أحمد الهوان أو جمعة الشوان، اسم رافق المصريين كثيراً كواحد من أهم أبطال حرب 6 أكتوبر، والذي ساهم في انتصار الجيش المصري خلالها من خلال عمله كجاسوس مزدوج ولم يكتشفه الموساد الإسرائيلي طيلة فترة عمله حتى جسد شخصيته الفنان عادل إمام في العمل الدرامي الشهير دموع في عيون وقحة
حكى الهوان قبل وفاته تفاصيل حياة الجاسوسية، وكيف أن الموساد الإسرائيلي وضع في طريقه أجمل الفتيات لتجنيده وأغدقوا عليه بالمال، لكنه فضّل أن يفضح سر اتفاقه معهم للمخابرات المصرية.
ولد الهوان في مدينة السويس المصرية، في أسرة مكونة من 9 أفراد، عمله في ميناء السويس منذ وصوله الـ 14 من عمره ساعده في تعلم لغات متعددة وقبل أن يكمل عامه الـ 19 كان صاحب شركة سياحة تنظم أفواجاً للسياح القادمين إلى مدينته الصغيرة.
ظل الهوان يعمل حتى العام 1967، حينها حولت النكسة مدينة السويس إلى ما يشبه بمدينة الأشباح فخسر عمله وقرر البحث عن عمل آخر خاصة أن معظم أهاليه تعرضوا للتهجير في أعقاب نكسة 67.
تذكر الهوان في ليلة أنه كان أقرض صديقاً يونانياً ما قيمته 2000 جنيه إسترليني، وكان المبلغ كفيلاً حينها بأن يساعده على فتح مشروع صغير.
البحث عن باماجاكوس
سافر الشوان مع صديقه للبحث عن اليوناني باماجاكوس، ولما وصل اكتشف أن صديقه خسر أموالاً طائلة في غرق إحدى مراكبه لكنه ضمن له العمل على سفينة أخرى كبديل عن المبلغ الذي أدين به.. ولم يكن أمام الشوان إلا الموافقة.
أثناء رحلاته على متن السفينة التي عمل بها تعرف على "جوجو"، التي أصبحت فيما بعد عنصراً أساسياً في تجنيده، تعرفت عليه بصفتها ابنة واحد من أشهر وأغنى رجال الأعمال في مانشستر، وتطورت علاقاتهما حتى طلبت منه الزواج، ومقابلة والدها لطلبها منه وهناك كانت قد دبرت كل شيء.
وافق والدها على إتمام الزواج شريطة أن تعيش معه في قصره وأن يعمل الشوان في إحدى شركاته، رغم علمه بأنه كان متزوجاً ولديه ابن وابنة يعيشان في مصر.
رحلة التجنيد..
في بلجيكا بينما كان ينتظر جوجو خطيبته في موعد غرامي، التقى به شاب عرفه بنفسه باسم إبراهام، ودعاه إلى سهرة خاصة، لاسيما أن خطيبته "جوجو" كانت قد تأخرت عليه حتى علم أن الوقت قد تأخر لكي تأتي.
عرض عليه إبراهام وظيفة بمرتب خيالي، قدره 5 آلاف جنيه إسترليني شهرياً، كان العرض كما يقول الشوان أو الهوان كفيلاً بأن ينسيه أن خطيبته أخلفت موعدها معه بل وتركته دون إبداء أسباب.
كان ضرورياً أن يقدم الهوان ضمانات للوظيفة الجديدة، لكن جواز سفره كان في حوزة القبطان الذي يعمل على متن سفينته، ما دفع إبراهام لترتيب خطة أن يفتعل الهوان مشكلة ويعتدي على أحد زملائه بالضرب ويتم فصله، ويضمنه إبراهام للخروج من قسم الشرطة.
بدأ الشك يراود الهوان بأن كل هذه التسهيلات قطعاً لن تكون دون مقابل، خاصة أنه طلب منه قائمة بأسماء أهم أقاربه وأصدقائه في السويس كنوع من الضمانات.
تأكدت شكوكه نظراً لما أغدقه عليه من مال، وكانت كل الشواهد تؤكد أن إبراهام يريد أحمد الهوان في مهمة من طابع خاص.
