كيف تحملوا تكاليف بناء الأهرامات الباهظة؟ عن سياسة الفراعنة الاقتصادية

داخل أهرامات الجيزة في مصر، توجد مقابر الملوك والمسؤولين المصريين الذين دُفنوا في هذه الهياكل الضخمة. هؤلاء الرجال والنساء كانوا مسؤولين عن تكاليف بناء الأهرامات وتنفيذها.

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2019/05/08 الساعة 04:00 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/05/08 الساعة 16:18 بتوقيت غرينتش
أجرى البلاط الملكيّ إحصاءات دورية للمنافع الخاضعة للضريبة، مثل الأبقار والأغنام والماعز لتمويل مشاريعهم الضخمة/ istock

داخل أهرامات الجيزة في مصر، توجد مقابر الملوك والمسؤولين المصريين الذين دُفنوا في هذه الهياكل الضخمة. هؤلاء الرجال والنساء كانوا مسؤولين عن تكاليف بناء الأهرامات وتنفيذها.

منهم المهندسون المعماريون والقادة العسكريون والكهنة وكبار مسؤولي الدولة، الذين كانوا يديرون البلاد، وكانوا يحرصون على التأكد من أن الموارد المالية كانت كافية لبناء تلك المقابر الملكية الضخمة التي كانوا يأملون أن تخلد إلى الأبد.

في المملكة المصرية القديمة، وهي فترة استمرت حوالي 500 عام (2686-2181 ق. م.)، كان الاقتصاد معتمداً بصورة أساسية على الزراعة وبشكل كبير على النهر الذي رفد الحقول على ضفافه مما جعل الأرض خصبة، كما سمح بنقل البضائع في جميع أنحاء البلاد.

من ملاك الأراضي للملك.. شبكة إعادة توزيع

تشير الأبحاث التي نشرها موقع BBC Mundo الإسباني إلى أن معظم الأراضي الزراعية الخصبة كانت جزءاً من الإقطاعيات الضخمة التي كانت تحت سيطرة التاج وعدة معابد، بالإضافة إلى الطبقة العليا من الأثرياء، الذين كانوا عادةً مسؤولين في البلاط الملكي.

لم تكن هذه الإقطاعيات وحدات منفصلة تماماً، بل كانت في الغالب جزءاً من شبكة إعادة التوزيع نفسها، التي كانت تخضع في النهاية للملك، فقد كانت البلاد تعتمد، إلى حد ما، على الإدارة المركزية.

ربما شمل هذا النظام أيضاً شبكات إعادة التوزيع الرسمية وغير الرسمية على حد سواء.

كان النظام في تلك الفترة شبيهاً بالأنظمة الإقطاعية، مثل ذلك الذي كان موجوداً في أوروبا في العصور الوسطى.

كان النظام في مصر القديمة إقطاعياً.

يسلم الملّاك الضرائب وإلا فعقوبات جسدية

بشكل عام، كانت الأراضي الزراعية، إلى جانب المدن، هي الوحدات الأساسية للتنظيم الاقتصادي والاجتماعي.

تشير الأبحاث إلى أن التاج لم يفرض ضرائب على الأفراد، مثل المزارعين.

إذ يبدو أن الإدارة لم تكن قادرة على التعامل مع تفاصيل هذه المهمة في جميع أنحاء البلاد.

وبدلاً من ذلك، أُثقل بها القائمون على هذه الإقطاعيات، الذين كانوا مسؤولين عن تسليم العائدات بأنفسهم إلى الخزائن الملكية، وضمان أن الأراضي التي يشرفون عليها تحقق الفائض المتوقع، وإلا تعرضوا للعقوبات الجسدية.

النظام كان يحسب قيمة الأملاك، بما فيها الحيوانات

من أجل حساب الإيرادات وبالتالي مقدار الضريبة التي ستدفع للإدارة الملكية، أجرى البلاط الملكيّ إحصاءات (تعدادات) دورية، ليس للأفراد بل للمنافع الخاضعة للضريبة، مثل الأبقار والأغنام والماعز.

