّ التمثال سُرِق من معبد الكرنك في وقتٍ ما بعد عام 1970، وطالبت السفارة المصرية في بريطانيا بإعادته إلى مصر. أما Christie's فيزعمون أن التمثال ينتمي إلى الأمير فيلهلم فون ثورن أوند تاكسيس (وُلد عام 1919 وتُوفِّي عام 2004) في الستينيَّات، وأنه باعه عام 1973 أو 1974 لجوزيف ميسينا، صاحب معرض فنون Galerie Kokorian & Co في فيينا، لكن الحكومة المصرية هدَّدت باللجوء إلى القضاء في حال عدم إعادة التمثال، في نزاعٍ يتصدَّر عناوين الصحف في جميع أنحاء العالم.
وحسب تقرير Live Science، الذي أجرى تحقيقاً عن حياة فيلهلم، وأجرى حواراتٍ مع أقاربه وأصدقائه الذين ما زالوا على قيد الحياة، وجمع وثائق عن حياة الأمير فهذا ما وصل إليه بخصوص التمثال المثير للجدل.
العائلة تثير الشكوك
صرَّح فيكتور فون (ابن فيلهلم)، وداريا فون (ابنة أخي فيلهلم) بأنَّ فيلهلم لم يملك التمثال في حياته، بالإضافة إلى أنه لم يكن مهتماً بالآثار القديمة أو الفنون عامةً.
تؤمن داريا بأن التمثال ربما كان ملكاً لقريب فيلهلم الأمير رايموندو توري إي تاسو، الذي "كان يعيش في قلعة دوينو (إحدى قلاع إيطاليا) المعروفة بتُحفها الأثرية"، على حدِّ قولها.
تُوفِّي الأمير رايموندو، لكن عائلته تقيم حالياً في القلعة، لكن متحدثاً باسم العائلة أفاد أن رايموندو لم يكن بحوزته تمثال توت عنخ آمون إطلاقاً.
ما عزز رواية داريا أن غودولا فالترسكيرتشن وهي مؤرِّخةٌ وصحفيةٌ مقربةٍ من فيلهلم، أكدت أنه لم يكن يملك مجموعةً من الآثار. وكذلك قدَّمت عالمة المصريات سيلفيا شوسكي أدلَّةً إضافيةً على أن فيلهلم لم يملك التمثال في حياته، وهي مديرة المتحف الوطني للفنون المصرية في ميونيخ. وقد درست ونشرت مقالاً في كتابها Konzeption der Ausstellung und Katalog Heinz Herzer, Ägyptische und moderne Skulptur Aufbruch und Dauer عن التمثال حين كان ينتمي إلى تاجر آثارٍ يُدعَى هاينز هيرتزر.
وأوضحت لموقع Live Science أنها لم تكن سمعت إلا مؤخَّراً عن امتلاك فيلهلم التمثال
ومن جانبها، قالت كاثرين مانسون، المسؤولة الدولية لشؤون Christie's، إن دار المزادات قد أجرت أبحاثاً مستفيضةً عن أصل التمثال، وتحدَّث أعضاءٌ من فريق البحث إلى قريبَيه الوحيدَين اللذَين ما زالا على قيد الحياة (داريا وفيكتور)، وكتبت كاثرين في بريدٍ إلكترونيٍّ إلى Live Science، أنهما "كانا صغيرَي السنِّ آنذاك ولا يذكران التمثال بشكل محدد".
وتابعت كاثرين في نصِّ بريدها: "لقد تحقَّقنا من ذلك الأصل مع جميع الملَّاك السابقين للتمثال، بمن فيهم السيد جوزيف ميسينا، الذي أكَّد أن الرأس (تمثال الملك توت) كانت بالفعل ضمن مجموعة آثار الأمير فيلهلم فون ثورن أوند تاكسيس في فيينا خلال الستينيَّات، ولم يتسن لموقع Live Science التواصل مع جوزيف ميسينا.
أضافت كاترين "استطعنا الوصول إلى مذكِّراته غير المنشورة، وقد وجدنا بها ذكراً محدَّداً للآثار، ونراجع حالياً جميع الموادِّ في حال وجود إشارةٍ أكثر تحديداً إلى المسألة".
جمع الوثائق
لا تُبدي الوثائق عن حياة فيلهلم أية دلائل على امتلاكه التمثال، مما يدعم مزاعم أقاربه. ولكنه شخصٌ مثيرٌ للاهتمام من نواحٍ أخرى، إذ تبيِّن الوثائق أنه انضمَّ إلى المقاومة النمساوية ضد النازيين عام 1941، وأصبح من كبار جماعة المقاومة التي قامت بأعمالٍ تخريبيةٍ ضد الألمان.
