عندما تحرَّكت سفن الهجرة من القارة الأوروبية إلى "العالم الجديد"، كان الباحثون عن حياةٍ جديدةٍ على الضفة الأخرى للمحيط الأطلسي يحملون معهم عملات أوروبية متنوعة.
وعند وصولهم إلى القارة الأميركية، اشتروا من السكان الأصليين بالذهب وحتى بالعملات التي جلبوها معهم، لكن عندما نفد ما معهم من ذهب ونقود، صاروا عاجزين عن الشراء فاستخدموا المقايضة بالطرق القديمة، أو لجؤوا إلى العنف.
رفضت السلطات البريطانية تصدير نقودها وزادت الضرائب، ولم تسمح للمستعمرين في العالم الجديد بسك العملة، حتى وُلد الدولار الأميركي في العام 1792.
لم يكن دولار أميركا الأول، بل سبقه للوجود دولارات أوروبية أخرى أبرزها الدولار الإسباني!
مع اشتعال الحرب في أميركا، ولدت العملة!
في العام 1776 أعلن الأميركيون الاستقلال عن بريطانيا، ودخلوا في حروب طويلة معها، وانتصروا بعد 7 سنوات، عرفت بحرب الاستقلال عن بريطانيا وتلتها الحرب الأهلية الأميركية.
بعد نجاح "الثورة الأميركية"، نشأت ولايات أميركية متحدة، تسودها الفوضى المالية. وكانت الحرب مع قوى عظمى ذات تكلفة هائلة على الأميركيين.
فأصدر الكونغرس القاريّ ورقة مالية تسمى كونتننتالس Continentals (ومعناها الحرفي: القاريّ)، ودفعت بها تكاليف الحرب الباهظة.
لكن قيمتها انخفضت بشكل هائل خلال الحرب، كان الاقتصاد ضعيفاً للغاية ولا توجد عوائد من الضرائب أو بيع السندات.
في 6 يونيو/حزيران 1785، تبنى الكونغرس الدولار الأمريكي كعملة بعد الثورة الأميركية على بريطانيا، وأخرت الخلافات تنفيذ القرار عدة سنوات.
وأصبح الدولار المرتبط بالذهب والفضة عملة وطنية، لكن وزنه كان أخف قليلاً من الدولار الأوروبي.
وبعد 70 عاماً أخرى، بدأ طبع الأوراق النقدية باللونين الأخضر والأسود المعروف بهما حتى الآن.
وكان سعر الدولار متذبذباً!
كانت العملة الخضراء متذبذبة وأثيرت الشكوك حول مصداقيتها، ولم يكن بالمقدور تحويل الدولار حينها إلى ذهب، لكن الكونغرس أصدر تشريعاً يجرّم فيه من يرفض التعامل بالدولار الأميركي.
وتعرّضت العملة بنهاية القرن الـ 19 لخسارة هائلة في القيمة، وحينها أعيد تغطية الدولار بالذهب، وأصبح بمقدور من يملك دولاراً استبداله بالذهب، وتحسن الاقتصاد بعد هذه القرارات.
وبعد الحرب العالمية الأولى، وبالتحديد في العام 1929 بدأ "الكساد الكبير"، واضطر الرئيس الأميركي آنذاك فرانكلين روزفلت، الذي وصل لمنصبه بعد 4 سنوات من الكساد، إلى إصدار قرار بتحويل ذهب المواطنين إلى دولارات، فانخفضت العملة، وارتفع سعر الذهب، وطبع البنك الفيدرالي المزيد من النقود لإنعاش اقتصاد البلاد.
ومع اشتعال الحرب العالمية، أصبح الدولار عملة احتياطية دولية!
دمرت الحرب العالمية الثانية اقتصادات العالم، لكنها تركت الولايات المتحدة دون أذى تقريباً.
اقترضت الحكومات الأوروبية من أميركا، فزاد احتياطي الذهب الأميركي كثيراً، وجعل الولايات المتحدة قوةً سياسيةً واقتصاديةً كبيرةً بعد الحرب، وحتى الآن.
تراجعت قيمة الذهب، وتعزَّزت الثقة بالدولار الأميركي بعد خطة "مارشال 1948″، التي منحت فيها أميركا للحكومات الأوروبية لشراء ما يلزمها لإعادة بناء اقتصادها بعد الحرب.
معاهدة جعلت الدولار عملة عالمية.. وقرار نيكسون قلب الطاولة على الجميع
بمشاركة أكثر من 40 دولة، وضع نظام بريتون وودز في العام 1944، الذي اشتمل على إنشاء مؤسسات مالية دولية تولت أميركا إدارة البنك الدولي، بينما قام الأوروبيون بإدارة صندوق النقد.
وربطت الاتفاقية عملة كل دولة إما بالذهب أو الدولار، الذي أصبح منذ ذلك الحين عملة دولية تمتلك الولايات المتحدة أغلبية رصيده، ويحتفظ بسعر ثابت أمام العملات الأخرى.
وبحسب معاهدة "بريتون وودز" أصبحت الأوراق النقدية (الدولار) بديلاً للذهب، وتعهدت أميركا أن تقدم أونصة ذهب لكل من يملك 35 دولاراً، وبذلك تعززت قوة الدولار والثقة فيه، وأصبح يسمى "عملة صعبة".
ومع دخول اتفاقية التجارة العالمية "غات" حيز التنفيذ، في العام 1947 تعززت قيمة الدولار، بعد أن أصبحت الولايات المتحدة راعية التجارة العالمية.
لكن هذا الوضع دام لأقل من ربع قرن فقط، فقد قرر الرئيس ريتشارد نيكسون في أعقاب حرب فيتنام التي كلفت أميركا الكثير، أن يلغي مقايضة الدولار بالذهب، وأن يعرض الدولار في السوق للمضاربة ويتحدد سعره بناءً على العرض والطلب، وليس ما يعادله من الذهب.
وفي العام 1971، قرَّرت الحكومة الأميركية وقف تحويل الدولار إلى ذهب.
وعامت العملات على إثر القرار الأميركي، أي أن قيمة العملات المختلفة يمكن أن تزيد أو أن تنقص وتتغير كل يوم، بدلاً من سعر ثابت أمام الدولار الذي أضحى مجرد ورقةٍ نقديةٍ بلا قيمة تعادله من الذهب.