كما اتّضح أن هناك سلعاً أخرى شملتها الضرائب، مثل الأقمشة وأنواع الأعمال اليدوية الأخرى.

تم جمع هذه الضرائب في الخزائن ومخازن الحبوب لإعادة توزيعها على الأراضي الزراعية مرة أخرى أو مشاريع البناء المختلفة، مثل المقابر الملكية والعناية بالطقوس الجنائزية الملكية.

في أبوصير، خارج القاهرة، عُثر على أدلة تتعلق بإدارة هذه الطقوس.

ساعدت النصوص التي عثر عليها المؤرخون في معرفة الأنشطة اليومية للكهنة، وفهم كيف أن عبادة الملك الميّت كانت مرتبطة بالإدارة الملكية والعديد من الممتلكات التابعة للمعابد.

عمال بالسخرة مقابل اللحم والسمك والجعة

كان رؤساء الإقطاعيات أثرياء، ولكنهم كانوا يعملون لتحقيق هذه الثروة؛ إذ كانوا مسؤولين عن التأكد من حسن سير العمل وتزويد عمالهم -الذين عملوا بنظام السخرة- بالطعام والملبس والمأوى.

في مناطق بناء الأهرامات بالجيزة، كان هؤلاء العمال يحصلون على اللحوم الممتازة والأسماك والجعّة.

 وربما كانت هذه من مزايا كونهم جزءاً من القوى العاملة بالسخرة، والتي استُقدمت من الإقطاعيات في جميع أنحاء البلاد للعمل في الإنشاءات الملكية الضخمة.

نقل الرجال والبضائع أنعش الاقتصاد المصري

يشير نقش لـ ويني، القاضي والقائد العسكري لمدينة أبيدوس، في صعيد مصر، إلى أن الجنود كانوا يُجنّدون من بين العمال الذين كانوا يعملون بالسخرة.

وكانوا يُشاركون في حملات استكشافية تشرف عليها الدولة لاستكشاف الأراضي الحدودية الغنيّة بالمعادن، وجلب المواد الضرورية لمشاريع البناء الضخمة، مثل النحاس والخشب.

كما أحضرت هذه الحملات أشياء أخرى إلى وادي النيل، مثل الحيوانات الغريبة والنباتات وعبيد يقومون بأعمال التسلية في بلاط الملك.

وفي وادي الجرف، على ساحل البحر الأحمر، والذي كان ميناء في عصر المملكة القديمة، عُثر على وثائق من ورق البردي تعود لعهد الملك خوفو.

تحتوي هذه الوثائق على سجلّ لقبطان يدعى ميرر كان يعمل في نقل الرجال والبضائع داخل وخارج مصر.

تُخبرنا الوثائق أيضاً كيف شارك ميرر هو ورجاله الأربعون في بناء هرم الجيزة الأكبر؛ إذ  قاموا بنقل الحجارة من المحاجر إلى موقع بناء الهرم.

من المفترض أن هذه المشروعات طوّرت الجهاز الإداري وأدت إلى إنعاش الاقتصاد المصري.

الجميع كان يخدم المملكة والطقوس الجنائزية للأثرياء فقط

عمل ميرر، شأنه شأن مسؤولي الإقطاعيات، في إدارة البناء الملكية التي كانت تقوم بجميع أعمال البناء الرئيسية في البلاد، وربما كانت مسؤولة أيضاً عن بناء الأهرامات العظيمة في الجيزة وسقارة.

قامت كافّة مستويات القوى العاملة المصرية بخدمة المملكة، سواء أكانوا مسؤولين في البلاط أو عمّال يسحبون الحجارة في مواقع البناء.

في المقابل، كافأ البلاط الملكيّ أرباب العمل بإعادة توزيع المواد الغذائية وغيرها من المنتجات الأساسية.

وقام هؤلاء المسؤولون بدورهم بتوزيعها على بقية درجات السلم الاجتماعي. ولكن لم يحظ سوى القادة وكبار المسؤولين بمكافأة الدولة بطقوس جنائزية بجانب قبر الملك.

تحميل المزيد