مع حلول اليوم الأول من رمضان، يستعد المسلمون حول العالم لاستقبال شهر الصيام والتقوى والعبادة بقلوب مفعمة بالأمل والإيمان. هذا الشهر الذي تتجدد فيه الروحانيات وتُفتح فيه أبواب الخير على مصاريعها، حاملاً معه ليس فقط السكينة والطمأنينة للنفوس، بل وكذلك ذكريات تاريخية تروي قصص أحداث وقعت في اليوم الأول من رمضان، والتي لن ينساها المسلمون مع مرور التاريخ.
أحداث وقعت في اليوم الأول من رمضان
عبر التاريخ شهد المسلمون العديد من الأحداث التي صادفت اليوم الأول من رمضان فمنها من أدخل السعادة إلى قلوبهم مثل فتح مصر واستقلال الجزائر وأخرى كانت بمثابة كابوس عايشه المسلمون خلال اليوم الأول من رمضان من بينها احتراق المسجد النبوي وتلف معظم المقتنيات التي تعود إلى عهد الرسول صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين.
بالإضافة إلى عدد من الحروب التي لم يتمكن المسلمين الإنتصار فيها والتي استشهد فيها أعداد من الجنود مثل معركة بلاط الشهداء التي حدثت خلال القرن السابع ميلادي.
نزول صحف إبراهيم
في سياق توجيهات الله للبشرية، أوحى برسالاته عبر الكتب السماوية إلى الأنبياء، متضمنة إرشادات روحية ومعرفية للعالمين. تتعدى هذه الكتب مجال الديانات الإسلامية، والمسيحية، واليهودية، لتشمل أيضاً الزبور وصحف إبراهيم، التي أنزلت على النبي إبراهيم. تذكر النصوص القرآنية هذه الأسفار باسمها، مؤكدة على أهميتها الدينية والتاريخية.
يبرز الدور المهام لصحف إبراهيم، التي أُنزلت في اليوم الأول من شهر رمضان، في تأسيس رسالة الإيمان. أُوكل إلى سيدنا إبراهيم -عليه السلام- مهمة نشر دعوة الدين الإلهي بين الناس، ما دفعه للتنقل بين عدة مناطق، بدءاً من العراق وصولاً إلى مصر والحجاز.
وقد أخبرنا الله جل جلاله فى كتابه الكريم، عن بعض ما كان في صحف إبراهيم عليه السلام:
قال تعالى في سورة النجم: (أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِى صُحُفِ مُوسَى (36) وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِى وَفَّى (37) أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى (38) وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى (39) وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى (40) ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى).
أما في الأحاديث النبوية فقد أخبرنا الرسول -عليه أفضل الصلاة والسلام- عن تاريخ نزول هذه الصحف، كما جاء عن واثلة بن الأسقع أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "أنزلت صُحُفُ إِبْرَاهِيمَ -عَلَيْهِ السَّلَام- فِي أَوَّلِ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ، وأنزلت التَّوْرَاةُ لِسِتٍّ مَضَيْنَ مِنْ رَمَضَانَ، وَالْإِنْجِيلُ لِثَلَاثَ عَشْرَةَ خَلَتْ مِنْ رَمَضَانَ، وَأُنْزِلَ الْفُرْقَانُ لِأَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ خَلَتْ مِنْ رَمَضَانَ". رواه أحمد في "المسند"، وحسنه الألباني في "السلسلة الصحيحة".
فتح مصر سنة 640 للميلاد
خلال فترة الخليفة عمر بن الخطاب استطاع المسلمون فتح كل من بلاد الشام وفارس بالإضافة إلى انتزاع فلسطين من أيدي الروم البيزنطيين.
خلال هذه الفترة اقترح الصحابي عمرو بن العاص على الخليفة عمر بن الخطاب التوجه إلى مصر وفتحها، وذلك لحماية ظهور المسلمين من جيوش الروم الذين انسحبوا من الشام وتمركزوا في أراضي مصر، الشيء الذي قوبل في البداية من الخليفة بالرفض مخافة تلاشي رأي المسلمين بعد اتساع أراضيهم في تلك الفترة.
لكن مع إلحاح عمرو بن العاص وافق الخليفة عمر بن الخطاب على إرسال جيش للمسلمين مكون من 4 آلاف جندي إلى مصر بقيادة الصحابي عمرو بن العاص، والذين عبروا فلسطين إلى العريش ومنها إلى ميناء الفرما الذي حدث به قتال شديد أمام الجيوش البيزنطية التي استطاع فيها المسلمون الانتصار والاستمرار في مسيرتهم إلى بلبيس ومنها إلى حصن بابليون.
عرف حصن بابليون أنه من الحصون المنيعة وصعبة الدخول في ذلك الوقت، ليطلب عمرو بن العاص من الخليفة الثاني لرسول الله عمر بن الخطاب المدد لكي يتمكن من اختراق الحصن، وما أن وصل المدد حتى حدثت معركة عين شمس التي انتصر فيها المسلمون نصراً كبيراً على جيوش الروم على الرغم من أعداد جيوشهم الكبيرة.
