أدرك قادة العالم أن الحرب الأوروبية ستجلب معها اضطرابات اقتصادية، وغلياناً اجتماعياً، وثورات سياسية، ناهيك عن الموت الجماعي، ولكنهم قرروا المُضي قدماً على أي حال.
وبعيداً عن فكرة أنها ستكون حرباً قصيرة "تنتهي مع أعياد الميلاد"، كما في القول الشائع، كانت الفكرة لدى القادة في جميع أنحاء أوروبا، والتي عبّر عنها المستشار البريطاني، ديفيد لويد جورج، بأنها ستكون "معركة نهاية العالم".
لماذا إذاً لم يتجنَّب قادة أوروبا الكارثة عام 1914؟
في البداية، اعتقد عدد قليل من القادة، خصوصاً العسكريين بشكل رئيسي، أن الحرب سوف تطهّر المجتمع من القيم المادية والأجنبية. وكلما كانت العواقب وخيمة، أصبحت الحرب أكثر فاعلية في تحقيق هدف التجديد الوطني.
وجادلوا بأن الحرب سوف تُعزِّز من قيم التضحية بالنفس والتماسك والاجتماعي. ولكن بدلاً من ذلك، أدى نقص المواد إلى الهزيمة العسكرية والتفسّخ الاجتماعي في روسيا، والإمبراطورية النمساوية المجرية، وألمانيا.
ثانياً، اعتقد بعض السياسيين أن بإمكانهم استخدام احتمالية وقوع كارثة لتهديد وردع خصومهم. حتى صاغ، كورت ريزلر، سكرتير المستشار الألماني بيثمان هوللويج، مصطلح سياسة المخاطر؛ إذ توقع أنه بمواجهة احتمالية نشوب حرب أوروبية، ستتراجع القوى العظمى مع أول كارثة.
ولكن هذا المنطق لن يصمد إذا اعتبر كلا جانبي الحرب أن مصالحهما الحيوية في خطر وذاق كلا الجانبين عواقب كارثية مماثلة من الحرب مما قاد أوروبا – بسخافة ودون منطق – إلى أزمة عالمية، وهو ما اتضح من خلال تعليق القيصر الألماني ويليام الثاني: "إذا كان علينا أن ننزف حتى الموت، على الأقل سوف تخسر إنجلترا الهند".
تبادُل اللوم
ثالثاً، صاغ السياسيون الأزمة على أنها خيار بين كارثتين. وخافوا، إن تراجعوا، أن يخسروا مكانتهم وحلفاءهم، وفي النهاية أمنهم إلى الأبد.
بالنسبة لقادة الإمبراطورية النمساوية المجرية، جعلتهم التسوية عرضة للمزيد من الاستفزازات الصربية والتفكك البطيء لإمبراطورية هابسبورغ، وأصبحت الحرب أقل الضررين، واستراتيجية عالية الخطورة قد تؤدي، وقد لا تؤدي، إلى تجنب الدمار المحتوم.
وعندما بدأت الدول حالة التعبئة، خشي القادة العسكريون والسياسيون من اكتساب الطرف الذي يتحرك أولاً ميزة عسكرية كبيرة، وأن الانتظار لفترة طويلة قد ينطوي على مخاطرة مزدوجة لخوض الحرب والمعاناة من هزيمة مبدئية.
وحظي هذا المنطق بأهمية كبيرة في معسكرات الجبهة الشرقية، بين الإمبراطورية النمساوية المجرية وروسيا وألمانيا.
رابعاً، عندما أصبح خيار الحرب وشيكاً ومحتملاً بشكل متزايد، بدأ القادة مرحلة إنكار قدرتهم على حل الصراع، وبدأ السياسيون في إلقاء اللوم على خصومهم بسبب الصراع الوشيك. حتى صرّح لويد جورج، الذي أصبح رئيس وزراء بريطانيا في عام 1916، بأن أوروبا "انزلقت" إلى الحرب.
شجعت حالة الإنكار السياسي من تزايد الشعور بالاستسلام للقدر، مما سهّل من اندلاع الحرب. إذا اعتبر القادة أن الحرب لا مفر منها، وهذه الحتمية تجعل قبول العواقب الوخيمة أكثر سهولة من الناحية النفسية.
خامساً، القرارات الفردية كانت تهدف غالباً إلى تجنب الحرب من خلال إجبار الطرف الآخر على التراجع. فبدلاً من تقديم التنازلات، ضاعفت الدول من مطالبها، ووقفت داعمة لحلفائها بالكامل، دون حثهم على تقديم أي تنازلات. وكانت النتيجة هي تصعيد الأزمة بسرعة كبيرة نحو الحرب.
دبلوماسيون مخضرمون في موقع القيادة
إذا نظرنا لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي كنموذج على التحرك نحو الأسوأ بإرادة تامة، وبالرغم من أن تبعات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي دون اتفاق أقل بشاعة، هناك العديد من أوجه التشابه في أنماط معينة من التفكير والسلوكيات السياسية بين الحرب العالمية الأولى وخروج بريطانيا من الاتحاد
تطلَّب الأمر قادة لديهم ما يكفي من الشجاعة للتنازل، أو حتى قبول الهزيمة، وأن تتفهم الدول إمكانية تحقيق مكاسب أمنية على المدى الطويل، ومكاسب مستقبلية في مقابل قبول بعض الانتكاسات على المدى القصير.