ووفقاً للوثائق ذاتها، فقد كان من واجبات فيلهلم الاتِّصال بجماعات المقاومة الأخرى النشطة في تشيكوسلوفاكيا وألمانيا، ومنها جماعةٌ كادت تقتل هتلر يوم 20 يوليو/تموز 1944، حين انفجرت قنبلةٌ في "وكر الذئب" الخاصِّ بهتلر.
وبعد الحرب، عاش فيلهلم في المغرب لفترةٍ قبل عودته إلى أوروبا. وفي حياته ما بعد الحرب، اشتغل بعدَّة وظائفٍ في العلاقات العامة وتنظيم الجولات السياحية والإرشاد السياحي. وكان يفضِّل أن يُسمِّي نفسه "فيلي"، مع أن فيلهلم هو اسمه الرسميُّ.
الأثر الوحيد الذي وجده Live Science مذكوراً في الوثائق باعتباره ملكاً لعائلة فيلهلم هي قارورة صينيةٌ يعود تاريخها إلى ما بين القرن الـ18 وأوائل القرن الـ20. وبيعت بعد وفاة فيلهلم عام 2004، وأظهرت بيانات الصفقة أنها كانت تنتمي إلى جَدِّ فيلهلم أليكساندر ثورن أوند تاكسيس.
إرث عائلي
أبحاث Christie's في تاريخ العائلة توحي بأن فيلهلم ربَّما قد ورث التمثال من أسلافه، وأنه كان يتردَّد كثيراً على إفريقيا وعاد منها بعدَّة أشياء، وعُرِف عن والد جدِّه الكونت هانز ويلتشك أيضاً أنه كان يملك مجموعةً كبيرةً كانت من ضمنها آثار.
يذكر المقال الصادر في صحيفة The New York Times عام 1970، أنَّ والدَي فيلهلم قد خسرا معظم ممتلكاتهما بنهاية الحرب العالمية الأولى، الحرب التي شهدت هزيمة الإمبراطورية النمساوية المجرية. إلى جانب أن فيلهلم كان الأصغر بين تسعة أبناءٍ، بينما كان والده إريك فون ثورن أوند تاكسيس واحداً من ثلاثة أبناء.
وفي ظلِّ خسارة الكثير من ممتلكات العائلة بحلول عام 1919 وكثرة الأبناء، فقد وجب تقسيم أي ميراثٍ متبقٍّ، أي أن احتمال أن يكون فيلهلم قد ورث تحفاً أثريةً من أجداده وآبائهم هو احتمالٌ ضعيفٌ، وتقول داريا ابنة أخيه إن التحف التي تذكرها لدى فيلهلم كانت أوروبيةً وليست مصريةً قديمةً.
أين الأموال؟
لم يكن فيلهلم شخصاً ثرياً، وقد تتباين تقديرات القيمة الحالية للتمثال، لكنها تدور حول 5 ملايين دولار. ومع أن قيمة التمثال لم تكن لتصل إلى ذلك الرقم عام 1973 أو 1974، حين يُفترَض أن فيلهلم قد باعه، فالوثائق واللقاءات الصحفية تبيِّن أن فيلهلم لم يتمتَّع بأية ثروةٍ من مبيع تمثالٍ عالي القيمة كتمثال توت عنخ آمون.
بل تثبت الوثائق أن فيلهلم ظلَّ يعمل في العلاقات العامة وتنظيم الجولات السياحية حتى قُبيل نهاية حياته. ولم تبدُ الوظيفة مُجزيةً إلى هذا الحدِّ، إذ يحكي مقالٌ نشرته وكالة أنباء United Press International عام 1985 عن فتاةٍ في الـ17 كانت غير راضيةٍ عن إحدى جولاته، وألقت بنبيذٍ في وجه فيلهلم.
النزاع الدبلوماسي
يعتقد وزير الآثار المصريُّ السابق زاهي حوَّاس، أن التمثال قد سُرِق من معبد الكرنك وأن التمثال محالٌ أن يكون قد استُخرِج من مقبرة توت عنخ آمون، إذ كانت التحفة الوحيدة المصنوعة من الحجر التي عُثِر عليها في المقبرة هي تابوت الفرعون.
وورد على لسان حوَّاس محدِّثاً موقع Live Science: "أرى أن Christie's لا يملكون أية أخلاقٍ، إذ يعرضون هذا الرأس للبيع". مضيفاً أنهم لا يملكون أدنى دليلٍ على أن هذا الرأس خرج من مصر بطريقةٍ شرعيةٍ. موضحاً "لن تتغاضى مصر عن هذا، سنوقف عملية البيع، وسوف نلاحق Christie's وصاحب هذا الرأس قضائياً".