من بعد هذه المعركة استطاع المسلمون اقتحام الحصن بعد أن تسلق الصحابي الزبير بن العوام مع عدد من المسلمين السور ثم كبروا، هذا الفعل الذي جعل من بقي في الحصن يتوقع أن المسلمين دخلوا الحصن ليلوذ بعدها بالفرار، تاركين أبواب الحصن للمسلمين الذين فتحوها، ليسقط أكثر حصون الروم منعةً.
بعدها تمكن عمرو بن العاص من فتح الإسكندرية معلناً انتهاء حكم الدولة البيزنطية في مصر، ليصبح حدث فتح مصر من بين أبرز أحداث وقعت في اليوم الأول من رمضان.
وفاة مروان بن الحكم في اليوم الأول من رمضان سنة 685
مروان بن الحكم، رابع خلفاء بني أمية، لم يسطر فقط اسمه في سجلات التاريخ كمؤسس للسلالة الأموية التي هيمنت على العالم الإسلامي من عام 685م حتى 750م، بل أيضاً كجد للحكام الذين قادوا الأندلس في فترة لاحقة ما بين 756م و1031م. هذا الإرث يشكل علامة فارقة في تاريخ الحضارة الإسلامية، ممهداً الطريق لعصور من الرخاء والتوسع.
تأتي أهمية مروان بن الحكم في سياق حاسم ومضطرب بعد وفاة يزيد بن معاوية، حيث انغمس العالم الإسلامي في فترة من عدم الاستقرار السياسي والفراغ القيادي. بينما أعلن عبد الله بن الزبير نفسه خليفة في مكة، مستغلاً هذا الفراغ ومجتذباً دعماً شعبياً ملحوظاً، وجدت الأمة نفسها على مفترق طرق، تشهد صراعاً على السلطة يهدد بتقسيم الأمة.
في هذا السياق الهش، كانت شخصية مروان بن الحكم، ببراعة وحنكة، كفيلة بأن توحد صفوف الأمويين وأنصارهم من جديد حول قضية مشتركة، ما أسفر عن تأييده كخليفة للمسلمين في الشام. تميزت فترة حكمه، التي استمرت قرابة العامين حتى وفاته في اليوم الأول من رمضان عام 65هـ/ 685 للميلاد، بالجهود المبذولة لإعادة توحيد الأمة وترسيخ دعائم الحكم الأموي، الذي سيطر لاحقاً على مقاليد الأمور في العالم الإسلامي لعقود.
تأتي قصة مروان بن الحكم لتؤكد على أهمية القيادة الحاسمة في أوقات الأزمات، وكيف يمكن للقادة المؤثرين أن يشكلوا مسار التاريخ. تعد فترة حكمه نقطة تحول مفصلية، حيث لم تقتصر تأثيراتها على الجغرافيا السياسية وقتئذ فحسب، بل امتدت لتصوغ إرثاً ثقافياً وحضارياً طويل الأمد، فيما تعتبر وفاته من بين أبرز أحداث اليوم الأول من رمضان عبر التاريخ.
معركة بلاط الشهداء وهزيمة المسلمين سنة 732
في فصل حاسم من صفحات التاريخ الإسلامي والأوروبي، تبرز معركة بلاط الشهداء، وقعت في اليوم الأول من رمضان، كلحظة فارقة تجسد الصراع بين الحضارات في العصور الوسطى. هذه المعركة التي دارت رحاها بين قوات المسلمين بقيادة عبد الرحمن الغافقي، والي الأندلس في زمن الدولة الأموية، وقوات الفرنجة بقيادة شارل مارتل، لم تكن مجرد صدام عسكري، بل كانت عرضاً للتكتيكات العسكرية البارعة، ونقطة تحول حاسمة في مسار الصراعات بين الشرق والغرب.
المعركة التي اتخذت اسمها من موقعها بالقرب من قصر بلاط مهجور، انتهت بمأساة للمسلمين، الذين فقدوا عدداً كبيراً من الشهداء، بما في ذلك قائدهم عبد الرحمن الغافقي الذي تسبب استشهاده في انسحاب جيوش المسلمين.
الاستراتيجية العسكرية التي انتهجها شارل مارتل، استطاعت أن تعزل قوات المسلمين وتضعهم في موقف ضعف، ما ساهم في انتصار الجيوش الإفرنجية ووقف المد الإسلامي نحو أوروبا.
احتراق المسجد النبوي سنة 1256
من بين أحداث اليوم الأول من رمضان التي لا يزال المسلمون يذكرونها إلى اليوم هي حادثة احتراق المسجد النبوي سنة 1256م/654هـ، هذه الحادثة التي أدت إلى انهيار سقف المسجد بالكامل، فيما تسبب في تلف جل محتوياته التي يعود العديد منها إلى عهد الرسول عليه الصلاة والسلام.
