الهجمات الإرهابية التي تم تنفيذها في سيرلانكا الأحد 21 أبريل/نيسان 2019، لم تكن الأولى من نوعها، فقد عاشت سريلانكا تاريخاً طويلاً من الصراع العرقي والطائفي والديني.
بعد حرب طائفية استمرت نحو 25 عاماً، بلغ خطاب الكراهية الديني أَوْجه في سريلانكا متمثلاً بأعمال العنف ضد الأقليات المسلمة والمسيحية.
دور العبادة.. هدفٌ لأعمال العنف البوذية
منذ انتهاء الحرب بين حركة نمور التاميل والجيش السريلانكي في عام 2009، بدأت أعمال العنف التي يرتكبها البوذيون ضد الأقليات الدينية بالتزايد بشكل ملحوظ.
ما بين عامي 2012 و2013، تم الإبلاغ عن أكثر من 350 هجوماً عنيفاً على المسلمين، وأكثر من 150 هجوماً على المسيحيين في سريلانكا.
كانت المساجد والكنائس هدفاً أساسياً لهذه الهجمات التي كانت نتيجة طبيعية لخطاب العنف والكراهية والتمييز الذي تبناه البوذيون.
وبعد فترة بسيطة من الهدوء، عادت أعمال العنف لتتصعد في العام 2014، حيث هاجم البوذيون منازل ومحلات تجارية يملكها مسلمون مخلفين قتلى وجرحى.
المساجد لم تسلم في هذا الهجوم أيضاً، حيث أُحرق بعضها، وتعرَّض بعضها الآخر للتخريب.
وبعد الاعتداءات التي بلغت 120 اعتداء ضد المسيحيين في العام 2015، اضطرت بعض الكنائس وجماعات الصلاة إلى الإغلاق، لتجنُّب أذى البوذيين.
كما حُظر الدفن المسيحي، حيث أُجبر المسيحيون على دفن أحبائهم بعيداً عن قراهم.
وفي 5 مارس/آذار 2018، فرضت الحكومة السريلانكية حالة الطوارئ مدة 10 أيام، بعد أعمال شغب وموجة من العنف الموجَّه ضد المسلمين في مدينة كاندي.
المسلمون يروجون لحبوب منع الحمل!
المجموعات البوذية المتطرفة تدَّعي أنها تحمي البوذية، التي تهدِّدها الأقليات الإسلامية والمسيحية.
وإلى جانب أعمال العنف، يلجأ هؤلاء إلى نشر الخوف بين السكان المحليين، وتصوير الأقليات على أنهم يهددون الهوية البوذية.
وعلى هذا الأساس يسعى هؤلاء باستمرار إلى نشر إشاعات تشعل نار الكراهية بين البوذيين والديانات الأخرى مثل أن المسلمين يهربون المخدرات، ويروجون حبوب منع الحمل ضمن خطة تهدف إلى منع تكاثر البوذيين.
أو أن المسيحيين يجرفون تماثيل بوذا ويدمرونها.
وبكل تأكيد، تسهم هذه التصريحات في نشر مناخ الخوف بين البوذيين السنهاليين، كما تغذي العدوانية والكراهية في نفوسهم ضد الديانات الأخرى.
رهبان أم بلطجية؟
يغتنم الرهبان البوذيون المتشددون مثل "أمبيتيتي سومانا" ومنظمات مثل "مها سوهون بالاكايا" و "بودو بالا سينا" نيران التعصب الديني والكراهية، من خلال التحريض على أعمال الشغب بين المجتمعات البوذية والإسلامية.
وغالباً ما يقود "الرهبان القرويون" البوذيون الهجمات على الأقليات الدينية.
يقول البعض إن هؤلاء ما هم إلا بلطجية بوذيون يرتدون ملابس الرهبان، لكنهم في الواقع ليسوا رجال دين بوذيين.
وبكل الأحوال، لم تتم حتى الآن محاكمة أي من المتطرفين البوذيين المتورطين في الهجمات السابقة على المسيحيين أو المسلمين.
الحكومة لا تأخذ قضية التطرف البوذي على محمل الجد
الاعتداء على الأقليات الدينية من مسلمين ومسيحيين، ومهاجمة ممتلكاتهم ودور عبادتهم، أصبحا ظاهرة في سريلانكا خلال السنوات الماضية.
وفضلاً عن التعبئة الدينية التي يمارسها الرهبان البوذيون الذين أشعلوا شرارة الكراهية بين البوذيين والأقليات الدينية الأخرى، يُعتبر دعم الحكومة للمتطرفين سبباً رئيسياً في تنامي موجة العنف.
فرغم عدم وقوف الحكومة بشكل صريح، مع هؤلاء المتطرفين البوذيين، فإن عدم وجود الرادع الكافي لهم جعلهم يتمادون في اعتداءاتهم على الأقليات.
حيث استطاع هؤلاء في كل المناسبات الإفلات من العقاب.
كذلك، فإن الاستجابة غير الكافية من قِبل الشرطة والسلطات القضائية عند حدوث الاعتداءات غذت مناخ العنف والكراهية.
ومما يثير القلق أن التقرير السنوي لعام 2015، الصادر عن لجنة الولايات المتحدة للحرية الدينية الدولية، أشار إلى أن الشرطة بسريلانكا كانت شريكاً في مضايقة الأقليات الدينية بدور العبادة الخاصة بها، ولم توقف الاعتداءات البوذية، بل شاركت فيها أحياناً.
التنوع الديني في سيرلانكا
تعد سريلانكا دولة ذات تعددية دينية وعرقية، ولكن البوذيين هم الأغلبية فيها، كما أن أول النصوص المعروفة لهذه الديانة كُتبت في سريلانكا.
ويشكِّل البوذيون 70% من السكان، إلى جانب 12% من الهندوس و10% من المسلمين و7% من المسيحيين الكاثوليك والبروتستانت.