بدأت بعض البحيرات في ألاسكا وسيبيريا بتسريب غاز الميثان على شكل فقاعات، وقد تسبَّبت انبعاثات هذا الغاز قوي المفعول في قلق العلماء. وخلال الشهر الماضي، أصدرت وكالة ناسا صوراً تظهر من خلالها البحيرات القطبية المتجمدة، التي تنبعث منها الفقاعات، التي تنتج بفعل ظاهرة "ذوبان الجليد المفاجئ". وتنشأ هذه الظاهرة عندما يبدأ الجليد، الذي كان متجمداً لبضعة آلاف من السنين بالذوبان على نحو مفاجئ، مجلة Newsweek الأميركية.
ذوبان الجليد يتسبب بإطلاق الميثان
لطالما عرف العلماء أن ذوبان الجليد بشكل مفاجئ من شأنه أن يتسبَّب في إطلاق كميات كبيرة من غاز الميثان في الغلاف الجوي. وخلال ذوبان هذه المادة العضوية التي كانت محتجزة في باطن الأرض، يتحوَّل الميثان إلى الغاز، وهو ما يتسبَّب أيضاً في إطلاق الكربون. وفي حال تم إطلاق كل هذه الكميات من الغاز في الغلاف الجوي، فسيكون تأثيرها على المناخ شديداً للغاية. وسيؤدي ذوبان الجليد إلى إطلاق 1500 مليار طن من الكربون المحتجز في التربة الصقيعية، أي ضعف كمية الكربون الموجودة في الغلاف الجوي في الوقت الحالي.
يتسبب ذوبان الجليد الذي تكون منذ عدة سنوات في حدوث الكثير من المشاكل في القطب الشمالي. ففي سيبيريا مثلاً، انشقت الأرض، ما أدى إلى ظهور العديد من الفوهات الضخمة في السهول القطبية. وفي حين لم يتم تأكيد هذا الأمر، يُعتقد أن جيوب الميثان تتشكل عندما تذوب طبقات الجليد المتراكمة لفترة طويلة من الزمن، وعندما يزداد الضغط، تنفجر هذه الجيوب.
ويتسبب في تمايل الأرض
ويظن العلماء أن الميثان يتسبب في تمايل الأرض، خاصة بعد نشر مقطع فيديو سنة 2016، يُظهر بقعاً من الأرض العشبية تتحرك صعوداً ونزولاً أثناء وقوف الباحثين فوقها. ومع استمرار ذوبان الجليد، سيؤدي هذا الأمر في نهاية المطاف إلى حدوث العديد من المشاكل على مستوى البلدات والمدن الواقعة في هذه المناطق الشمالية، حيث ستصبح الأراضي أكثر ليونة وتتشوه الطرق وتبدأ المباني في الانهيار.
بحيرات الغاز والجليد
في دراسة ممولة من طرف وكالة ناسا نُشرت في مجلة Nature Communications، اكتشف العلماء مصدراً جديداً للميثان لم يتم احتسابه في النماذج التي يتم إحداثها لدراسة تغيرات المناخ، وهو الميثان الصادر عن البحيرات في التضاريس الحرارية. وتتشكل هذه البحيرات عندما تذوب التربة الصقيعية بسرعة أكثر من المعدل الطبيعي، وهو ما يؤدي إلى حدوث ضغط، ومن ثم تمتلئ هذه الفراغات بمياه الأمطار والجليد والثلج الذائب. وبعد ذلك، يتسبب الماء في تسريع معدل ذوبان الجليد الدائم عند شواطئ البحيرة.
يمكن أن يؤدي ذوبان الجليد المفاجئ إلى تسريع عملية إطلاق الميثان في الغلاف الجوي. وقد صرَّحت الباحثة في جامعة ألاسكا فيربانكس، كاتي والتر، بأنه: "في غضون عقود من الآن، يمكن أن يصل عمق الثقوب إلى عشرات الأمتار بشكل عمودي، وهو ما يعني أنها ستتسبب في إذابة التربة الصقيعية تحت هذه البحيرات بشكل سريع. وقد تمكننا من قياس نسبة الغازات الدفيئة الصادرة عن مثل هذه الثقوب بسهولة شديدة".
استند الباحثون إلى نتائج قياسات من 11 بحيرة تابعة لتضاريس حرارية ونماذج حاسوبية، لإظهار أن الذوبان المفاجئ سيؤدي إلى أكثر من ضعف التقديرات السابقة المتعلقة بذوبان الجليد الدائم. وخلال تفحصهم لهذه البحيرات، عثر هؤلاء الباحثون على فقاعات الميثان في 72 موقعاً مختلفاً، ثم قاموا بقياس كمية الغاز التي يتم إطلاقها من هذه التربة الصقيعية تحت المياه. وعمد العلماء إلى مقارنة هذه النتائج بنظيراتها في البحيرات القطبية العادية، حيث يحدث ذوبان الجليد الدائم بشكل تدريجي.