من بين أبرز الأشياء التي تسبب الحريق في تلفها نجد المنبر النبوي بالإضافة إلى الزخارف والأبواب والخزائن التي تم تصميمها من قبل الخلفاء الراشدين وخلفاء الدولة الأموية والعباسية، بالإضافة إلى ذلك تسبب الحريق في تلف جميع الكتب التي كانت تحتويها مكتبة المسجد، بالإضافة إلى كسوة الحجرة النبوية، فضلاً عن انهيار جزء من الحجرة النبوية.
حسب بعض المؤرخين يعود سبب الحريق إلى أحد خدام المسجد الذي نسي إخراج القناديل المشتعلة بإحدى المآذن، لتتسبب في اشتعال النيران في كل أرجائه، لم تكن هذه المرة الأخيرة التي تشتعل فيها النيران في المسجد النبوي؛ إذ تواكبت الأحداث على المسجد مع انهيار الدولة العباسية وهجوم التتار على مناطق النفوذ العباسي.
أحداث وقعت في اليوم الأول من رمضان.. استقلال الجزائر سنة 1962
بدأت ثورة التحرير الجزائرية، واحدة من أبرز فصول الكفاح ضد الاستعمار في القرن العشرين، في نوفمبر/تشرين الثاني من عام 1954، مُطلقة شرارة النضال ضد الحكم الاستعماري الفرنسي الذي استمر لأكثر من قرن. استمرت هذه الثورة 7 سنوات ونصف السنة، في صراع شاق ومرير شهدت خلاله الجزائر مزيجاً من الكفاح المسلح والنضال السياسي. كان ثمن هذا النضال باهظاً، حيث فقدت الجزائر قرابة المليون شهيد في سبيل حريتها واستقلالها.
في لحظة تاريخية فاصلة، في الأول من رمضان 1381هـ، الموافق لـ3 يوليو/حزيران 1962م، أعلن الجنرال الفرنسي شارل ديغول استقلال الجزائر، ما أسدل الستار على سنوات طويلة من القمع والمقاومة، وفتح صفحة جديدة في تاريخ البلاد. هذا الإعلان لم يكن نهاية المعركة فحسب، بل كان أيضاً بداية مرحلة جديدة تتسم بالتحديات الكبرى في بناء دولة جزائرية مستقلة وسيادية.
الثورة الجزائرية تُعد مثالاً بارزاً على الإرادة الشعبية في مواجهة الاستعمار والظلم، وتشهد على أن الحرية والاستقلال هما ثمرة نضال طويل وتضحيات جسام. قصة استقلال الجزائر تمثل إلهاماً للشعوب في جميع أنحاء العالم، مُظهرةً أن الإصرار والتضحية يمكن أن يقودا في نهاية المطاف إلى تحقيق العدالة والسيادة.
معركة تحرير الفاو سنة 1988
معركة تحرير الفاو، التي عُرفت أيضاً بعملية "رمضان مبارك"، تمثل واحدة من اللحظات الحاسمة خلال حرب الخليج الأولى، حيث قام الجيش العراقي بتنفيذ عملية عسكرية معقدة وشاملة بهدف استعادة السيطرة على شبه جزيرة الفاو من القوات الإيرانية.
اندلعت هذه المعركة في أول أيام رمضان من عام 1408هـ، ما أعطى العملية بعداً رمزياً وأطلق عليها اسم "رمضان مبارك". تكونت العملية من 3 مراحل رئيسية، تم خلالها التخطيط والتنفيذ بدقة متناهية، ما مكّن القوات العراقية من تحقيق أهدافها بنجاح كبير. استطاعت هذه القوات، خلال حوالي 35 ساعة فقط من القتال المتواصل، أن تخرج الجيش الإيراني من شبه جزيرة الفاو، معلنة تحرير الأراضي العراقية في عملية عسكرية أظهرت كفاءة وجرأة استثنائيتين.
العملية لم تسفر عن تحرير شبه الجزيرة وحسب، بل تمكنت أيضاً من تكبيد الجيش الإيراني خسائر فادحة، بين قتلى وأسرى، بالإضافة إلى الاستيلاء على كميات كبيرة من المعدات والأسلحة. هذا الإنجاز يُظهر الدقة في التخطيط العسكري والتنفيذ الفعال للجيش العراقي، معززاً موقف العراق في ساحة الصراع.
تشكل معركة تحرير الفاو نقطة تحول مهمة في مسار حرب الخليج الأولى، مُبرزة الإرادة والقدرة على تحقيق الأهداف الاستراتيجية تحت ظروف قاسية. كما تعد شهادة على التعقيدات والتحديات التي تواجه العمليات العسكرية في زمن الحروب، وتؤكد على أهمية الروح المعنوية والتزام القوات المسلحة بحماية سيادة البلاد وأمنها القومي.