وبالفعل عرض إبراهام وصديقه على الهوان تأسيس شركة شحن في القاهرة، وأعطياه 185 ألف دولار كمصاريف للتأسيس، على أن تكون أول مهمة شراء مجموعة من السفن كانت قد تعرضت للغرق في أعقاب النكسة، وهناك تأكد الهوان بما لا يدع مجالاً للشك أن إبراهام عميل
في الموساد الإسرائيلي.
من المطار إلى مقابلة جمال عبدالناصر
فور وصوله إلى القاهرة بحث الهوان عن أي طريق يوصله إلى مكتب الرئيس المصري آنذاك جمال عبدالناصر، سأل عن مبنى المباحث العامة وفي وسط البلد بمحافظة القاهرة كان يطلب من رئيس المباحث مقابلة رئيس الجمهورية.
3 أيام قضاها معهم، ناله من السخرية والاستهزاء الكثير على طلبه، لكنه أصر حاملاً معه الحقيبة وبها 185 ألف دولار، بعدما تأكد أن أحداً لن يعثر عليها لأن إبراهام أخفاها بشكل لا يصل إليه أحد حتى أن أحداً في المطار لم يكتشفها.
من المباحث إلى أمن الدولة ومنها إلى الرئاسة حتى تمكن بعد عناء من مقابلة عبدالناصر، ليحكي له ما جرى فيحيله إلى المخابرات العامة ويؤكد أن ما حدث معه كان محاولة لتجنيده، ويقول في آخر اللقاء "مصر بحاجة إليك يا سيد هوان"
يحكي الهوان أن الكلمة كانت كفيلة بأن تجعله يتحمل لسنوات ما لاقاه من ضغوطات ليلعب دور العميل المزودج للموساد الإسرائيلي والمخابرات المصرية.
في شقة فاخرة في وسط البلد أسس الهوان الشركة كما طلب منه إبراهام، شركة وهمية لا نشاط لها لكنه عين فيها طاقماً من الموظفين الذين يجيدون اللغات المختلفة كنوع من التغطية.
راسله ليطمئنه على التأسيس وأن كل شيء جرى على ما يرام، ليأتيه الرد أن عليه مغادرة مصر في الحال وتبدأ المهمات في التوالي عليه.
كان يكافئه الموساد بـ50 أو 100 دولار على النكتة الواحدة، بعدما طلبوا منه جمع نكات المصريين لتحليل مزاجهم النفسي في السنوات الست التي سبقت حرب أكتوبر.
وخلال فترة تجنيده التي تجاوزت 11 عاماً زار تل أبيب 38 مرة وكرمته جولدا مائير، رئيسة الوزراء الإسرائيلية، بعد نجاحه في اجتياز اختبارات جهاز كشف الكذب على مدى 4 ساعات.
شيمون بريز يشرف على تجنيده بنفسه
بعد هزيمة إسرائيل في حرب أكتوبر بـ 9 أيام أرسلوا له للحضور فوراً إلى تل أبيب وكان يخشى إعدامه
لكنه عاد إلى القاهرة بأحدث جهاز إرسال عرف باسم البطة السمينة يرسل رسائل في 6 ثوان.
وفي ليلة سفره زاره شيمون بيريز وأخرج الجهاز من علبته، وكان عبارة عن فرشاة مسح أحذية، وقال لضابط موساد آخر: "هل تعتقد أن مصر خالية من فرش مسح الأحذية حتى يشتريها ولا يستعملها، مؤكداً أن الحيلة لن تنفع مع ضباط الجمارك في مطار القاهرة، وفك الفرشاة وقام بنفسه بمسح حذاء الشوان حتى تصبح مستعملة.
في الساعة الـ11.15 قبل ظهر الأربعاء 22 ديسمبر سنة 1976 انكشف سر الهوان، أرسلت المخابرات المصرية برقية موجزة للمخابرات الإسرائيلية كتبت فيها "من المخابرات العامة المصرية إلى المخابرات الإسرائيلية، نكرر شكرنا على إمدادكم لنا بأدق وأخطر أسراركم، التي كشفت لنا المزيد من عملائكم داخلياً وخارجياً وذلك على مدى سنوات، وإلى اللقاء في معارك ذهنية أخرى".
ـ بمجرد وصول الرسالة أطلق ضباط الموساد، الذين تولوا تدريبه والإشراف عليه هناك النار على أنفسهم، وتم الكشف عنه كجاسوس مصري داخل جهاز المخابرات الإسرائيلية في 1978.