ازدحام المدن خلال القرن التاسع عشر هو الذي أدى إلى ظهور مرض الكساح، هكذا كان يظن العلماء، ولكن يبدو أن أصول المرض تعود إلى أقدم من ذلك بكثير، إذ إنه انتشر في أوروبا في فترة تاريخية ارتبطت بالازدهار الحضاري.
في حين يشير العلماء تقليدياً إلى أن أصول مرض الكساح تعود إلى القرن التاسع عشر، فإن الكثير من الأبحاث كشفت أن الرومان كانوا يعانون من نقص الفيتامين دي، الذي يسبب هذا المرض، حسب تقرير لصحيفة The Guardian البريطانية.
وقد تم التوصل إلى هذه النتائج بعد قيام باحثين من مؤسسة Historic England وجامعة ماكماستر الكندية بفحص 2787 هيكلاً عظمياً من 18 مقبرة رومانية مختلفة، ليجدوا أن مرض الكساح كان منتشراً قبل ألفي سنة.
التشابه بين العصرين الفيكتوري والروماني يفسر سر نشأة هذا المرض
يصاب الإنسان بالكساح بسبب نقص في فيتامين دي، وغالباً ما يكون ذلك ناتجاً عن عدم التعرض لأشعة الشمس.
ولطالما مثَّل هذا المرض مشكلةً أساسية في المدن المزدحمة والملوثة في بريطانيا خلال القرن التاسع عشر، خاصة خلال العصر الفيكتوري.
هذا الأمر يدفعنا إلى العودة إلى الفترة الرومانية، حسب عالم الأحياء البشرية في مؤسسة "Historic England"، سايمون مايس.
ويقول مايس: "نحن نربط هذا المرض بالعصر الفيكتوري بسبب طابع الحياة العصري.
ومن المؤكد أن الإمبراطورية الرومانية شهدت تحولاً حضارياً واسعاً في أوروبا، لكن هل يمكننا العثور على الكساح هناك أيضاً؟".
والعصر الفيكتوري هو حقبة في التاريخ البريطاني خلال فترة حكم الملكة فيكتوريا من 1837 حتى وفاتها في 1901، شهدت ازدهاراً وتحسناً للمعايير الأخلاقية، خاصة بالنسبة للطبقة الوسطى.
كما كانت الفترة سلمية بين الدول العظمى، وتمتعت بريطانيا خلالها بتفوق بحري قوي وقيادة عالمية في التصنيع والتمويل والسكك الحديدية والشحن وريادة الأعمال، وشرعت في التوسع الإمبراطوري العالمي، وخاصة في آسيا وإفريقيا، مما جعل الإمبراطورية البريطانية أكبر إمبراطورية في التاريخ، كما بلغت الثقة بالنفس الوطنية ذروتها.
وكانت هناك تغييرات ديموغرافية لم يسبق لها مثيل، حيث تضاعف عدد سكان إنكلترا وويلز تقريباً من 16.8 مليون في عام 1851 إلى 30.5 مليون في عام 1901، ولكن تناقص عدد سكان أيرلندا.
الأطفال هم الأكثر إصابة.. والسبب قد يكون الأمهات
في الأبحاث التي دامت ثلاث سنوات، عمل الباحثون على فحص الهياكل العظمية التي وجدوها في مناطق مختلفة من شمالي إنكلترا ووصولاً إلى جنوبي إسبانيا، بحثاً عن التشوهات التي تدل بشكل عام على الإصابة بالكساح خلال العصر الروماني.
وقد عثروا على علامات تدل على الإصابة بمرض الكساح، بمعدل شخص واحد من بين كل 20 طفلاً، مع تسجيل معظم حالات الإصابة في صفوف الأطفال.
وتفاجأ مايس عندما وجد أن الأطفال يمثلون الشريحة الكبرى من المصابين بالكساح، حيث كان بعضهم يعاني من هذا المرض منذ الأشهر الأولى لولادته، وهو ما أدى إلى استنتاج، مفاده أن الأشخاص في ذلك الوقت كانوا يُبقون أطفالهم داخل المنزل طوال الوقت.
ويبدو أن سبب ترك الأمهات لأطفالهن في المنزل أمر خلافي، وهو ما دفع مايس للقول إن "البعض يفترض أن معظم النساء يغادرن منازلهن للعمل في الزراعة، وهو ما يفسح المجال لإمكانية إصابة أطفالهن بهذا المرض".
ولكن اللافت أن بريطانيا أيضاً كانت الأكثر إصابة بالمرض
توصلت الأبحاث إلى أن بريطانيا كانت تضم أكبر نسبة من المصابين بالكساح، ويرجح سبب ذلك إلى السماء الغائمة والطقس الممطر.
وبشكل مغاير للعصر الفيكتوري، كان الكساح في العصر الروماني أقل شيوعاً في البلدات بالمقارنة بالمدن، باستثناء بلدة أوستيا في إيطاليا، التي ضمَّت ميناء على نهر التيبر، وكانت مأهولة بعدد كبير من الأشخاص الذين كانوا يعيشون في أماكن مماثلة للمباني السكنية متعددة الطوابق التي لدينا اليوم.
وأفادت ميغان بريكلي، الباحثة في جامعة ماكماستر، والمحققة الرئيسية في هذا المشروع، بأن "العيش في شقق ذات نوافذ صغيرة داخل مباني متقاربة بشكل كبير وحول الساحات والشوارع الضيقة، يعني أن الأطفال لم يكونوا معرضين لأشعة الشمس لنيل كفايتهم من فيتامين دي".
والآن يجب علينا أن نتعلم من التاريخ كيف نتعامل بشكل سليم مع الشمس؟
ويبين البحث الذي نشر في مجلة American Journal of Physical Anthropology أن مشكلة نقص فيتامين دي ليست مشكلة حديثة العهد، لكنها تتيح لنا معرفة الطرق المثلى للعيش في الوقت الحالي.
ويقول مايس إن "الكساح يرينا أهمية تعريض أجسادنا إلى أشعة الشمس. فنحن نميل إلى أن نكون قلقين بشأن زيادة خطر إصابة أطفالنا بسرطان الجلد، في حال قمنا بتعريضهم لأشعة الشمس، وهذا أمر صحيح تماماً، لكن هذا الاكتشاف يرينا أيضاً أن تجنب أشعة الشمس وحرمان أجسادنا منها، كما كان يحدث في العصر الروماني، سيؤدي إلى الإصابة بالكساح".
اقرأ أيضاً..
ها هي بومبي الرومانية تبهرنا من جديد.. اللصوص ساعدوا في اكتشاف أطلالها المطمورة تحت البركان
جرّبت كل أنواع الوقاية من الشمس وما زال جلدك يدفع الثمن؟ تعرّف على أسباب فشل هذه الكريمات