ذوبان مفاجئ للغاز الأرضي
أظهرت النتائج أن الذوبان المفاجئ في البحيرات التي تتمركز في التضاريس الحرارية تسبب في إطلاق كميات كبيرة من الميثان. وصرَّح الباحثون أن هذا المصدر الهام للغازات الدفيئة لم يتم احتسابه بشكل واضح في سيناريوهات تغير المناخ التي وضعتها اللجنة الدولية للتغيرات المناخية. وحتى في حال تمكننا من تقليل انبعاثات الغازات الدفيئة الصادرة عن البشر، ستستمر هذه البحيرات في إطلاق غاز الميثان.
كما أفاد والتر أنتوني بأن: "آلية الذوبان المفاجئ وتكوين البحيرات التي تقع ضمن نطاق التضاريس الحرارية تكتسي أهمية كبرى بالنسبة لتغذية التربة الصقيعية العكسية خلال هذا القرن. وهذا يعني أنه لن يكون علينا الانتظار لمدة تتراوح بين 200 و300 سنة، لكي تكون لدينا هذه الانبعاثات الهائلة للكربون الصادر عن الجليد الدائم. وستتخذ هذه الانبعاثات نسقاً تصاعديا خلال فترة حياتي وحياة أطفالي. إن الأمر يحدث في الوقت الحالي، لكنه لا يحدث بالسرعة الكافية، وفي غضون عدة عقود، سيصل إلى ذروته".
ودعا والتر أنتوني إلى إدراج مصدر غازات الميثان في النماذج المناخية للحصول على صورة أكثر دقة، تتعلق بتغير المناخ في المستقبل. وأكدت العالمة بمركز وودز هول للأبحاث في ماساتشوستس، سو ناتالي، التي لم تشارك في هذه الدراسة، أن هذه النتائج كانت "مثيرة للقلق".
وفي مقابلة مع مجلة Newsweek، قالت ناتالي إن "النماذج التي تأخذ بعين الاعتبار انبعاثات الكربون الصادرة عن ذوبان الجليد الدائم تظهر بشكل عام الذوبان على أنه عملية تدريجية من الأعلى للأسفل، لكنها لا تنظر في عمليات ذوبان الجليد المفاجئ. ويحدث الذوبان المفاجئ في القطب الشمالي، ويمكن أن يتسبب في معدلات ذوبان أشد سرعة وذات تأثير كبير للغاية".
وانبعاثات كربون من بحيرات القطب الشمالي
وأضافت ناتالي أن "هذه الدراسة اكتشفت وجود انبعاثات كربونية هائلة صادرة عن الذوبان المفاجئ للتربة الصقيعية تحت بحيرات القطب الشمالي، وهو ما يتسبَّب في مضاعفة التقديرات المتعلقة بانبعاثات الكربون الناتجة عن ذوبان الجليد الدائم بحلول نهاية هذا القرن". وترى ناتالي أن هذه النتائج مقلقة بحق، لاسيما أن التقرير الأخير للجنة الدولية للتغيرات المناخية لم يتضمن أي معلومات حول الانبعاثات الكربونية الصادرة عن ذوبان الجليد الدائم، أو حول تسبب هذه الانبعاثات في تضخيم التأثيرات المتسببة في الاحتباس الحراري".
وأكثر خطورة من انبعاثات البشر
ونوهت ناتالي بأنه: "حتى لو انخفضت الانبعاثات الصادرة عن البشر بشكل كبير في المستقبل، فستظل البحيرات القطبية تمثل مصدراً كبيراً لانبعاثات غاز الميثان. ويعني هذا الأمر أنه سيكون من الصعب الحفاظ على درجات الحرارة، ومنعها من الارتفاع فوق معدل 1.5 درجة مئوية أو درجتين الذي وضعه المجتمع الدولي هدفاً له".
عمل الأستاذ في قسم الجغرافيا الطبيعية وعلوم النظام الإيكولوجي في جامعة لوند السويدية، توربن كريستنسن، على التعليق على هذه الدراسة، حيث صرَّح لمجلة Newsweek بأن هذه النتائج مثيرة للاهتمام. وأفاد كريستنسن بأن ما يجعل هذه النتائج مهمة هو تمكنها من إظهار كيف يمكن للكربون الصادر عن ذوبان الجليد الدائم أن يلعب دوراً هاماً في الانبعاثات المستقبلية.
صرَّح العالم السويدي قائلاً: "تظهر الدراسة أن الأرض تختزن قدراً كبيراً من الكربون في النظام البيئي الطبيعي لمئات وآلاف السنين، ومؤخراً بدأ هذا الجليد الذي يحتجز الغاز في الذوبان. ويضاف هذا الغاز إلى الانبعاثات الطبيعية التي تستقر في الغلاف الجوي، وهو ما يجب علينا أخذه على محمل الجد في توقعاتنا المناخية".
وأكد كريستنسن أن انبعاثات الغازات الدفيئة بفعل العامل البشري تفوق بكثير الانبعاثات الطبيعية. ويعد الكربون الصادر عن التربة الصقيعية إضافة كبيرة، لكن يمكن اعتبارها أمراً بسيطاً عندما نقارنها بالانبعاثات البشرية الإجمالية. وتشير هذه الحقائق إلى أن الانبعاثات الصادرة عن البشر لا تزال تمثل كنه هذه المعضلة.