عندما هربت الأميرة تين هينان من زواج أرغمها عليه والدها في المغرب، لم تكن تعلم أنها ستصبح أسطورة والأم العرّابة لقبائل الأمازيغ المنتشرة في شمال إفريقيا. هي المرأة الجميلة والذكية التي حكمت جزءًا كبيراً من القارة الإفريقية بدهائها وحكمتها.
يعرفها العديد بلقب "أُم الطوارق"، التي انبثقت منها قبائل الطوارق، بعدما استقرت قرب بِرك مياه تسمى "ترڨة"، ومنها جاء اسم "التوارڨ".
نعود في هذا التقرير إلى القرن الرابع الميلادي، وتحديداً منطقة تافيلات، لنروي قصة الملكة الأم والسلف الأصلي للطوارق.
قوية وجميلة وحكيمة ولا تهاب الصحراء
هي امرأة أسطورية، نعرفها اليوم من خلال التقاليد الشفوية للطوارق، التي تصفها بالمرأة الجميلة والقوية. لا توجد كتابة تثبت وجودها، وتم تناقل حكايتها من جيل إلى جيل.
"أخبَرنا أسلافنا عن الملكة تين هينان، وكان أجدادهم هم من أخبروهم عنها. إنها الأم المؤسِّسة لمجتمع الطوارق والأساس المتين لهويتنا الأمازيغية"، هكذا يقول العديد من السكان الأصليين من الطوارق في تمنراست.
يصورونها ملهمةً و"امرأة جميلة لا تقاوَم، طويلة، مع وجه لا تشوبه شائبة، وبشرة مضيئة، وعيون ضخمة وأنف ناعم".
هربت من ديارها بحثاً عن الحرية
تقول الرواية الموروثة إن والدها قرر تزويجها بأمير إفريقي، فرفضت وهربت على رأس مجموعة من الجنود بصحبة خادمتها (وبعض الروايات تقول: أختها) "تاكامات" إلى ضواحي تمنراست. لكن رواية تاريخية أخرى تشير إلى أنها هربت نتيجة هجوم شنه الإمبراطور الروماني قسطنطين في القرن السابع، وهو ما يتناقض مع ما كشفه قبرها من أسرار. وفي كلتا الحالتين، فإن تين هينان هربت بحثاً عن الحرية.
ولأنها كانت كثيرة الترحال، ونصبت الخيام لمن كانوا معها سميت "تين هينان" أو "ناصبة الخيم"، وفقاً للهجة "التماهاك" القديمة.
تتبعت مجموعة من النمل فعثرت على المأكل والمشرب وأنقذت عشيرتها
بعدما نفِدت ذخيرتها، كاد الجوع والعطش يقضيان على من فرَّ معها، إلى أن انتهبت خادمتها "تاكامات" إلى مجموعة من النمل تحمل حبّات قمح. تبعوا النمل حتى عثروا على مخزون من الحبوب.
ثم أمرت تين هينان بالسير عكس اتجاه النمل، حتى وصلوا إلى جبال أهاجار، حيث عثروا على المياه والطعام، فاستقرت هناك وبدأت بتشييد نواة مملكتها الجديدة. وسرعان ما أصبحت أول ملكة من سكان الصحراء على من باتوا يُعرفون باسم الطوارق.
لم تكن مسلمة كما زعمت الأسطورة
ينحدر من مملكة هذه الملكة المغاربية الكثير من قبائل الطوارق الموجودة حالياً في الجزائر وليبيا وبوركينا فاسو والنيجر ومالي وتشاد. ولعل أكثر ما يشتهر به رجال الطوارق ملابسهم الزرقاء، وأنهم كانوا يغطون وجوههم وليس النساء.
نقلت الأساطير بداية أن تين هينان كانت مسلمة، لكن اكتشاف قبرها في عام 1925 كشف أسراراً عديدة؛ منها مثلاً أنها عاشت في القرن الثالث أو الرابع الميلادي، ما يعني أنها لم تكن مسلمة.
تم فتح القبر من قِبل بايرون خون دي بروروك بدعم من الجيش الفرنسي، وقام علماء الآثار بإجراء تحقيق شامل عام 1933.
ومجوهراتها الإثنية ما زالت متوارثة حتى اليوم
كانت جثتها ملقاة على ظهرها، في حين يتوجه وجهها نحو الشرق على لوح خشبي. وكانت محاطةً بمجوهرات عديدة من الذهب والفضة واللؤلؤ.
على يدها اليمنى كانت ترتدي 7 أساور فضية، وعلى اليسرى 7 أساور ذهبية. ووُضع سوار آخر معها وخاتم. كما كان هناك بقايا عقد كبير ومعقد من الذهب واللؤلؤ، إلى جانب آثار أخرى.
كشف هيكلها أنها كانت امرأة طويلة ورشيقة، وأنها كانت عريضة الأكتاف وذات ساقين نحيفين. ويستعرض متحف باردو في الجزائر قبر الملكة ومجوهراتها وحتى هيكلها العظمي.
وما زالت مجوهراتها تشكل إلهاماً للإكسسوارات الفضية أو المذهّبة التي ترتديها نساء الأمازيغ حتى يومنا هذا.
اعتقد المحاربون الطوارق أنهم كانوا من نسل تين هينان المباشر، في حين كان الفلاحون يعتبرون أنفسهم ذرية خادمتها "تاكامات".
الاكتشافات الفرعونية غطَّت على أهمية اكتشاف قبرها
تم اكتشاف مقبرة تين هينان، كما ذُكر من قبل، في عام 1925. وفي عام 1920، اكتشف الأوروبيون العديد من المواقع الأثرية المصرية، منها قبر توت عنخ آمون من قِبل هوارد كارتر، ومدينة أور من قِبل ليونارد وولي. طغت هذه الاكتشافات على المواقع الأثرية الأخرى؛ لذا لم تحظَ تين هينان بكل الاهتمام، وألقت بظلالها بعض الشيء عليها.
والجزائريون ما زالوا يحتفون بقصة كفاحها الملهمة
من بين الطرق التي يتم بها تكريم تين هينان اليوم، الاحتفال بمهرجان على اسمها. وهو تكريم ليس فقط لهذه الملكة، ولكن أيضاً للدور الذي تلعبه المرأة في المجتمع الجزائري اليوم.
إذ لطالما كانت المرأة عضواً مهماً في العائلات الأمازيغية والمجتمعات بشكل عام. وحتى اليوم، لا تزال هناك قبائل تحيي ذكرى القديسات الأمازيغيات اللاتي أطلِق عليهن لقب "للّا"، وهو مصطلح يُستخدم لتبجيل الناس وتكريمهم.
لم تكن تين هينان المرأة الأمازيغية الوحيدة الملهمة فقط؛ بل توجد أيضاً الملكة الأمازيغية "ديهيا"، التي حاربت الروم والعرب. ونتطرق إلى سيرتها الحافلة في تقرير آخر.